«القوّات» دعسات ناقصة وتأخير الحكومة مطلب الحريري
جهاد أيوب
تعتقد «القوات اللبنانية» أنّها هي التي أتت برئيس الجمهورية ميشال عون وهي التي جلبت الاستقرار، مع أنّ أصغر اللاعبين السياسيّين في لبنان، وفي الخارج أيضاً، يفقه بأنّ عون جاء جرّاء تمسّك المقاومة به، وعدم خيانة حزب الله للوعد الذي قطعه له، وأنّ قيادة الحزب هي التي سعت جاهدة، وقدّمت كلّ التسهيلات ليكون عهد عون وفاقياً ومتوافقاً عليه من القيادات الأخرى، وتحديداً السنيّة، ولو أراد فريق المقاومة الإتيان بعون رئيساً جهاراً من دون الالتفاف الوطني من حوله لكان فعلها، ولكنّه يخاف الحالة الوطنية رغم شرورها وخياناتها وغدراتها!
كما أنّ الاتفاق العوني والقوّاتي لم يتمّ لولا موافقة الحزب وتشجيعه، ومتابعته لأدقّ التفاصيل، والعجيب أنّ قيادة «القوّات» تعلم بهذه التفاصيل والمعلومات جيداً، وتصرّ على تجاهلها والتصرّف كما لو أنّها المنتصرة، علماً أنّ الجميع يعلم أنّ التفاف «القوّات» جاء نتيجة الخوف من الإتيان برئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، خصوصاً بعد ترشيح «تيّار المستقبل» له، وخوفاً من تلاشي دورها سارعت «القوّات» بتبنّي عون لا أكثر ولا أقل. وما تسعى إليه اليوم من كسب لمناصب حكومية مهمّة ووزارات في الدولة، ينبع من خوفها أن يكون فرنجيّة هو الرئيس الثاني لحلف المقاومة بعد ولاية الرئيس عون!
لذلك تتمسّك «القوات» بمطالب عديدة، ولو استطاعت لتحكّمت بالرئاسة الأولى لكن دعستها منذ ولادتها ناقصة، وهي تكبر على ما يتبقّى من موائد غيرها، وكان باستطاعتها أن تنفتح على الوطن، ولكنّها لم تقمْ بمراجعة فعلية ومنهجية لكلّ ما أصابها، ولم تكن بمستوى المراحل الوطنية فعاشت على ماض ليس لصالحها، ويشوبه الكثير وطنياً، واجترار ما تبقّى منه. وهي، أي «القوّات»، تقتنص الفرص في الدولة معتقدة أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري ليس بعيداً عن سياستها، مع أنّ هذا الأخير همّه الوحيد استعادة شعبيّته التي تراجعت كثيراً في الشارع، والنجاح في الانتخابات النيابيّة المقبلة بعد صدمة الانتخابات البلدية، وهنا دعسة القوات ناقصة أيضاً، ولن تستطيع المواكبة!
رئيس الحكومة المكلّف استمع إلى مطالب «القوات» ومشى، وترك لحلفها مع «التيّار الوطني الحرّ» مخاض الكسب الجديد من حصّة الرئيس عون وفريقه. وهي بدورها، أي «القوات»، «تتدلّع» بمطالبها لتكسب أكثر ما يمكنها في حكومة قصيرة الزمن، ولكن في حكومة ما بعد الانتخابات المعادلات تختلف، ومكاسب التحالفات الضيّقة والظرفيّة التي جاءت برئيس الجمهورية في مكان آخر، ولن يسمح فريق المقاومة بالتراخي والتسامح و«التطنيش» لعدّة أسباب أهمّها تمكين العهد من تثبيت سياسته وقوته ونجاحه، وفتح نوافذ البلد على معادلات إقليميّة مغايرة كلّياً، وتصبّ في صالح مشروع الوطن المتبنّي لمشروعيّة المقاومة.
وبما أنّ «القوّات» تدعس دعساتها الناقصة دائماً، هي اليوم تحاول أن تكسب ما أمكنها لكونها تشعر بالسُّبات العميق الذي ستُصاب به بعد هذه الحكومة وبعد الانتخابات النيابيّة، وشبه استقرار الوضع السوري، وهنا تراهن «القوّات» على التأخير الذي يماطل به رئيس الحكومة المكلّف في تشكيل الحكومة، لكي تُجرى الانتخابات النيابيّة المقبلة على قانون الستين، معتقدةً أنّ تحالفها مع عون و«المستقبل» سيجلب لها أكبر عدد من النوّاب، وبذلك ستفرض شروطها في أيّ حكومة مقبلة بحجّة الوزن النيابي!
وبدوره الحريري، يؤمن بأنّ تأخيره في تشكيل الحكومة يفرض إجراء الانتخابات على قانون يضمن له حصد أكبر عدد ممكن من النوّاب، لاعتقاده أنّ عون سيتجاوب ويتحالف معه في مناطق كان قد خسرها سابقاً، وأنّ «القوّات» ستبقى إلى جانبه متجاهلين أنّ عون والتيّار في المناطق المشتركة مع المقاومة سيشكّل تحالفاً صخريّاً لن يسمح بتخطّيه. أمّا في المناطق التي لا وجود لصوت المقاومة فيها، سيتحرّر ويختار ما يناسبه من دون رحمة في تقديم تنازلات، وبصراحة يسعى الرئيس عون وفريقه أن يكون لهما أكبر كتلة نيابيّة في تاريخ لبنان!
وهنا أيضاً، دعسة «القوّات» وسمير جعجع ناقصة، وناقصة جداً، لذلك المطلوب مراجعة واقعية، والتخفيف من عنجهيّة كذبة الإتيان بالرئيس والانفتاح على شركاء الوطن، وحتى تضمن «القوّات» استمراريّتها بعيداً عن خفوت شمسها بعد الانتخابات النيابية المقبلة، عليها بفتح قنوات مباشرة مع حزب الله وحركة «أمل» ووليد جنبلاط، وأن تحدِّد موقعها في الصراع مع «إسرائيل» ومشاريعها، والأهم أن تصارح شارعها بحقيقة الخطأ الكبير الذي ارتكبته في حضن مشاريع «داعش» وما شابه، لتضمن بذلك أن يكون لها موقع قدم في الحياة السياسيّة والحكومات المقبلة بعيداً عن دعساتها الناقصة منذ انطلاقتها حتى الآن، خصوصاً أنّ ما يُخطّط له من قانون انتخابيّ جديد هو مسخ قانون الستين مهمّا تغيّرت الأسماء!.