ما بعد حلب…
معن حمية
ما يحدث في حلب، يؤكد بالدليل القاطع صدقية ما أعلنه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد مراراً، بأنه حين تقرّر الدولة السورية استعادة أيّ منطقة من سيطرة الإرهابيين تُحقِّق ذلك، رابطاً هذا الأمر بالاستراتيجية التي تعتمدها القوات المسلحة السورية.
لذلك، فإنّ التقدّم السريع الذي يُحرزه الجيش السوري وحلفاؤه في مناطق شرق حلب، يشي بأنّ هناك قراراً لا رجعة عنه، وأنّ الفترة الزمنية لتحرير هذه المناطق من سيطرة الإرهابيين لا تتعدّى الأيام، أو الأسابيع القليلة، علماً أنّ مؤشرات الحسم بدأت قبل أسابيع قليلة، بإعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفض «مبادرة» المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، التي ترمي إلى منح الإرهابيين إدارة ذاتية في مناطق شرق حلب مقابل سحب بضعة آلاف منهم إلى خارج حلب. كما تعزز قرار الحسم السريع بالفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج ضدّ مشروع قرار يقضي بوقف النار لمدة سبعة أيام، على غرار الهدن السابقة التي مكّنت الإرهابيين من تنظيم صفوفهم وشنّ هجمات إرهابية ضدّ الجيش السوري والمدنيين.
الجيش السوري وحلفاؤه الذين يتقدّمون في الميدان الحلبي، يتصرّفون بخلفية أنّ الحسم بات قاب قوسين أو أدنى، بعدما أصبحت مناطق شرق حلب تحت مرمى السيطرة النارية، ومن محور كروم عزيزة، وتحديداً من تل الشرطة الذي يشرف على حي المرجة جنوب حي القاطرجي، والذي سيطر عليه الجيش وحلفاؤه، يؤكد أحد المسؤولين الميدانيين في «نسور الزوبعة»، أنّ المجموعات الإرهابية لن تستطيع الصمود أمام اندفاعة الجيش وحلفائه القوية، وأنّ الوهن أصاب هذه المجموعات في العمق، لكن جرعات الدعم التركي تحديداً، والدولي عموماً، هي التي أطالت من عمر الإرهاب في حلب الشرقية. ومن علامات الوهن والسقوط التي أصابت الإرهابيين، تقهقرهم أمام تقدّم الجيش وحلفائه، ونداءات الاستغاثة التي أطلقها الإرهابي السعودي عبدالله المحيسني، وتجميع كلّ المجموعات الإرهابية تحت قيادة واحدة.
بما خصّ تحرير شرق حلب ولاحقاً أريافها، بات الأمر بحكم المُنجَز، كما يؤكد ميدانيون على الأرض، وكما تؤشر المواقف السياسية سورياً ودولياً.
لكن، السؤال هو ماذا بعد حلب؟
الجواب على هذا السؤال ليس مبنياً على معلومات أكيدة، لأنه لا القيادة السياسية السورية ألمّحت بشيء في هذا الأمر، ولا القيادة العسكرية حدّدت وجهة عملياتها العسكرية المقبلة. وذلك تثبيتاً للقاعدة المعلنة، بأنه حينما تقرّر الدولة تحرير منطقة معينة ستحرّرها.
وإذا كانت المعلومات لا تشير بوضوح إلى مسرح العمليات العسكرية في الآتي من الأيام، فهذا لا يلغي الاستنتاج. خصوصاً عندما يكون الاستنتاج نابعاً من مواكبة معطيات الميدان. ومن خلال هذه المواكبة، يتضح بأنّ تحرك الجيش السوري وحلفائه سيكون باتجاه مدينة إدلب، وأنّ الحسم سيكون سريعاً في تلك المناطق. وهذا قرار تدعمه روسيا وإيران بقوة، على خلفية تجاهل تركيا للتحذيرات السورية من استمرار تدخلها في الأراضي السورية ودعم الإرهاب، وتنصّلها من وعود قطعتها لروسيا وإيران بعدم التحرك في منطقة الباب ومناطق أخرى، واستمرارها في تقديم كلّ أشكال الدعم للمجموعات الإرهابية، عبر خط حدود قواتها المتاخم لأرياف اللاذقية وجبل الزاوية ومناطق أخرى.
وعليه، فإنّ منطقة إدلب وجوارها، ستكون الهدف المقبل، وذلك لتحقيق أمرين في آن واحد: تحرير هذه المنطقة من سيطرة الإرهابيين، وإقفال معظم خطوط الدعم التركي للمجموعات الإرهابية، توازياً مع ما تقوم به القوات العراقية من إقفال خطوط تواصل المجموعات الإرهابية بين العراق وسورية.
من تل الشرطة المشرف على أوسع مدى في شرق حلب، يردّد نسرٌ قومي اجتماعي قول سعاده: «كلما بلغنا قمة تراءت لنا قمم أخرى نحن جديرون بارتقائها».
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي