الأسباب الحقيقية التي تعيق تشكيل الحكومة!
إبراهيم ياسين
بعد انتخاب الرئيس العماد ميشال عون اعتقد الكثيرون أنّ الأزمة في لبنان قد سلكت طريق الحلّ. هذا الاعتقاد بُني على أساس أنّ موازين القوى التي تبدّلت إقليمياً ودولياً لمصلحة قوى المقاومة، واستطراداً القوى الوطنية في لبنان، والمأزق الذي دخل فيه رئيس تيار المستقبل على خلفية فشله السياسي وأزمته المالية قد ينسحبا على الوضع الداخلي بإيجاد حلول للقضايا الشائكة التي تشكل موضع خلاف مزمن على مدى أكثر من ثماني سنوات ولم يتم إيجاد حلول لها رغم التمديد المتكرِّر للمجلس النيابي، وأبرز هذه القضايا الشائكة قانون الانتخاب، فعلى الرغم من أنّ الحديث عن عِقَدْ تشكيل الحكومة يعود إلى وجود خلافٍ على توزيع بعض الحقائب والقوى التي ستشارك في الحكومة، إلا أنّ ذلك ليس سوى ذرٍ للرماد في العيون، فَلَو كانت المشكلة في حقيبة أو اثنتين أو حتى ثلاث لجرى إيجاد حلول لها كما حصل سابقاً عند تشكيل وزارة الرئيس ميقاتي وتنازل الرئيس بري عن إحدى الحقائب لصالح الوزير كرامي ولما كانت هناك مشكلة تعيق تشكيل الحكومة، وهو ما أعلنه الرئيس بري أكثر من مرة بقوله إذا ما تمّت الموافقة على إعطاء حقيبة «التربية» وليس الثقافة كما كان يقول الرئيس الحريري لتيار المردة فإنّ الحكومة ستُعلَن خلال ساعات. ولهذا فإنّ المشكلة تكمُن في مكان آخر… فما هي هذه المشكلة التي تعيق تشكيل الحكومة إذاً؟
كلّ المعلومات تشير إلى أنّ المشكلة تكمُن في الخلاف على القانون الانتخابي الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة والتي ستتم، على أساس نتائجها، إعادة تكوين السلطة.
ومن المعروف أنّ تيار المستقبل برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة النائب وليد جنبلاط و»القوات» برئاسة سمير جعجع، جميعهم يرفضون إقرار قانون انتخابات على أساس النسبية ويريدون إجراء الانتخابات على قاعدة قانون الستين الذي يضمن لهم المحافظة على كتلهم النيابية الحالية التي تتجاوز حجمهم التمثيلي الحقيقي لأنّ قانون الستين قد جرى تفصيله في ظلّ سيطرتهم على السلطة على نحو يؤمِّن لهم هذا التمثيل النيابي المتضخِّم.
ولهذا فإنّ تغيير القانون واعتماد التمثيل النسبي الكامل، أو حتى إعادة النظر بتقسيم الدوائر على نحو يوفر الحدّ الأدنى من العدالة في توزُّع الناخبين، كما لحظ اتفاق الطائف في الدائرة الكبرى المحافظة ، فإنّ ذلك سيؤدي إلى تصحيح التمثيل النيابي وبالتالي تراجع حصة هذه القوى السياسية وفي طليعتها تيار المستقبل، وهذا يعني أيضاً تراجع هيمنتها على السلطة.
لذلك فإنّ هذه الأطراف وعبر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تضع العراقيل التي تؤخر الإعلان عن التشكيل بقصد إضاعة الوقت وصولاً إلى انتهاء الفترة المتبقية التي تسمح بمناقشة قانون انتخاب جديد وإقراره لتجري الانتخابات على أساسه، ووضع الأفرقاء السياسيين الآخرين التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل وغيرهم من القوى السياسية التي تطالب بإقرار قانون انتخابات على أساس التمثيل النسبي ، أمام خيار من اثنين: التمديد للمجلس النيابي مرة جديدة تحت عنوان أنّ الوقت لا يسمح بإقرار قانون انتخابات جديد وإجراء الانتخابات على أساسه، أو إجراء الإنتخابات في موعدها على أساس قانون الستين الحالي وهو ما يريده الرئيس المكلف من وراء تأخير تشكيل الحكومة الجديدة.
إذاً، فإنّ من يقف وراء وضع العراقيل أمام إقرار قانون يحقق صحة التمثيل وعدالته، وبالتالي عرقلة الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد هو تيار المستقبل الذي يهيمن، مع أفرقاء آخرين، على السلطة عبر تفصيل قانون انتخاب على مقاسهم، وهذا الأمر لم يعد مقبولاً من أغلبية اللبنانيين والكثير من القوى السياسية المتضرّرة من قانون كهذا، ويطالبون بتصحيح التمثيل النيابي عبر إقرار قانون يحقق العدالة لجميع اللبنانيين.
وليس خافياً أنّ الرئيس عون وتياره يرفضان رفضاً قاطعاً إجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين ويريدان تصحيح التمثيل المسيحي الغير متوفر في القانون الحالي الذي يمكّن تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من الإتيان بنواب مسيحيين لا يمثلون قواعدهم الشعبية.
إذاً، هذه هي المعضلة الأساسية التي تواجه البلاد ومن دون إيجاد حلّ لها عبر قانون انتخاب عصري غير مفصَّل على قياس الأطراف المهيمنة على السلطة لا يمكن الخروج من الأزمة، وإن تمّ تشكيل حكومة جديدة فإنّ المهمة المطروحة على القوى الوطنية وجميع اللبنانيين المتطلعين للخروج من الأزمة عبر قانون انتخابات عادل يحقق صحة التمثيل النيابي وعدالته وإعادة إنتاج سلطة تعبر عن تطلعات اللبنانيين بالتغيير والإصلاح، إنما تكمن بتوحيد الجهود لممارسة الضغط السياسي والشعبي لفرض هذا القانون ووضع حدّ لاستمرار بعض أطراف الطبقة السياسية في مواصلة سياسات التسلط والهيمنة والاستئثار بالسلطة والتحكم بإرادة اللبنانيين واغتصابها، وحماية الفاسدين وإعاقة بناء دولة المؤسسات وتعطيل أجهزة الرقابة والمحاسبة.