حلب خارج التسويات بانتظار ملء الفراغ السياسي

سعد الله الخليل

مع اقتراب سيطرة الجيش السوري وحلفائه على أحياء حلب الشرقية، بالتزامن مع الانهيار الدراماتيكي للمجموعات المسلّحة التي فضّلت الفرار وترك مستودعات ذخيرتها للجيش السوري، تخرج مدينة حلب من دائرة التفاوض السياسي، وهو ما يبرّر الاستعجال الغربي بطرح مشروع القرار الخاص بوقف القتال في حلب للتصويت في مجلس الأمن بصيغته الأخيرة، والتي استدعت فيتو مزدوج روسي صيني السادس لموسكو ـ والخامس لبكين ، ما أنهى الأحلام الأوروبية بلعب دور فاعل على الأرض من البوابة الإنسانية، بعد الفشل الذريع للمجموعات الإرهابية بالصمود بوجه العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري لإنهاء الحالة الإرهابية في أحياء المدينة الشرقية على مدى السنوات الخمس الماضية.

بدا واضحاً في مجلس الأمن الإصرار الأوروبي على المضيّ قُدُماً في مشروع القرار المقدَّم من قِبَل مصر ونيوزيلندا وإسبانيا، والذي طُرح للتصويت على عجَل، كما أعلنت الخارجية المصرية قبل التوصّل لأرضيّة كافية من التوافقات التي تسمح بتمريره، وإنْ كانت المهمّة شبه انتحارية، فإنّ الاستعجال لم يسقط القرار فحسب، بل أسقط معه أعصاب المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت، الذي أطلق موجه تصريحات طالت موسكو وبكين بالاتهام بدعم دمشق، ما استدعى ردّ المندوب الصيني ليو جي يي بمطالبة نظيره البريطاني التوقّف عن «تسميم الأجواء» في المجلس، والكفّ عن تشويه مواقف دول أخرى، وهو ما يعكس جانباً من المأزق الأوروبي الساعي لإيجاد ممرّات عمل على الأرض السورية مستغلّاً الغياب الأميركي عن المشهد، خاصة وأنّ مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قدّمت قبل أيام عرضاً ماليّاً للحكومة السورية والمعارضة كصفقة لإيجاد مخارج للجماعات الإرهابية المرتبطة بأجهزة استخباراتها من حلب الشرقية، وتحفظ ماء الوجه الأوربي.

الحرارة الأوروبية في مجلس الأمن قابلها فتور أميركي بعد أن وصلت واشنطن لقناعة تامّة باستحالة الوقوف بوجه التطوّرات في حلب، أو الضغط على موسكو لتمرير القرار، فبدا وكأنّ الأمر قد حُسم بين القوّتين الكُبرَيَين، وهو ما دفع، ربما، المندوبة الأميركيّة لدى مجلس الأمن الدولي سامانثا باور للتغيّب عن جلسة التصويت، وحضور نائبتها ميشال سيسون التي أقرّت بعدم وجود أيّ اختراق في المحادثات بين الطرفين حيال الشأن السوري، وهو ما يعني التسليم بالدور الروسي في الإشراف على التطوّرات الميدانية في حلب، وإنْ لم يشارك سلاح جوّها في العمليات العسكرية، وهو ما أكّدته وزارة الدفاع الروسي باستمرار تعليق طلعاتها فوق حلب، وهي نقطة إيجابية تُحسب لموسكو ولحليفيها السوريّ والإيرانيّ، فمن جهة تتفادى أيّة ردود فعل أميركيّة متشنّجة أو تهوّر للبنتاغون الممسك بالقرار العسكري خلال الفترة الانتقالية في واشنطن، كما تثبت للعالم قدرة حلفائها الجيش السوري، وقوات الحلفاء الإيراني وحزب الله على الفعل المؤثّر في العمليات على الأرض بغياب القوّة الجوية الروسية من جهة أخرى، والتي حصدت النتائج المبهرة خلال الأيام الماضية، ومن المتوقّع المضيّ بالعمليات لطرد المجموعات المسلّحة من كامل أحياء حلب الشرقية.

بالتزامن مع إسقاط تطوّرات حلب المشاريع الأوروبية، فقد أُسقطت الحلول التقسيميّة من بوّابات مشاريع الفيدرالية، وإمكانية تطبيقها في مناطق تتعدّى الشمال السوري، أو مناطق الإدارة الذاتية والتي كان المبعوث الأممي إلى سورية استيفان ديميستورا أخر المروّجين لها من بوابة أحياء حلب الشرقية، حيث سعى لترسيخ أمر واقع طارئ بسيطرة الجماعات المسلّحة على تلك الأحياء، وجعلها نموذج سياسي لإدارة ذاتيّة كتجربة تحمي تلك الجماعات كهدف تكتيكي مرحليّ، وكنموذج قابل للتطبيق في مناطق عدّة في المستقبل، بحيث تتحوّل مناطق الوجود المسلّح من نقاط خارجة عن سلطة الدولة بالفعل الإرهابي المسلّح إلى مناطق خارجة عن سلطة الدولة بفعل قرار سياسي أممي، وبالتالي تغدو تلك المناطق بوابة التقسيم السورية، وهو ما دفع الحكومة السورية لرفض مقترحات ديميستورا جملةً وتفصيلاً.

حسناَ فعلت القيادة العسكرية السورية والروسية باختيار التوقيت المناسب لإطلاق عملية استعادة أحياء حلب الشرقية، بالتزامن مع الفترات الانتقالية في الأمم المتحدة والبيت الأبيض، فمع مطلع العام القادم، ولحين تسلّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس مهامّه، تبدو الفرصة مواتية أمام غوتيرس لإنهاء تكليف ديميستورا كمبعوث أمميّ إلى سورية، وتكليف من هو قادر على التعاطي مع التطوّرات والمستجدّات على الأرض، أو من ناحية التعاطي مع الرؤية الأميركية الجديدة للحلّ في سورية والتي يحملها الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وإلى ذلك الوقت، فإنّ جلّ ما تستطيع فعله الأطراف كافّة يتمثّل بملء الفراغ السياسي بلقاءات هامشية وتصريحات تمهّد للمرحلة القادمة، حيث يكون الجيش السوري وحلفاؤه قد أكملوا طوق سيطرتهم على مدينة حلب، وأخرجوها من دائرة التجاذبات السياسيّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى