موقع المعلم… محطة عزّ في تاريخ الحزب
العميد الامين نزيه روحانا 1
نشكر حضرة ناموس مجلس العمد الأمين نزيه روحانا الذي قدم لنا هذه المعلومات الغنية عن موقع للحزب تميّز بصموده في سنوات الحرب وفيه سقط العديد من الشهداء، وسطّر صفحات ناصعة من البطولات والتفاني والتضحية.
ندعو الرفقاء والرفيقات الذين تواجدوا في موقع المعلم أو يملكون معلومات مميّزة لتاريخ الحزب وصوراً لرفقاء، أن يكتبوا إلى لجنة تاريخ الحزب كما ندعو رفقاءنا في أيّ مكان في الوطن وعبر الحدود أن يدوّنوا كلّ ما يفيد تاريخ الحزب في متحداتهم، فهذه يجب أن تبقى للأجيال، وتنضمّ إلى تاريخ عظيم سطره الحزب منذ التأسيس، ومستمرّ.
ل. ن.
ليس من السهل بمكان أن تؤرخ لموقع من مواقع الحزب العسكرية، التي سطرت فيها دماء الشهداء أروع ملاحم الصمود، وأنصع صفحات العز، في مواجهة العدو الاسرائيلي وعملائه في الداخل.
تبدأ الحكاية من انشاء الحزب موقعاً في حي المعلم/صفير، والذي هو كان يعرف سابقاً بطريق صيدا القديمة، ويبدأ من كنيسة مار مخايل الواقعة على تقاطع الشياح عين الرمانة في آخر نقطة من الجنوب الشرقي، صعوداً حتى مستشفى «السان تريز» في اول الحدث، شاملاً ما هو معروف بحي الأميركان امتداداً لجهة الشرق حتى تقاطع غاليري سمعان، وشاملاً منطقة حي ماضي- حي آل المقداد حتى حدود منطقة بئر العبد.
وأما خطوط التماس التقليدية التي كانت الحرب عام 1975 قد رسمتها، فهي الخط الممتد على بولفار كميل شمعون من السان تريز حتى غاليري سمعان، ومن غاليري سمعان حتى كنيسة مار مخايل.
وفي بداية الامر إقتصر استحداث الموقع على الرفقاء القاطنين في الحي، والذين لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة، وذلك بعدما تعرّض الحي للاعتداء من عناصر الكتائب اللبنانية الآتية من الحدث أو من عين الرمانة لاحتلال الحي والتمركز فيه.
ومع اشتداد المعارك في المنطقة، استقدم الحزب عدداً من المقاتلين لتثبيت الموقع وللدفاع عن المنطقة بوجه الطامعين والمعتدين، لا سيما أن الموقع تعرّض لأقسى المعارك وأعنف الهجومات، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وبقي الموقع وامتداداته الجغرافية- العسكرية، كلها صامدة، بوجه كل الهجمات بما فيها اجتياح العدو الاسرائيلي عام 1982.
وأما الشهداء الذين سقطوا في موقع المعلم فهم: الرفقاء- احمد حنينو- علي دخل الله- دياب مكحل – غالب الهق- عدنان شقير- غيث خيربك – غسان الحاج حسن- عبدالرزاق شيخو- حسين كامل نزهة – حسين مغربل – مصطفى المصري- نقولا عبدالله سعادة – حسام عبد الصمد – حسن الزين – علي عاصي.
بالاضافة الى عدد كبير من المواطنين المدنيين الذين استشهدوا في بيوتهم او على الطرقات بسبب أعمال القصف أو القنص.
هذا عن الشهداء، اما عن الذكريات فجمّة ووقفات العز كثيرة والبطولات والعطاءات والنشاطات والمهرجانات… كلها محطات جُبلت بتراب الحي على وقع نبضات العقيدة القومية الاجتماعية وعلى قاعدة المناقبية والبطولة والفداء ومُثل الحق والخير والجمال.
بدأت المديرية بحفنة من الرفقاء ولم تمض شهور حتى بلغ عدد أعضائها خمسة وثمانين رفيقاً ورفيقة، غالبيتهم من الشباب المقاتل والمثقف، حتى ان المديرية بدورها كانت ترفد المواقع الحزبية الاخرى عند الضرورة بفصيل او فصيلين من المقاتلين وكذلك عند الحاجة لاقامة الاحتفالات الحزبية. ومما أذكر انه وخلال الاجتماعات الدورية كان الرفقاء والرفيقات يفترشون الارض جلوساً لكي تتسع قاعة الاجتماعات لهم، حتى أن بعضهم يبقى واقفاً على الشرفات وفي الممرات الداخلية وفي الغرف المجاورة.
ولم تمرّ سنة، حتى تم تأسيس عدة فروع كانت مديرية المعلم هي قاعدة انطلاقها، فكانت مديرية الشياح الأولى «المعلم»، مديرية الشياح الثانية، مديرية الشياح الثالثة، مفوضية صفير- مفوضية حي ماضي- مفوضية بئر العبد.
وأما الموقع، فقد غدا رمزاً من رموز الحزب نضالاً وثمرة من ابطاله، فانطبع اسمه في ذاكرة القوميين الاجتماعيين، وصار عنواناً لإنتصاراتهم، ومحطة لا تمحى من سيرة العز القومي الذي خطه القوميون بدمائهم وجروحهم وتهجيرهم وتعرضهم لأقصى ظروف الحياة.
كما تحول الموقع بطابعه الاجتماعي، الى نموذج للحياة القومية الواحدة حيث لا مكان للطائفية، او لأي نوع من انواع التعصب والتزمت، بل وحدة حياة حرة يشدها العصب القومي، والزخم الشعبي والمجتمع المقاوم، المؤيد بصحة الرؤية وصلابة العقيدة والارادة.
وبالمناسبة لن أنسى الكلمة التي ألقاها رئيس الحزب الامين المرحوم عبدالله سعادة آنذاك في احد مهرجانات حي المعلم، حين قال: ها هنا، زرع ابني ورفيقي الشهيد نقولا سعادة دمه، وها هو يزهر ويثمر أمام عيني براعم اشبال وزهرات حتماً هي أجيال النصر الآتي. وكان يشير بيده الى صفوف الأشبال والزهرات البديعة النظام والمقدر عددها بالمئات. لن أنسى علي عاصي» ابو وسام» بصلابة ارادته، وحسن أخلاقه، والذي استشهد وهو يُجلي المصابين على اثر غارة اسرائيلية عام 2006، والشهيد مصطفى المصري الذي كان أمياً قبل انتمائه للحزب، وبعد الانتماء تعلم القراءة ثم الكتابة، بعدما تعلم البطولة حتى الاستشهاد.
المفقودون:
لن أنسى المفقودين واولهم : ابو عصام محمد النابلسي، ناظر التدريب لأكثر من فترة والذي كان يتمتع بالأداء الرصين والحيوي دائماً وكان يتحرق شوقاً لليوم الذي ينتصر فيه الحزب. كما أذكر الرفقاء انطون ابو سمح، الذي كان قد هُجر من بلدته، وجورج سركيس وحسين عباس وطلال عليق المعروف بإسم وسام الاشقر والذي كان ذو موهبة بالتمثيل. وأحمد حسن الحاج حسن وممدوح بركات وجميع هؤلاء الرفقاء امتدت اليد المجرمة إليهم مستغلّة الاجتياح الاسرائيلي لمدينة بيروت وضاحيتها الجنوبية، وخطفتهم قسراً وأخفتهم ولم يعرف شيء عن مصيرهم حتى يومنا هذا. هؤلاء المناضلين الذين بذلوا ما بذلوه من تضحيات ونضال وتعب وسهر وعرق وجاهدوا في سبيل انتصار الحزب والعقيدة امتدت اليهم يد الغدر، لتنال من حياتهم في خطة للنيل من معنويات الحزب، ولكنها خسئت، فأسماء الأبطال الوطنيين، لا ولن تمحوها ارادات الشر والجريمة والعمالة.
الاجتياح الاسرائيلي:
وأما في زمن اجتياح العدو الاسرائيلي وحين عزّت المقاومة، وخلت الساحات والمناطق إلا من أصحاب النفوس الكبيرة والارادات القوية والابطال، فهناك في المعلم، بنى الحزب قلعته الحصينة، متاريس ودشم مسلحة على امتداد الطوابق العليا والسفلى، حفر الخنادق والسراديب من بناية الى بناية، وتجهيز المحور بالاسلحة الثقيلة من مدافع هاون ورشاشات ثقيلة ومدافع محمولة، والأهم بالشباب المقاوم الذين عاهدوا الحزب وسعادة على أن يحموا الوطن مهما كانت التضحيات.
وبقيت مواقع الحزب في منطقة المعلم والمحور بكامله صامدة، حتى اسقطت وأسقطت معها بيروت والضاحية الجنوبية.. بالاتفاقيات والمساومات بين العدو الاسرائيلي والقائمين على الدولة اللبنانية آنذاك وتحت تأثير الضغط السياسي الاميركي الذي كان يقوده فيليب حبيب وبالتواطؤ مع الانظمة الرجعية العربية.
ولكن لم تمض فترة طويلة، حتى عاد الحزب وفي سياق حركة 6 شباط الى المنطقة بعائلاته وبأعضائه وجدّد حضوره الحزبي والاجتماعي في المنطقة.
بالخلاصة، موقع المعلم محطة عزّ بارزة في تاريخ الحزب، ومعمودية نار منها تخرج اجيال من القوميين المؤمنين بحضارة أمتهم وحتمية انتصارها، وسيبقى اسم الموقع راسخاً في ذاكرة القوميين وعنواناً للبطولة والتضحية والعطاء.
هوامش
1 – عرف الامين نزيه روحانا باسم شريف روحانا طيلة فترة تواجده في المعلم فتوليه لمسؤولية مدير مديرية الشياح الاولى