2017: توترات سياسية وتفاهمات نفطية
بلال شرارة
كنت أعرف عن النفط بقدر ما يعرف كلّ واحد منا عن اللغة الصينية معلومات صفر . للأسف فهذه اللغة يتحدّث فيها ثلث العالم ولغة التعاملات النفسية تدخل كلّ بيت من التدفئة إلى السيارة، ولكننا نعرف كيف نستهلك من دون أن نعرف أسباب ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط وكيف تنعكس على موازنات الدول.
اهتمامي بالموضوع لم يكن إرادياً، فقد طلب إليّ أحد الأصدقاء منذ خمسة عشر شهراً أن أستدين مبلغاً من المال لأسدّد بالنيابة عنه بدل أقساط جامعية لأحد أبنائه، وقال إنّ عنده حيث هو مقيم للعمل في إحدى الدول الأفريقية مشكلة تحويلات بسبب قوانين رافقت الانهيار المالي المرافق لانخفاض أسعار النفط طبعاً الموضوع لا زال معلقاً .
ثم أنّ ابني غادر البلد المضيف بسبب صعوبة تحويل راتبه والضيق الضاغط على البلد والذي قيّد البلاد والعباد.
قرّرت أن أفهم قليلاً في النفط لأنّ الموضوع أصبح من حولي بسبب الحديث عن ثروات لبنان البحرية الكامنة من نفط وغاز، وسألت أحد الأصدقاء فقال إنّ أسعار النفط تهاوت خلال الأشهر الماضية، وإنّ كلّ برميل خسر من سعره من 75 – 65 دولاراً، والقياس على الخسارة الإجمالية تتصل بحجم الإنتاج لدى كلّ دولة وإنّ هناك رابطة شبه جماعية للدول المنتجة للنفط غير متفقة على كميات الإنتاج مما يعني أنّ الأسواق تغرق بالفائض، وأنه ربما المقصود هو إضعاف اقتصاد روسيا وإيران وفنزويلا والجزائر والعراق واستكمال نهب السوق النفطي الليبي.
ثم أنه جرت اجتماعات في الجزائر بحثت أو قرّرت خفض إنتاج دول الأوبك ثم أنّ دول الأوبك توصّلت خلال اجتماع فيينا قبل أيام إلى خفض إنتاجها للنفط بـ 1,2 مليون برميل يومياً ليصبح في حدود 32,5 مليون برميل يومياً، وهي خطوة تشكل أول خفض تقوم به المنظمة منذ 8 سنوات، وهو ما اعتبرته مصادر المنظمة لحظة تاريخية تساعد على عودة التوازن الى السوق وخفض المخزون.
بسبب قرار الخفض، عادت أسعار النفط للارتفاع الى أكثر من 8 بالمئة ليصل البرميل الواحد إلى أكثر من 51 دولاراً.
الاتفاق على خفض الإنتاج يصبح سارياً اعتباراً من الأول من 1 كانون الثاني/ يناير، ودوّل الأوبك ستنشئ لجنة مراقبة وزارية لمراقبة تطبيق التزام الدول بالاتفاق، وعليه تكون دول الأوبك قد وفت بوعدها الجزائري، حيث يمثل اتفاق أوبك إقراراً للصيغة الجزائرية في أيلول الماضي، ومن المقرّر أن تجتمع المنظمة مع المنتجين غير الأعضاء في المنظمة في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل كما ستعقد أوبك اجتماعاً في 25 أيار/ مايو 2017 لمراجعة الاتفاق.
ما تقدّم يستدعي وضع آليات وطنية من أجل استخدام الناتج النفطي في عمليات التنمية المستدامة والتربية على الديمقراطية ووقف صرف الأموال على التسلّح وصولاً الى تمويل الحروب الصغيرة والكبيرة الجارية داخل أقطار بعض الدول، ومنها دول أوبك نفسها والالتزام بتجفيف موارد ومصادر الاٍرهاب العابر للحدود.
نحن الناس نرحّب باستعادة أسعار النفط ارتفاعها شرط توظيف الثروات الناتجة على خطط لبناء أنظمة لحفظ حقوق الإنسان ووقف الهدر والفساد وتجيير أجزاء هامة من الثروات لتقاسمها على موائد الأنظمة السياسية.
المعلومات أنّ روسيا التي كان اقتصادها مستهدفاً وكانت المحاولات تجري لإخضاعها لعب رئيسها الدور الرئيس في بناء اتفاق أوبك . وهو هزم الأفكار المتصلة بجعل السياسة الروسية في الشرق الأوسط ملائمة للسياسات الخليجية، خصوصاً السعودية وإرباك وإخضاع إيران.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعب دوراً هاماً في تقريب وجهات النظر بين القيادتين في السعودية وإيران توصّلاً لخفض حصص إنتاج النفط، علماً أنّ بلاده ليست عضواً في منظمة أوبك.
الآن رويداً رويداً ستعود دول النفط لتنعم ببحبوحة معقولة. هي مطالبة إزاء ذلك بإعادة إعمار ما دمّره المال النفطي العابر لحدود الدول. بالعوده إلى الالتزام بلبنان وبجعله أنموذجاً لصياغة تفاهمات وطنية على ترسيخ حلول سياسية.
وسحب الأمر نفسه على سورية واليمن وليبيا، ودعم الحكومة العراقيه في حربها لتحقيق نصر ناجز على الاٍرهاب.
يبقى هل حانت لحظة الحقيقة لفتح كنز الثروات البحرية في البحر المتوسط؟ هل سترتفع الرجل التي داست على الرجل اللبنانية، ومنعت حتى الآن تحريك الملف لاستخراج النفط اللبناني وترسيم الحدود البحرية ومن ثم تحرير الثروة الكامنة للغاز المصري؟