وراثة ترامب لتركة أوباما
د. رائد المصري
ليس أدلّ على ما نراه اليوم من خلال الحراك السياسي الإقليمي والدولي بالتزامن مع الإنجازات العسكرية الميدانية التي يحقّقها محور المقاومة وحلفاؤه في سورية بالتحديد، من حالة تخبّط أميركية وهستيريا عربية وخليجية تحكم ردود أفعالها أمام أيّ تطوّر أو حدث داخلي أو خارجي.
لنبدأ من الحالة الأميركية، حيث إنّه لا يمكننا الحديث عن تغييرات وتبدّلات في الرؤية الاستراتيجية الغربية والأميركية مع وصول الرئيس الجديد دونالد ترامب، من دون الاعتماد على سياسات ومفاهيم كان قد أرساها أوباما في ولايتيه الرئاسيتين طيلة ثماني سنوات، حيال القدرة الأميركية التي كانت في حالة تآكل مستمرّ، إذ إنّ للموارد الأميركية حدوداً ونهايات وبأنّ خطورة الاعتماد على هذه الديون في الإنفاق على الطموحات الإمبريالية لم تعد مجدية في تكلفتها لحال الاقتصاد الأميركي والعالمي على حدّ سواء، والعجز عن استكمال سياساتها التوسّعية من خلال المديونية الداخلية والخارجية التي تراكمت بشكل مخيف، وأحدثت تفاوتاً طبقياً عبّر عنه الناخب الأميركي من خلال سخطه وعجزه، حتى لو كان هذا التعبير ترجمة للحالة الجنونية ونحو المجهول.
فكان التمهيد الأوبامي منذ تسلّمه مقاليد الحكم عام 2008 بالانسحاب تدريجياً من ملفات الشرق الأوسط والمنطقة العربية. وهو أكثر ما ترجمه خلال الأزمة السورية وقوة الدفع الباردة فيها، وكذا الحالة العراقية واليمنية.
أمام هذه البرودة الأميركية حيال ملفات المنطقة الساخنة والانسحاب التدريجي منها، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتأكّد يوماً بعد يوم بأنّ بعض العرب قد فقدوا ظهيرهم في الحماية الغربية الأميركية، وباتت منطقتهم على شفير قبول التدخّل الروسي المستجدّ في ساحاتهم السياسية والأمنية، وعلى وقع التسعير في الخطاب الطائفي وفوعته التكفيرية والاصطراعات المذهبية والإثنية التي فاقت كلّ وصف، فكان لا بدّ أن يقابل كلّ ذلك حالة من التخبّط والهيجان والتّيه في رسم سياسات مستقبلية أقلّ ما يمكن وصفها وطبعها على السياسات الأميركية التي سيشوبها التناقض والحيرة وعدم الاستقرار.
نعود إلى دول الخليج وموقف قمّة المنامة التي أراد منظموها إرسال الرسائل في اتجاهات مختلفة، بالإضافة الى البهتان في التعابير والعموميات في الإشارات والمواقف في البيان الختامي للقمة، لا يمكن الوقوف عنده إلاّ من خلال مشاركة تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا كضيفة شرف في هذه القمّة، وما أضافته في تصريحاتها عبر العودة أولاً ومن جديد لمحمياتها التاريخية نقصد دول الخليج والتعويض بفتح أسواق جديدة لها بديلاً عن السوق الأوروبية بعد حادثة البريكست، وثانياً التصعيد في الخطاب تجاه إيران في محاولة لإعادة التكتّل والالتفاف من خلال اعتماد صفقات تسلّح كبيرة تستنفد كلّ ما بقي لديهم من تراكمات مالية بعد أن أجهز عليهم الأميركي في صفقات السلاح بمئات مليارات الدولارات بحجة العداء لإيران وأنهاها بقانون «جاستا» للبقية الباقية.
يكفي أنّ ترامب قد ورث عن أوباما كلّ هذه المفهومية لصراع القوى في الشرق الأوسط وموقع العرب منه وفيه، لنستشفّ نهج سياساته المستقبلية، وبأنّ بعضاً من هذا العرب وعلى وقع الانتصار العسكري السوري والبدء برسم معالم المنطقة يتصرّف مع الحضور الأميركي الجديد كاليتيم الذي مات أبواه، متناسين كقادة ونخب وأصحاب قرار، أنّهم باركوا ومكّنوا الأميركي الاستعماري ومن خلفه البريطاني والأوروبي في افتعاله كلّ الموبقات بحقّ دول المنطقة العربية، بدءاً من الصومال وليس انتهاءً بسورية. هؤلاء العرب أو بعض نخبهم كانوا قد ساهموا كذلك بضرب الجامعة العربية، رغم عقمها وعجزها، لكن بما تمثّله من حالة تثبيت للهوية العربية وللتعاون والتضامن العربي، كذلك تناسى هؤلاء أنهم أشعلوا وساهموا وسرّعوا نشر الجراثيم الطائفية والمذهبية التي تطوّرت عكسياً لتنتج التكفير والإرهاب.
إنّ العرب اليوم من المراهنين ومن أصحاب الدور الوظيفي، هم كمن فقد الرعاية وفقد الحماية أقلّه من خلال التعاطي مع الأزمة السورية في مراحلها كافة أو لحالة فقدان التوازن والثّبات في النظرة للأميركي، وما يحمله هذا الأخير من أثقال وتركات لم تعُد ولن تكون الإدارة الترامبية قادرة على حملها بسبب تناقضاتها وعدم استقرارها. تركة «الأب» أوباما الثّقيلة لوريثه ترامب غير الشرعي ستجعله منحنياً أمام العواصف وأمام التقلّبات العربية والخليجية والتحدّيات العالمية، ممّا سيُضطرّه للتخلّي عن الحمولة العربية الزائدة كلّما ينوء به في المنعطفات والتعثّرات. فأن تكون صانعاً للحدث وفي قلبه شيء وأن تكون كفائض المنتج أو الفائض الإنتاجي شيء آخر مختلف.. والعرب يبدو أنهم كفوائض…
أستاذ في العلاقات الدولية