تركيا تأوي جماعاتها المهزومة كما فعلت «إسرائيل» عام 2000 بجماعة لحد حكومة الـ24 الجمعة بدون كتائب… و«القومي» من حصة أمل وحزب الله؟

كتب المحرّر السياسي

لم يتبقّ إلا الحديث عن العبور الآمن بعد الهزيمة التاريخية للمشروع الكبير، تكرار دراماتيكي لما جرى في لبنان عام 2000 عندما تسابق المسلحون من جماعة العميل أنطوان لحد وعائلاتهم ومَن أشاعوا الخوف في نفوسهم مما قد يحدث بحال بقائهم، يتجمّعون على بوابات الشريط الشائك، معابر الهزيمة والذلّ إلى حيث أعلن «الإسرائيليون» أنهم سيبنون لهم مخيمات ويوفرون لهم فرص عمل لا تنافس مستوطنيهم، فكان نصيب لحد شخصياً مطعم الفلافل الشهير. هكذا يتسابق حاملين ما خفّ حمله وما غلا ثمنه مما نهبوه، مسلحو التشكيلات المسلحة التي تديرها تركيا كقوة احتلال اعتبرتهم شريطها الحدودي الأمني داخل حلب، وكما أعلنت «إسرائيل» تعلن تركيا أنها ستبني مخيمات إيواء لهم ولعائلاتهم ولمن جاء معهم، وتؤمّن لهم فرص عمل لا تنافس مواطنيها، لكن حلب تحتفل بنصرها كما انتصر الجنوب واحتفل قبل ستة عشر عاماً.

اليوم تخرج حلب من الحرب إلى رحاب دولتها وحضنها وجيشها ومؤسسات الرعاية والخدمات التي أفادت مصادر حكومية لـ «البناء» أنها جاهزة للتقدّم وراء وحدات الجيش وسلاح الهندسة، وبمجرّد تأمين الطرقات والمباني من التفخيخ والألغام، ستبدأ ورشات إصلاح الكهرباء والمياه والهاتف وتعبيد الطرقات وإزالة الركام وترميم الممكن من المنازل غير المتصدّعة، ليتسنّى تسريع عودة السكان والحياة الطبيعية، وقالت مصادر في وزارة الداخلية السورية إنّ أكثر من ألفي شرطي تقريباً ينتظرون الأوامر للانتشار في الأحياء التي يجري تأمينها بمن فيهم عناصر شرطة المرور.

على إيقاع النصر الحلبي تسارع التشكيل الحكومي في لبنان، وبدت التضحية التي قدّمها رئيس مجلس النواب نبيه بري من حصة حركة أمل مرة أخرى تعبيراً عن تضامن فريق الثامن من آذار لضمان تمثيل أطرافه بصورة لائقة، ولو من حساب بعضه للبعض الآخر، في ظلّ الانسداد الذي حال دون حصول تيار المردة على حقيبة وازنة بغير هذه الطريقة التي حسم فيها الرئيس المكلف بقاء القديم على قدمه كما سبق أن وعد رئيس المجلس، الذي سارع فور تيقنه من أنّ حقيبة الأشغال صارت من نصيب فريقه ليضعها في حصة تيار المردة ويُنهي العقدة، وبالروحية ذاتها تبدو عقدة تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي تنتظر الحلحلة بمنح القوميين المقعد الوزاري الخامس العائد لثنائي حركة أمل وحزب الله كما قالت مصادر مطلعة لـ «البناء»، بينما هيمنت روح التعنّت والإقصاء على فريق الرابع عشر من آذار سواء بالطريق المباشر أو غير المباشر، فكان العناد بعدم التنازل من قبل تيار المستقبل عن حقيبة الاتصالات لحساب تيار المردة الذي تحمّل أوزار مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وتخليه عن الترشيح، وتركه يدفع فواتير الأزمة التي تسبّب بها الحريري بين المردة والتيار الوطني الحر من دون أن يرفّ له جفن، ولو أدّى ذلك العناد والتمسك بالاتصالات لعرقلة تشكيل الحكومة، ولم يرفّ له جفن وهو يرى الرئيس بري يتنازل عن الأشغال للمردة. وهكذا كانت الحملة التي شنّها المستقبل والقوات كثنائي يمثل قوى الرابع عشر من آذار ضدّ حكومة الثلاثين واستهداف الحزب السوري القومي الاجتماعي بحملة إعلامية منظمة تمهيداً لاستثنائه من التشكيلة الحكومية، وها هو الثنائي لا يرفّ له جفن مع حسم استبعاده لتمثيل حزب الكتائب من نصيبه بعدما حُسب تمثيل حزب الطاشناق من حصة التيار الوطني الحر، وتصرّ القوات على ملء مقاعدها الأربعة الناتجة من تفاهمها مع التيار الوطني الحر، ويختار الوزير ميشال فرعون بدلاً من منح المقعد لكتائبي، ليصير الواضح أننا لسنا أمام حكومة وحدة وطنية في مفهوم رئيسها، بل أمام حكومة ائتلاف الضرورة، واحتكار التمثيل، ولولا تضحيات فريق الثامن من آذار ممثلاً بحركة أمل وحزب الله لكانت الحكومة فاقدة لصفة حكومة الوحدة الوطنية عملياً، وربما تخلى عندها النائب جنبلاط عن تمثيل النائب طلال أرسلان من حصته. ومع حسم حقيبة المردة يبقى ليوم الجمعة حسم مصير تمثيل القوميين والنائب أرسلان ليكتمل التشكيل معهم أو بدونهم، أو تنقلب الطاولة مجدّداً نحو البحث بالحكومة الثلاثينية، أمام إصرار الحليفين في حركة أمل وحزب الله على ضمان تمثيل الحلفاء، ووعد التيار الوطني الحر بذلك!

صورة تذكارية للحكومة الجمعة؟

تتكثّف الاتصالات على خطوط القوى المعنية بتشكيل الحكومة لتذليل ما تبقى من عقد ثانوية وتأمين إخراج «المولود الحكومي» بسلام من كواليس التفاوض الى النور بعد تذليل العقدة الأساس المتمثلة بحقيبة المردة بتنازل الرئيس نبيه بري عن وزارة الأشغال.

وإذ لم يخرج موقف رسمي من حزب «القوات اللبنانية» حيال عملية تبادل الحقائب في عين التينة رغم تبادل الموفدين والرسائل بين بيت الوسط ومعراب، لم تفض المشاورات حتى الآن الى توزيع كامل للحقائب ولا الى إسقاط الأسماء عليها ولم ترسُ الحكومة على صيغة نهائية وتتأرجح ما بين الثلاثين والـ24 وزيراً مع ترجيح الـ24 لتضاف إشكالية جديدة هي تمثيل كافة القوى الممثلة في المجلس النيابي فيها.

وقالت أوساط التيار الوطني الحر لـ «البناء» إن «تمثيل المردة كان العقدة الأساسية أمام ولادة الحكومة وقد حلّت بعد أن تنازل الرئيس بري من حصته للمردة وليس من حصة التيار ولا القوات، ما يسهّل تشكيل الحكومة»، مرجّحة «توقيع مراسيمها وأخذ الصورة التذكارية الجمعة المقبل»، وأوضحت الأوساط أن «صيغة الـ24 وزيراً هي القائمة حتى الآن وستضم كافة القوى السياسية ومنها الكتائب لكن ليس من حصة التيار الوطني الحر التي حسمت بـ3 وزراء ووزير رابع لحزب الطاشناق»، موضحة أن «المفاوضات لم تحسم بعد حقيبتي العدل والتربية بانتظار مزيد من الاتصالات، لكن حل هذه العقدة ليس مستعصياً»، ورجّحت المصادر أن «يزور النائب فرنجية بعبدا عقب تشكيل الحكومة وهناك مساعٍ يبذلها حزب الله والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على هذا الصعيد، ولا مانع من إعادة العلاقات بين التيار والمردة الى سابق عهدها».

وعلمت «البناء» أن «القوات» وافقت على وزارة الصحة مقابل التنازل عن الأشغال التي كانت تعتبرها ضمن حصتها على أن تنال أيضاً وزارة الإعلام ونائب رئيس الحكومة إضافة الى وزارة السياحة لميشال فرعون المحسوب على القوات». كما علمت «البناء» أن «وزارة المالية والزراعة لحركة أمل أما الشباب والرياضة والصناعة لحزب الله ولم يحدد الوزير الشيعي الخامس ومن المرجّح أن يكون وزير دولة»، وتحدثت مصادر لـ «البناء» أن صيغة الـ24 وزيراً تتقدم على الثلاثين التي لم يصرف النظر عنها حتى الآن بل هناك اقتراح بإعادة تدوير بعض الوزارات وتمثيل كافة القوى الأمر الذي يفرض حكومة ثلاثينية». ولفتت الى أن المفاوضات التي دارت أمس بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط للمقايضة بين التربية والعدل لم تنجح، وبالتالي ستبقى العدل مع الحزب الاشتراكي مروان حمادة على أن يبقى الياس بو صعب في التربية». وأضافت المصادر الى أنه «إذا اعتمدت صيغة الـ24 فقد تولد الحكومة خلال الـ48 ساعة المقبلة أما إذا استقرت الأمور على حكومة ثلاثينية ستحصل عملية خلط أوراق وتأخذ وقتاً إضافياً والأمر ستحسمه الاتصالات بين بيت الوسط وبعبدا مع الأطراف كافة خلال الـ24 ساعة المقبلة». وأوضحت المصادر أن «لا علاقة لزيارة النائب فرنجية الى بعبدا بتشكيل الحكومة، وبعد حل عقدة المردة باتت المصالحة بين الرئيس عون وفرنجية بعهدة البطريرك الراعي».

بري: قدّمت كل التسهيلات

ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه قوله لـ «البناء» «أن تقدماً هاماً قد حصل على مسار تأليف الحكومة في الـ48 ساعة الماضية وبقي بعض الريتوش على الصيغة النهائية التي من المفترض أن تصدر مراسم الحكومة خلال أيام قليلة»، ونقل زوار الرئيس بري أنه قدّم التسهيلات كافة لتشكيل الحكومة وتنازله عن حقيبة الاشغال لفرنجية مبادرة منه وتضحية لحليفه فرنجية وتسهيلاً لمساعي الرئيس المكلف سعد الحريري الذي طلب من بري المساعدة لحل عقد تمثيل المردة، كما لم يتشبث بري بحقيبة التربية، بل مستعد أن يوافق على أي وزارة توازيها كالزراعة إذا كان ذلك يسهل التأليف». وحذر بري بحسب زواره من «محاولات عرقلة ولادة الحكومة للحؤول دون إقرار قانون انتخاب جديد والإبقاء على قانون الستين وبالتالي الأمر يتعلق بنية وإرادة الأطراف لكن الإنتخابات حاصلة في موعدها في حال أقر قانون جديد أم أجريت الانتخابات على الستين».

سباق بين المهل والقانون…

سباق بدأ بين المهل القانونية لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة وإقرار قانون انتخاب جديد في ظل التأخير في ولادة الحكومة ومصادفة حلول عيدي الميلاد ورأس السنة. ولفتت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» الى أن «أكثر من صيغة لقانون الانتخاب يتم نقاشها ولا صيغة نهائية، لكنها استبعدت إقرار قانون جديد خلال المهلة المتبقية، خصوصاً أن الحكومة لم تتشكّل بعد وإن تشكّلت فستعقد جلسة نيابية لتنال الثقة بعد الأعياد ويبقى أمام الحكومة شهر لإعداد قانون انتخاب وإحالته الى المجلس النيابي». ولفتت الى أن «النسبية هو القانون المطلوب من غالبية الشعب اللبناني، لكن سيفرض الستين نفسه كأمر واقع على القوى السياسية وعلى البلد وعلى الشعب أو ربما يقر قانون في ربع الساعة الأخير ويصار الى تمديد تقني لشهر أو شهرين».

هل نجحت «القوات» بإقصاء الكتائب؟

وإذ أشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أن لا مجال لمشاركة حزب الكتائب في حكومة الـ24 وزيراً، أكدت مصادر عونية لـ «البناء» أن الحكومة ستتسع للجميع بما فيها الكتائب غير أن مصادر وزارية في حزب الكتائب أوضحت لـ «البناء» أن «مشاركة رئيس الحزب النائب سامي الجميل شخصياً في الحكومة مرتبط بنوع الحقيبة التي ستُعرض علينا وتنسجم مع تطلعاته ورغباته، غير أنه حتى الساعة لم يعرض علينا أي حقيبة سوى تمنيات من الرئيس المكلّف سعد الحريري بمشاركة الكتائب، ولم يتمّ الدخول في تفاصيل الحقائب». وأوضحت المصادر أن «حكومة الرئيس تمام سلام 24 وزيراً وتمثلنا بـ3 حقائب فلماذا علينا أن ننتظر توسيع الحكومة الى ثلاثينية كي نتمثل بحقيبة واحدة، ونحن كتلة سياسية من 5 نواب وحقنا بحصة وزارية معينة في المقابل كتلة القوات ثمانية نواب ولديها 4 حقائب؟». وأشارت الى أن «رئيس الجمهورية أبدى رغبة في أن نتمثل وكذلك الحريري لكن هناك فريق على الساحة المسيحية لا يحبّذ وجود الكتائب في الحكومة ويحاول تهميشنا بشتى الطرق وربما قد ينجح». وأكدت أن «اجتماع وفد التيار الوطني الحر والكتائب كان إيجابياً وحصل توافق على ضرورة السعي لإيجاد قانون انتخاب توافقي جديد وإجراء الانتخابات المقبلة على أساسه»، لكنها أوضحت أن عقدة تأليف الحكومة تتعدّى تمثيل المردة وحقيبة الأشغال الى قانون الانتخاب في ظل محاولات لتأخير إجراء الانتخابات النيابية للإبقاء على قانون الستين».

وأكد أمين سر تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان، عقب الاجتماع الأسبوعي للتكتل في الرابية أن «الحكومة الآتية ستثبت أن الميثاقية بدأت تأخذ مكانها في تشكيل الحكومات وهو عمل مهم ومطلوب ويتجاوز كل كلام وخلافات حول الحقائب ونوعيتها، لأنه يرقى الى مستوى الدستور والميثاق ويشكل قاعدة كانت مطلوبة وباتت محترمة». وأوضح أن «ما لمسناه حتى الآن في ضوء جولتنا، هو تأكيد الإيجابية بوضع قانون الانتخاب على أولوية جدول أعمال كل الكتل النيابية، ولم يعترض اي طرف على ذلك».

رسالة كيري إلى عون!

على صعيد آخر، وصلت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون الى لبنان أمس لنقل تهنئة الإدارة الاميركية للرئيس عون وخلال زيارتها قصر بعبدا، حملت السفيرة باترسون رسالة من الوزير جون كيري إلى رئيس الجمهورية أكد فيها استمرار بلادها في دعم لبنان في مختلف المجالات، ولا سيما المساعدات العسكرية. وعبّرت عن ارتياح بلادها الى «العمليات الأمنية الاستباقية التي يقوم بها الجيش اللبناني في محاربة الإرهاب»، منوّهة باهتمام لبنان بالنازحين السوريين»، واعتبرت أن «المرحلة المقبلة تتطلّب المزيد من التعاون والتنسيق بين لبنان وأميركا». بدوره، شكر الرئيس عون لباترسون زيارتها وحمّلها تحياته الى الوزير كيري، ورغبة لبنان في استمرار المساعدات الأميركية للجيش والمؤسسات الامنية لتمكينها من القيام بمهماتها كاملة، لا سيما أن الجيش حقق نجاحات كبيرة في العمليات الأمنية الاستباقية التي يقوم بها في اطار حربه على الإرهاب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى