لافروف يحسم مفاوضات حلب… الانسحاب الشامل للمسلحين أو الكلمة للميدان الحريري وجعجع يقيّمان الوضع الحكومي بين التسهيل والتعطيل… الأشغال؟
كتب المحرّر السياسي
التصعيد الأميركي ضدّ إيران عبر إقرار مشروع قانون في الكونغرس يمدّد العقوبات لعشر سنوات بصورة مخالفة لأحكام التفاهم حول الملف النووي، رتّب رداً إيرانياً بالوعد بحزم بردود قاسية إذا لم يتمّ وقف القانون، وسيطر القلق على مصير التفاهم في ضوء ما تسرّب عن دعوات برلمانية إيرانية بإعادة العمل بتخصيب اليورانيوم على درجات عالية، وتركيب أجهزة طرد مركزي من الأجيال الجديدة تتيح الحصول على كميات من اليورانيوم العالي التخصيب في شهر كان يحتاج إنتاجها لسنة، وتتوالى الاتصالات بين إيران وأطراف التفاهم التي تضمّ الدول المشاركة وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، تلافياً لموجة من التصعيد تضع مصير التفاهم على كفّ عفريت، وتطلق موجة من التصعيد تصعب السيطرة عليها في مناخ دولي قلق وغير مستقرّ ولا تحكمه مراكز قوى ثابتة وراسخة، ولا قواعد للعلاقات في عالم لا يزال في مخاض مراحل انتقالية، وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسقوط الواحدية الأميركية من دون تثبيت شكل بديل لإدارة العلاقات الدولية.
في ترجمة مكانتها الجدية في العالم والمنطقة بصورة خاصة، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ طريق الحلّ في حلب هو واحد من اثنين ولا ثالث لهما، إما انسحاب كلّ المسلحين من كلّ الأحياء الشرقية لحلب أو تقبّل نتائج المعارك التي يشهدها الميدان والتي ستؤدّي لوضع هذه الأحياء بيد الجيش السوري قريباً، وهذه النتيجة التي بشّر بها لافروف كانت تترجم بدخول الجيش السوري إلى المزيد من الأحياء الخاضعة للمسلحين، ومحاصرة حي الشعار، وصولاً لحصر المسلحين في الجزء الجنوبي من الأحياء الشرقية للمدينة.
لبنانياً، تحرّكت المساعي لتشكيل الحكومة على جبهة العلاقة بين الرئيس المكلف سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية، الذي تقع عنده حلحلة العقدة الحكومية بقبول التنازل عن حقيبة الأشغال التي تؤول لحركة أمل، وفقاً لصيغة اعتماد الحكومة الحالية وتوزيع الحقائب فيها أساساً لتشكيل الحكومة الجديدة. وهي الصيغة التي أبلغها الرئيس المكلف لرئيس المجلس النيابي نبيه بري قبل أن يتعهّد بها للقوات ويتسبّب بالأزمة المترتبة على عدم رضا تيار المردة عن الحقائب التي عُرضت عليه.
وسطاء على خط بعبدا بنشعي
راوحت اتصالات التأليف الحكومي مربّعها في نهاية عطلة الأسبوع على أن تتكثف اليوم بين الرئيس المكلف سعد الحريري والقوى المعنية مع دخول وسطاء على الخط لعقد لقاءٍ بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس تيار المردة لحل عقدة الحقيبة الأساسية للمردة.
وعلمت «البناء» أن «وسطاء يعملون على خط بعبدا بنشعي لترتيب وإخراج زيارة يقوم بها فرنجية الى الرئيس عون لحوار صريح بينهما يؤدي الى ولادة سريعة للحكومة وترميم العلاقة بين الحليفين الماضيين».
ورفضت مصادر مطلعة في تيار المستقبل «الربط بين تشكيل الحكومة ومواعيد معينة كحلول الأعياد»، موضحة لـ»البناء» أن «الرئيس المكلف سعد الحريري لن يضع مهلاً للتأليف، بل يبذل الجهود الحثيثة بعيداً عن الأضواء لتذليل آخر العقبات، وهو منفتح على جميع الأطراف ولم ولن يضع فيتو على مشاركة أي طرف»، ووفقاً للمصادر نفسها فإن «أزمة تشكيل الحكومة أبعد من توزيع الحقائب بل برغبة أطراف عدة في تحديد قواعد العلاقة المستقبلية في العهد الجديد وترسيم الأحجام والأوزان السياسية»، مؤكدة أن «الحريري سيواصل مساعيه مطلع الأسبوع بالتعاون مع رئيس الجمهورية للوصول الى ولادة حكومة توافقية».
وفي ما خصّ قانون الانتخاب، أكدت المصادر أن «تيار المستقبل ليس متمسّكاً بقانون الستين في الانتخابات النيابية المقبلة بل قدّم مع حزب القوات والحزب الاشتراكي مشروع القانون المختلط 68 نائباً أكثرياً و60 نسبياً مقابل قانون رئيس المجلس النيابي نبيه بري المختلط 64 نسبياً و64 أكثرياً »، موضحة أن «تيار المستقبل منفتح على النسبية حول هاتين الصيغتين».
ودعت المصادر كافة الأطراف الى تسهيل تأليف الحكومة، لأنها ذلك سيريح الأجواء في البلد ويسهّل إقرار قانون الانتخاب الذي تنشده كل الأطراف في الحكومة ويحتاج الى أكثرية الثلثين وذلك لأهميته على المستوى الوطني، لكن لا مانع من إقراره في المجلس النيابي عبر اقتراح قانون إذا تعذر ذلك في الحكومة، وهذا يتوقف على توافق القوى السياسية وهناك متسع من الوقت لذلك».
واستقبل الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، مساء أمس في «بيت الوسط»، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وعرض معه التطورات السياسية الراهنة، ولا سيما الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة. وحضر الاجتماع الذي استكمل حول مائدة عشاء، النائب عقاب صقر ومستشار الرئيس الحريري الدكتور غطاس خوري ونادر الحريري وملحم رياشي.
عون لا يوجّه الدعوات الخاصة
وقالت مصادر في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إن «تأليف الحكومة قطع الشوط الأكبر وأنجز ما يقارب 90 في المئة، لكن إعلان التشكيلة النهائية يحتاج الى بعض الإرضاءات لقوى معينة». وأوضحت أن «رئيس الجمهورية اتخذ خطوات عدة لتسهيل عملية التأليف كتمسّكه بحكومة الوحدة الوطنية ولم يذهب ولا الرئيس المكلف الى حكومة أمر واقع، بل يُصرّان على حكومة توافقية ثم اتبعها بخطوة وطنية بدعوته جميع القوى الى الحوار في بعبدا، لكن النائب سليمان فرنجية لم يتلقفها ويبدو أنه يريد دعوة خاصة لزيارة الرئيس عون. وهذا الأمر لم يعتد عليه رئيس الجمهورية بأن يوجّه دعوات خاصة للسياسيين لزيارته».
واستغربت المصادر «رفض فرنجية جميع العروض التي عرضت عليه لتولي تياره حقيبة التربية أو الصحة»، لافتة الى أن «فرنجية يفرض شروطاً من نوع آخر، الأمر الذي يعرقل الحكومة، وبالتالي يرسم شكوكاً حول نية بعض الأطراف إقرار قانون انتخاب جديد ومحاولة لتثبيت نوع من زعامة وموقع في المعادلة من خلال تشكيل الحكومة».
وعن حصة «القوات» المضخّمة ودعم «التيار» لها، لفتت الى أن «القوات تنازلت عن الحقيبة السيادية ولم تعُد العقبة التي باتت موجودة في مكان آخر»، موضحة أن «نيل القوات حصة موازية للتيار أمر طبيعي، ولا يشكل حصرية التمثيل للشارع المسيحي في ظل تمثل المردة والكتائب»، لافتة أن «حصة التيار كانت توازي حصة الكتائب في الحكومة الماضية، رغم الفارق الكبير في التمثيل في المجلس النيابي ولم نعترض حينها».
لا حكومة من دون المردة
وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ «البناء» إن «حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله مصرّ على تمثيل رئيس تيار المردة بحيقبة أساسية في الحكومة، كما أصرّ على ترشيح الرئيس عون وانتخابه رئيساً للجمهورية، مشدّدة على أن «الثنائي الشيعي يقف بقوة خلف مطالب فرنجية بالحقيبة التي يريدها كسائر القوى السياسية»، مستبعدة «ولادة الحكومة من دون تمثيل المردة».
وأكدت أن «تفويض السيد نصرالله للرئيس بري التفاوض بشأن الحكومة عن أمل وحزب الله مستمر، مهما طال أمد تشكيل الحكومة حتى تمثيل المردة وأي رهان على تدخل حزب الله لدفع فرنجية للتنازل عن مطالبه رهان ليس في محله يشبه الرهان على تخلّي حزب الله عن دعم عون للرئاسة». وحذرت المصادر من أن «إطالة أمد التأليف الى أشهر عدة سيفقد العهد الجديد بريقه والزخم الذي انطلق به منذ انتخاب عون»، متسائلة «إذا كانت جميع القوى السياسية داعمة للعهد فلماذا لا تتشكل الحكومة؟».
وأشارت المصادر الى «رفض الثنائي الشيعي إظهار المردة بموقع المهزوم في الحكومة أو الانتقام منها»، لافتة الى محاولات القوات إقصاء المردة وأحزاب في 8 آذار عن المشهد السياسي، وأشارت الى أن «عقدة المردة تحول دون تشكيل الحكومة»، مؤكدة أن تلبية مطلب المردة سينتزع كل سبب أو مبرر للقوى السياسية لتأخير إعلان الحكومة». واستبعدت المصادر أن يأخذ رئيس الجمهورية وزيراً شيعياً مقابل وزير مسيحي للرئيس بري، كما أن 8 آذار لن تطالب بالثلث المعطل بعد خلط الأوراق وانتهاء مرحلة الانقسام السياسي التقليدية بين 14 و8 آذار التي باتت تضمن حماية خياراتها الاستراتيجية في ظل وجود الرئيس عون، لكن فريق 8 آذار لن يرضى في الوقت نفسه أن تنال 14 آذار الثلث الضامن، وهي في موقع متقدم في السلطة الجديدة وستطلب دائماً المعاملة بالمثل.