هل تقوم روسيا بضرب «داعش» في سورية؟ د. عصام نعمان

العالم كله ضد الإرهاب، لكن الإرهاب لا يعني الشيء نفسه لمحاربيه، فهو دولة بعينها في نظر البعض أو تنظيم بعينه في نظر البعض الآخر. هو الدولة أو التنظيم الذي يصمم العملية الإرهابية وينفذها على الأرض بالنسبة إلى البعض كما هو أنه الممول والمدرّب والمسلّح المتواطئ مع الدولة والتنظيم الإرهابيين بالنسبة إلى البعض الآخر.

لأنّ الإرهاب متعدّد الهوية والغايات والوسائل والشركاء والحلفاء، فقد تعددت القراءات والتفسيرات لخطة أوباما كما لمؤتمر جدة المتعلقين بمحاربة الإرهاب. أبرز هذه القراءات ثلاث:

الأولى، تعتبر الإرهاب متجسداً في «الدولة الإسلامية – داعش» بالدرجة الاولى واستطراداً بسورية، وتسمّي الولايات المتحدة والسعودية كأبرز شريكين فاعلين في مواجهتهما.

الثانية، تعتبر الإرهاب متجسداً في «داعش» وأخواته، وتسمّي الولايات المتحدة كأبرز قوة دولية مستثمرة لـِ «داعش» في حربها الباردة المتصاعدة في سخونتها ضد روسيا وحليفتيها إيران وسورية.

الثالثة، تعتبر الإرهاب متجسداً في «داعش» وأخواته و«إسرائيل» وحلفائها، وتسمّي الولايات المتحدة وبعض دول الخليج كداعمة لهؤلاء جميعاً في صراعهم مع إيران وسورية وقوى المقاومة العربية والإسلامية.

الولايات المتحدة والسعودية لا تخفيان مواجهتهما لـِ «داعش» وعداءهما للرئيس بشار الأسد ونظامه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً. تبدّى موقفهما العدائي بتصريحات متعددة للرئيس الأميركي أوباما ولوزير خارجيته كيري ولوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.

روسيا تعتبر الولايات المتحدة المحرّك والقائد الفعلي للتكتل الإقليمي والدولي المتخذ من «داعش» ستاراً لحربه الباردة المتصاعدة في سخونتها ضدها وضد حليفتيها إيران وسورية. فقد رافق خطة أوباما ومؤتمر جدة إعلان عقوبات أميركية وأوروبية إضافية ضد روسيا، رداً على سياستها في أوكرانيا. كذلك لاحظت موسكو أن إدارة أوباما طلبت من الكونغرس تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم «المعارضة السورية المعتدلة»، وأنها أعلنت موافقة السعودية على إقامة معسكرات تأهيل وتدريب لقوات المعارضة السورية في أراضيها.

من تصريحات أوباما وكيري عموماً ومسؤولي مجلس الأمن القومي الأميركي وتعليقات الصحف الأميركية خصوصاً، يمكن استشفاف استراتيجية هجومية لواشنطن ضد روسيا تمتد من أوكرانيا في شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط الكبير، وأن هذه الاستراتيجية تستهدف في بعض جوانبها كلاًّ من سورية والعراق ولبنان وإيران وتنظيمات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة. وعليه، يمكن رصد ردّ روسيا على أميركا من خلال التطورات الآتية:

استعجال روسيا ضمّ إيران إلى منظمة شنغهاي وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون التكنولوجي معها.

إطلاق صاروخ عابر للقارات للدلالة على قدرة روسيا على خوض حرب على مستوى العالم.

إلقاء ضوء على ما يمكن أن تعنيه عملية إعادة النظر في العقيدة القتالية الروسية، وذلك بتسمية دول حلف شمال الأطلسي أعداءً محتملين، والتلويح بإمكان استعمال أسلحة الدمار الشامل في حال تعرّض الأمن القومي الروسي للخطر.

تحذير الخارجية الروسية الولايات المتحدة من خطورة إقدامها على ضرب «داعش» داخل سورية من دون إجازة مسبقة من حكومتها، كونه يشكّل خرقاً لأحكام القانون الدولي.

صدور تحذير مماثل من دمشق مصحوباً بتخوفات من احتمال قيام واشنطن بضرب الجيش السوري في سياق ادعاء ضرب مواقع لداعش داخل سورية.

تفسير أوساط قيادية في قوى المقاومة العربية قول كيري بعد مؤتمر جدة «سنعمل على تأمين العالم للطوائف كلها من عنف داعش» بأنه مؤشر إلى مخطط أميركي ـ صهيوني يرمي، في سياق الحرب المزعومة ضد الإرهاب، إلى إعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي على نحوٍ يؤدي إلى قيام جمهوريات موز في سورية ولبنان والعراق على أسس قبلية أو مذهبية أو اثنية.

في لقاءٍ بعد مؤتمر جدة ضمّ محللين سياسيين وخبراء استراتيجيين مقربين من أوساط قيادية في تنظيمات المقاومة العربية، جرى درس التطورات المار ذكرها والإحاطة بأخرى قام بكشفها بعض المطلعين منهم رجّح المشاركون في اختتامها احتمال تبلّور خيار، لعله أصبح قراراً لدى روسيا، بقيام سلاحها الجوي بضرب «داعش» داخل سورية في حال حدوث أيٍّ من التطورات الآتية:

قيام الولايات المتحدة باستخدام سلاحها الجوي داخل سورية من دون موافقة مسبقة مع حكومتها وعلى نحوٍ يشير إلى تهاون محسوب مع «داعش» في سياق خطةٍ لتسليم مواقعه وأسلحته وعتاده إلى تنظيمات إسلاموية إرهابية كانت متحالفة معه، ويجرى استيعابها حالياً في إطار «المعارضة السورية المعتدلة».

قيام «داعش» بنقل قياداته وأسلحته وعتاده في العراق إلى مواقع ومخازن في سورية من دون أن يقوم سلاح الجو الأميركي بتدميرها ربما لتسهيل وضـع اليد عليها لاحقـاً من طرف المجموعات المسلحة التابعة لـِ «المعارضة السورية المعتدلة».

ثبوت قيام تنسيق وتعاون بين المجموعات المسلحة الناشطة على حدود الجولان المحتل والمجموعات المسلحة الناشطة في أرياف إدلب وحلب وحماة ودير الزور والقلمون بقصد دفع الجيش السوري إلى الحرب على جبهتين أو أكثر في سياق مخطط لإسقاط النظام وتقسيم البلاد.

سؤال واحد خطير لم يستطع المشاركون في الندوة أن يقدّموا جواباً وافياً بشأنه: هل يمكن أن يصل الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وروسيا وحلفائها في محور الممانعة والمقاومة من جهة أخرى إلى حدّ حصول صدام عسكري جوي بينهما في سماء سورية، وما تداعيات ذلك إقليمياً ودولياً؟

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى