لماذا تقضي أميركا على «داعش»؟

ينطلق أغلب النقاش حول الحلف الذي بدأ وزير خارجية أميركا جون كيري بتشكيله تحت شعار قتال «داعش» من محاكمة عقلانية وموضوعية لمدى مطابقة حركة كيري والمواصفات التي يضعها لتشكيل الحلف، وبين الهدف المعلن لتشكيله.

تصل أغلب المناقشات إلى خلاصة مشتركة وهي أنّ الحلف الذي يشكله كيري لن ينجح بتحقيق الهدف، وتتجمّع النقاط المعطلة لهدف الحلف المعلن وهو القضاء على «داعش»، فكيف يتحقق ذلك بدون حرب برية كما يقول قائد القوات الأميركي الجنرال ديمبسي، ولا يبدو أنّ الحلف قد لحظ أو سيلحظ من يقوم بها، وهو يستثني المؤهّل الرئيسي لذلك وهي تركيا، ولم يلحظ سوى جيش عراقي يقول إنه يحتاج إلى تدريب وتأهيل ومعارضة سورية تضمحلّ وتتلاشى، وينقل ما تبقى منها إلى معسكرات في السعودية يقال إنها للتدريب؟

كيف يُقضى على «داعش» والحرب في العراق لا تكفي كما يقول الرئيس باراك أوباما، ولا بدّ من أن تكون سورية ميدان الحرب الرئيسية، وهو يرفض التنسيق مع الدولة السورية ويعرف انه بلا هذا التنسيق، فثمة حلف يضمّ سورية وروسيا وإيران يعتبر كلّ عمل عسكري أجنبي في سورية عدواناً، وانتهاكاً لسيادة دولة لا تزال تجلس على مقعدها في الأمم المتحدة، وتملك قدرة التصدّي لكلّ انتهاك، وما يعنيه ذلك بمفهوم الحرب على «داعش» من تضييع للقضية الأم؟

التفكير البديهي البسيط لحرب تهدف القضاء على «داعش»، هو النظر إلى الخريطة ورؤية بقعة زيت «داعش» منتشرة بين حدود دول تدعى لمؤتمر، هي العراق وسورية ولبنان وحدودها مع إيران والسعودية والأردن وتركيا، والدعوة تأتي من الأمم المتحدة ويدعى للحضور الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، ولمنع تصوير الأمر فرصة للتملص من المشاكل المحيطة بالأزمة السورية، تدعى المعارضة السورية للتواجد في كواليس المؤتمر، ويحضر الموفد الدولي ستيفان ديميستورا، ويدير على هامش المؤتمر حواراً بين الحكومة والمعارضة في سورية على خلفية موضوع المؤتمر وهي محاربة الإرهاب.

تفكير لا يغيب عن واشنطن لكنها تغيّبه عمداً… لماذا؟

لأنّ القضاء على «داعش» ليس هدفاً حقيقياً لحركة كيري، لماذا؟

لأننا يجب أن نتخيّل المنطقة لو لم تنوجد إمارة «داعشتان» ونتخيّلها كيف ستكون وكيف ستصيررإذا زالت هذه الإمارة؟

لو لم تولد إمارة داعشتان لكانت انتصارات سورية تتقدم وصولاً لظهور حلف منتصر في المنطقة على رأسه إيران ومعها سورية، وحلف مهزوم على رأسه السعودية ومعها تركيا، ولرأينا المتطوّعين المتطرفين الذين جاؤوا من بلاد الغرب يعودون إلى بلادهم، ليصنعوا جزائر ثانية في إحداها، ولو سقطت الإمارة غداً سيعود المشهد للتكرار فتصبح الجغرافيا السورية بيد دولتها، ويتحقق تواصل سورية والعراق وإيران مع لبنان وفلسطين، وتصير «إسرائيل» أمام استحقاقات مواجهات قادمة، ويصبح الغرب تحت وقع رعب المواجهة التي يحملها العائدون من ساحات «الجهاد»، وتصير إيران القوة العظمى في الشرق، والسعودية وتركيا وسائر جماعة اميركا دولاً بحاجة لنقاهة بعد عملية جراحية في النخاع الشوكي.

الأميركي ببساطة لا يريد القضاء على «داعش»، بل حصر انتشارها وبقائها قطباً جاذباً للإرهاب، وخنجراً يقطع أوصال المنطقة ويغيّر مسار البوصلة فيها، سواء ما يخصّ جغرافيتها أو حروبها المقبلة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى