اسطنبول تغرق بالدماء!

نظام مارديني

جاء تبنَّي تنظيم «صقور حرية كردستان»، الهجوم المزدوج الذي وقع قبل يومين، بمدينة اسطنبول، وأوقع 44 قتيلًا من الشرطة التركية وعشرات الجرحى. جاء هذا التبنّي ليشير بوضوح إلى أين يسير الطريق بتركيا في الاشهر والسنوات المقبلة، حتى أن يوسف كانلي، وهو كاتب عمود سياسي في صحيفة حرييت التركية، لفت إلى ما اعتبره انجرار تركيا إلى «حالة مأسوية شبهها بكابوس»، في ظل رجب طيب أردوغان، الذي تغنّى البعض بتجربة حزبه «العدالة والتنمية» الحاكم، وقدرة هذا الحزب على المزج بين الإسلام والديمقراطية، وتحقيق نمو اقتصادي ملحوظ، وعلاقات سياسية مستقرة مع العالم، بخاصة دول الجوار، إلا أن صوت هذا الغناء الواهم بدأ يتكشف ويخبو، بعدما بدا أن تركيا دخلت في أتون حرب أهلية ستدفع ببلاد الأناضول إلى هاوية الفوضى.. ولعل تفجيرَي «اسطنبول» كان أكثر واقعة مأسوية و«كوميدية» وقعت بسبب سياسة الطاغية أردوغان الذي لم يكن إلا بطلاً على شاشات التلفاز. فهل ستعيش تركيا هذا النوع من الاستبداد لسنوات طويلة، كما تقول صحيفة الزمان التركية؟

ينظر البعض إلى الهجوم الذي تشنّه القوات التركية على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وفي جنوب شرق تركيا بحجة محاربة «الإرهاب»، بعين من الشك حيث يتّهمون أردوغان بمحاولة استقطاب أصوات القوميين لصالح حزب العدالة والتنمية، في ضوء سعيه للذهاب بتركيا نحو الدكتاتورية والحكم الفردي وتغيير الدستور، بل وما حذرت منه المعارضة التركية، ها هو آخذ بالتبلور يوماً بعد يوم.

تدرك تركيا أن الأكراد يتطلعون إلى تأسيس دولة كردية كبرى بغطاء استخباري أميركي بريطاني، باعتبار ذلك أحد تجليات «الهوية» المشتركة للجماعات، فضلاً عن أن التحولات الإقليمية الراهنة جعلت سيناريو الدولة الكردية العابرة للحدود مطروحاً، وهي تطوّرات تدفع الى القول أيضاً أن الجماعة الكردية هي الرابح الأكبر فيها.

لا يمكن لتركيا أن تتحمّل التبعات الاقتصادية والسياحة لمواجهة مفتوحة مع الأكراد حالياً، حيث يعاني الاقتصاد التركي من مشكلات ناجمة عن تراجع قيمة العملة التركية، وارتفاع البطالة، وازدياد التضخم، وهو ما يفرض تحديات رئيسة على الاستثمارات الداخلية والخارجية في حال استمرار الحملات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، ويفتح الباب للنقاش عن مدى تراجع «نموذج المعجزة التركي»، الذي فرضته تركيا بقوة الإعلام في الأعوام الماضية.

لا شك في أن ما تشهده تركيا حالياً هو لعبة محفوفة بالمخاطر لسياسة حافة الهاوية بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، بما يبعد البلاد عن المشكلة الرئيسية وهي التعامل مع تنامي خطر التشدّد الإخواني بالداخل، ومن الواضح أن حدّة التوتر بين الجانبين ستبلغ أسوأ مستوياتها بعد التفجير المزدوج في «اسطنبول» مما يثير مخاوف من احتمال تنقل هذه التفجيرات لتضرب المناطق السياحية والاقتصادية.

ماذا ينتظر أردوغان من العناصر المتشددة لحزب العمال الكردستاني بعدما وصف المحلل السياسي التركي أقطاي يلماز، عبد الله أوجلان بـ «الأكثر اعتدالاً»..؟

كانت عبارة «ما لا يقتلني يقوّيني» إحدى أكثر العبارات عقلانية للفيلسوف الألماني فريدريك نيشته.. ولكن ماذا عن صور سيلفي نشرتها مجلة «نقطة» لأردوغان أمام نعش جندي قتله الأكراد.. إغلاق المجلة واعتقال مدير تحريرها مراد جابان!؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى