ما بعد بعد حلب…!

خليل إسماعيل رمَّال

تواضَع الرئيس بشَّار الأسد عندما أعلن أنَّ أُمّ المعارك وأبيها في حلب وما يجري فيها «سيغيِّر مجرى المعركة كلياً في سورية»، ذلك أنَّ سورية الشعب وقائدها وجيشها الوطني العربي الباسل وبمساعدة حلفائها المُخلصين، وعلى رأسهم المقاومة وإيران الوفيتان وروسيا والصين الأبيَّتَان، لتوّها قد غيَّرَت مجرى التاريخ بيقظةٍ من الزمن.

فمنذ خمسة أعوام تكالب الاٍرهاب ومرتزقته ورعاته من الدول الكبرى وخُدّامها الصغار على سورية، وصدرت أوراق نعي مرات كثيرة للنظام وللرئيس الأسد نفسه، صاحب الأعصاب الفولاذية والصبر الأسطوري، لكن إبن حافظ الأسد بقي كالطود الشامخ ورحل الناعقون والناعون من شيراك إلى ساركوزي والآن هولاند المنكسر الى دبليو بوش وسيلحق به قريباً جداً أوباما، إلى حاكم قطر ووزير خارجيته إلى عبدالله إبن سعود وربما خليفته وحتى ميشال سليمان وعهده الخشبي وغيرهم.

لكن استمرار سورية وانتصارها، رغم أنف الأعداء لا يُستدلّ عليه فقط من خلال صمود النظام بل من خلال المنجزات الاستراتيجية الآتية:

1 ـ أنهت سورية مؤامرة «الربيع العربي» التي كانت أكبر شرّ مستطير يصيب العالم العربي، لأنه هدف لتفتيت المنطقة وتسليمها لدعاة التطرف والإرهاب وحماية «إسرائيل» ومصالح الغرب ومنابع نفطه في المنطقة. فقد توقف هذا «الربيع» السيِّئ الذكر عند أسوار دمشق، ونكاد نجزم أنّ عزم سورية وإرادتها أوقفا نظرية دومينو انهيار الدول العربية لصالح الفوضى، وعكست دورة كرة الثلج بحيث ارتدّت الخطة على المخططين والمتآمرين.

فنظرة سريعة إلى المشهد العربي اليوم تبيّن لنا أنّ تونس التي كانت شرارة «الخريف»، سقطت ثم عادت إلى رشدها كدولة عربية وطنية تنبذ التطرف الوهَّابي، أما مصر، عمق العرب والعروبة والتي لفظت حكم «الإخوان» لفظاً نهائياً، عادت إلى صوابها ورفضت الرشوة السعودية، وها هي تنسٍّق أمنياً وعسكرياً مع دمشق لمحاربة العدو التكفيري الواحد. كذلك ليبيا، بعد الفوضى التي أعقبت سقوط القذافي، بدأ الجيش فيها يستعيد نصاب الأمن والسيادة. أما العراق فقد تفوّق على ذاته وها هو يقوم بطرد السمّ النجس التكفيري من جسده.

في المقابل يتمرّغ آل سعود في وحول الهزيمة والعار في اليمن المقاوِم، وسيبقى مشهد جنودهم وهم يفرّون من أمام أسود اليمن، وصمة عار على جبين أمراء فاسدين كدّسوا المليارات من صفقات الأسلحة المتطورة مع الغرب ولم يتمكنوا من إركاع شعبٍ يمنيٍ حيّ لا يملك إلا الكرامة والشهامة. «اللاربيع العربي» والنظام الرسمي العربي الذي ارتهن لحكام الخليج، يلفظ أنفاسه الأخيرة حالياً والفضل الكبير لسورية.

2 ـ أنهت سورية حكم القطبية الأحادية الأميركية التي قلّدها لها العالم على طبق من فضة بعد هجمات أيلول الإرهابية، خصوصاً عندما اختفى الطرف الموازي بقوته الاستراتيجية بعد فناء الاتحاد السوڤياتي، فأخذت واشنطن هذا التفويض وأساءت استعمال السلطة وتسبّبت بحروب وفوضى كبيرة في الشرق الأوسط. وبعد تجربة ليبيا وخديعة «الناتو»، استفاق الدب الروسي من سباته الشتوي العميق وبدأ يزيد من حضوره الضروري لإعادة التوازن إلى العالم، وسورية كانت الباب الرئيسي الذي عبر منه لاستعادة زمام دوره بالتعاون مع الصين ودول بريكس.

3 ـ حطَّمَت سورية أحلام أردوغان العثمانيّة وسياسة صفر مشاكل الكاذبة مع الجيران، كما أنّ خطته بالاستيلاء على حلب وتقسيم سورية إلى دويلات مذهبية تفتّتت تحت أقدام الجيش السوري وحلفائه.

4 ـ انتصرت سورية على مؤامرة تمزيقها بتماسك شعبها وجيشها وقائدها وتعايشها الإسلامي المسيحي، ومن خلال هذا الإنجاز العظيم منعت تشتيت المنطقة إلى كيانات ميني – إسرائيلية تخدم المخطط الصهيوني الذي أخفق في حرب تموز عندما أعلنت كوندي رايس، حبيبة قلب فؤاد السنيورة، عن «شرق أوسط جديد».

5 ـ التلاحم الحديدي بين سورية والمقاومة في لبنان منح الأخيرة أسلحة كاسرة للتوازن وخبرات عسكرية ضخمة وفتح باب الدولة السورية على مصراعيه للمقاومة، وعندما تستعيد سورية دورها المرتقب قريباً جداً، سيتغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط ولن تظلّ «إسرائيل» وحلفاؤها الجدد في الخليج تتغطرس وتعربد كما تفعل اليوم فتقصف دمشق والمزة وتسعى لإقامة جدار عازل محاذٍ للجولان المحتلّ فقط لمنع تداعيات القرار الاستراتيجي الذي لا رجعة عنه بفتح جبهة الجولان أمام المقاومة، وهذا تحدّ وجودي آخر كبير لدولة الاحتلال، لأنّ ما بعد بعد معركة حلب سيضاهي ما بعد بعد حيفا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى