… وكان هذا «الحلّ» كي لا تبقى الدول «أسيرة» مواقفها في سورية
روزانا رمّال
تلفت المواقف الدولية والإقليمية المتتالية المهنئة او المؤيدة لعمليات الجيش السوري في حلب والرئيس بشار الأسد مباشرة او غير مباشرة عبر عبارات التأييد لعودة الاستقرار لسورية ارضاً وشعباً او من خلال قنوات ديبلوماسية وأمنية بينها من يدرس مسألة عودة السفارات الغربية الى دمشق، خصوصاً ان التغيرات الطارئة في انظمة الحكم بدول القرار السياسي ستسهل مسألة التعامل مع سورية «ما بعد» الازمة اكثر وهو امر يتلخص بالآتي:
لم تكن فكرة التوجه العمودي نحو تموضع من نوع يعطي روسيا وحلفاءها فرصة التفوق الاستثنائية ممكنة عند دولة كبرى راعية لمشروع تقسيم سورية أو نسف النظام ووجوده بأقل تقدير مثل الولايات المتحدة الأميركية سهلة على ادارة البيت الأبيض التي تبنّت كل ما ذكر برئاسة باراك أوباما الرئيس المنتهية ولايته، لكن التغيير كان «قرار» المؤسسة الأميركية. وهو تغيير بالسلوك والمنهج وبشكل إدارة المعركة في الشرق الأوسط وإدارة السياسة ايضاً واللاعبين المساهمين في تكبير الدور الأميركي في المنطقة. وهو قرار اتخذته القيادة العسكرية وهي قيادة الجيش.
الحل الأمثل هو تغيير السلطة الحاكمة وهوية الرئيس، فلا يمكن الانتقال من اليمين إلى اليسار أو من اليسار الى اليمين بدون تبرير واضح مثل تغير الأجندة الرئاسية بأكملها او بدء عهد جديد. فالازمة السورية التي بلغت الست سنوات هي عهد بحد ذاته عايشه أوباما بكل تفاصيله وعلى هذا الاساس توجهت الاستخبارات العسكرية لدعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب في المراحل التمهيدية داخل حزبه الذي كان مستغرباً من نتائج حققها ترامب دون مخضرمين ومن لهم أسبقية في خدمة الجمهوريين، اضافة لدعم المراحل النهائية، في وقت كان الرئيس المنتخب ترامب يحضر بشكل واضح لخطابات من نفس الطبيعة او «العيار» بما يخص الشرق الأوسط، حيث تكاد تكون معظم حملته الانتخابية صبّت اهتمامها على السياسة الأميركية الخارجية عكس مرحلة الانتخابات السابقة وخطابات المرشح اوباما في ذلك الوقت التي تركزت حول القطاع الصحي والسياسة الاقتصادية وبعض الفضائح الخارجية، إضافة الى ملاحقة ذيول الارهاب من دون التركيز على استحقاقات مثل إعادة رسم صورة وشكل حلفاء واشنطن بالمنطقة، كما يحاول ترامب منذ لحظة ترشحه.
كانت للسعودية حصة وافرة من انتقادات ترامب التي لم تكن يتيمة، فهناك من وضع أرضية مناسبة للوصول الى هذه المرحلة المتقدمة من تقبّل انتقاد مرشح أميركي لأهمّ حليف خليجي لواشنطن كالمملكة العربية السعودية. وهي قانون جاستا الذي صدر في عهد أوباما وسبقته انتقادات واضحة منه في تصريحات صحافية متعددة أبرزها «عقيدة اوباما».
الأمر نفسه ينطبق على بريطانيا، فتغيّر السياسة تجاه سورية في أي لحظة من لحظات قرار التحول الغربي الأميركي الذي مهّد له التوافق على البرنامج النووي الإيراني مع الدول الخمسة زائد واحداً هو أمر «كارثي» على رئيس الوزراء دايفيد كاميرون وعلى موقف لندن من الحراك السياسي في المنطقة. وهنا فإن اكبر تداعيات الازمة السورية ومسألة مكافحة الارهاب في الشرق الاوسط وقعت على كاهل كاميرون وحزبه الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي اولا واخضع البلاد لانقلاب ناعم تغيّر على اساسه مشهد الحكم بتسلّم تيريزا ماي رئاسة الوزراء عن المحافظين مع ملاحقات للسلطة السابقة حول استخدام السلاح في ليبيا ومكافحة الإرهاب وعنوانه في العراق، حتى باتت لندن مقيّدة اكثر من ايّ وقت مضى من الإفراط او المبالغة في مسألة استخدام القوة العسكرية في سورية او المشاركة بتصعيد استنفدت خياراته على الارض.
فرنسا التي عاصرت الازمة السورية برئيسين تعاونا بشكل كامل مع المخطط الغربي لاجتياح سورية نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند تتحضّر اليوم لانقلاب شعبوي جديد على غرار ذلك الذي حصل في الولايات المتحدة الأميركية. فمرشح اليمين رئيس وزراء فرنسا الاسبق فرنسوا فيون يستعد لخوض المرحلة الانتخابية النهائية والفوز في رئاسة بلاده. وهو الذي يجاري ترامب في موقفه من الخليج والذي يعتبر صديقاً شخصياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ما تنقل المعلومات الصحافية. فالرجلان يلعبان البلياردو في ارياف روسيا منذ زمن ويتفقان على أن مسألة مكافحة الارهاب لم تعد موضوعاً يتعلق بمنطقة دون سواها، فهو قابل للانتشار في قلب اوروبا بسرعة فائقة. فرنسوا فيون أحد وجوه فرنسا الجدد والسياسة الفرنسية المنفتحة على سورية ورئيسها والمستعدة لإعادة فتح السفارة الفرنسية مجدداً.
تركيا لم تكن أوفر حظاً، فالتغيير الذي كان مفترضاً ان يحدثه انقلاب ضخم هزها في تموز الماضي كاد يطيح بأردوغان، لولا تنازلات قدّمها لروسيا وليونة أبداها للمواقف الأميركية ازاء ملف الأكراد ودعم الأصوليات المتطرفة، ولا عجب من عودة التماسك لحكم اردوغان اليوم بعد ان قدّمت تركيا تنازلات كبيرة في حلب عكست انهيارات سريعة جداً فيها للإرهابيين.
لبنان بدوره تخلص من شكل السياسة السابقة التي أحاطته بعنوان «النأي بالنفس» وانتخب العماد ميشال عون القريب من حزب الله والمتصالح مع سورية رئيساً للجمهورية، وعلى انّ مرحلة التواصل مع النظام السوري غربياً «بالسر» قد انتهت، بعدما صارت الدول «أسيرة» مواقفها كان لا بد ان يرحل رؤساء ويحلّ مكانهم آخرون قادرون على التبرّؤ من خطابات سابقة وفتح علاقات جديدة مع سورية.