حلب مفتاح الحلول…
محمد عباس المولى
إنّ المتتبّعين لمسار الحرب الدائرة في الشام، باتوا على يقين بأنّ معركة حلب الفاصلة بين الجيش السوري وحلفائه، وبين قوى الإرهاب الصهيو ـ أميركي المدعومة من تركيا والسعودية وقطر، وفوز دونالد ترامب غير المتوقع بالرئاسة الأميركية، ومواقفه حول النزاع المسلّح في الشام، وغمزه بتأييد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة «داعش» و«النصرة» وأذنابهما الإرهابية، عجّل إلى حدّ ما في وضع خطّة مُحكمة لتحرير حلب قبل تسلّم الرئيس الأميركي الجديد السلطة في 20/1/2017.
إنّ مساعي الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلّ سياسي في الشام، ومحادثاته السريّة مع الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد من جهة، ومع القوى الإرهابية ومموّليها وداعميها من جهةٍ أخرى، دفعت بالمبعوث الدولي إلى دمشق ستيفان دي ميستورا إلى اقتراح حلّ ملغوم بانسحاب الإرهابيّين من حلب وعدم دخول الجيش السوري إليها. وقد لقيَ هذا الاقتراح رفضاً سوريّاً قاطعاً وموقفاً روسياً عاصفاً تُرجم بالفيتو الروسي في مجلس الأمن لتعطيل المشروع الفرنسي، وتخيير الإرهابيّين بين الانسحاب ممّا تبقّى من المناطق التي يتواجدون فيها بشرق حلب، أو الموت تحت جنازير الدبابات السوريّة الحديثة تي 90، التي فشلت صواريخ تاو في تدمير أيّ منها أمام التقدّم السريع لأبطال الجيش السوري وحلفائه في معركة حلب الفاصلة، إضافةً إلى الموقف الذي اتّخذه المرشّح الفرنسي للرئاسة، وهو ما سيعمل عليه بعد فوزه المرتقب بالرئاسة الفرنسية، ما سيؤدّي إلى تبدّل الموقف الأوروبي بشكل عام من الأزمة السورية، إضافةً إلى موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته الجديدة.
إنّ تصويت الكونغرس على تجديد العقوبات على إيران وتلويح الرئيس أوباما بالمصادقة عليها، هي عملية ابتزاز مفضوحة من الأميركيّين لإيجاد حلّ ما لمسألة حلب تؤدّي في النهاية إلى سحب الإرهابيّين منها إلى إدلب من دون القضاء عليهم، لإطالة أمد الحرب، في ظلّ الخوف والحذر السعودي التركي القطَري من الحلول المطروحة وانعكاساتها على أنظمتهم، بعد مذاق الهزيمة المدوّية في حلب وريف دمشق، والاستفادة من الفترة القصيرة للرئيس أوباما قبل تسلّم الرئيس ترامب، أضف إلى ذلك أنّ موقف وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بالبقاء في العراق عسكرياً حتى بعد هزيمة «داعش»، يصبّ في سياق الحرب الكونيّة على سورية ودورها القومي في مواجهة المشروع الصهيوني لتفتيت المنطقة، وإطالة أمد الحرب قدر المستطاع.
لكنّ الانتصارات العسكرية في حلب وريف دمشق زرعت الرعب في الكيان الغاصب، بعد تنامي قوة المقاومة عدداً وعتاداً حديثاً، خصوصاً أنظمة الصواريخ الفتّاكة التي يتجاوز مداها 400 كلغ، كما أنّ امتلاك المقاومة للصواريخ المضادّة للطائرات، فرض على الصهاينة التروّي والتفكير مليّاً قبل التورّط في حرب جديدة ستكون خاسرة حتماً مع المقاومة.
إنّ ما يجري في اليمن ليس بعيداً عمّا يجري في سورية، لارتباط الحربين إقليمياً بنتائج الميدان، وليس بالحلول السياسية التي يفرض الميدان وجهة الحلّ السياسي فيها، وما من شكّ بأنّ التدخّل الروسي في سورية أحدث تغييراً نوعيّاً في مسار الحرب عليها، وبالتالي فقدت الولايات المتحدة الأميركية فرصة القيادة الأحادية لما يجري في العالم، خصوصاً بعد فشلها في أوكرانيا وسورية واليمن، وقد فرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معادلة جديدة بعدم مرور أيّ اتفاق من دون موافقة روسيا الاتحادية كشريك في أمن العالم، ووقوف المارد الصيني خلف روسيا واستخدام الفيتو ضدّ أي مشروع مشبوه.
من هنا، وبعد هذه التحوّلات الهامّة في مسار الحرب على سورية، تأخذ معركة تحرير حلب أهمية قصوى لإنجاز الحلول التي ترسم خريطة جديدة للمنطقة تُبعِد الهيمنة الأميركية بقوة عن أحادية اتخاذ القرار، كذلك فإنّ انتصارات حلب عجّلت بانتخاب الرئيس ميشال عون في لبنان، والمُقبل من الأيام والأسابيع وبعد إنجاز تحرير حلب بانسحاب الإرهابيين منها أو سحقهم، سيُظهر انتعاشاً في مسار الأحداث في أمتّنا والمنطقة، ما سينعكس على لبنان بحكومة تتمثّل فيها كلّ المكوّنات والأطياف من دون إقصاء أحد.