حاجة أكيدة للبنان اللاطائفي
النائب د. مروان فارس
يمرّ لبنان الآن في أزمة قبيل تشكيل الحكومة، مع أنّ عمر هذه الحكومة المفترضة لا يتعدّى الأشهر الستة. ومردّ الأزمة أنّ بنية النظام السياسي اللبناني قائمة على أساس الوضع الطائفي الذي لا يسمح بإدارة شؤون الدولة على القاعدة التي تتأسّس عليها الحكومات في الدول الديمقراطية. فالديمقراطية المعمول بها في لبنان شكلية، ولا تقوم على أساس إرادة الشعب.
إذن فإنّ الديمقراطية المعمول بها في لبنان تعتمد على معطيات مخالفة لمبدأ الديمقراطية الحقيقية، لأنّ العامل الطائفي هو الأساس منذ أن تأسّس الكيان.
من هنا فإنّ تشكيل الحكومة في لبنان لا يحصل إلا بعد جهد جهيد بعكس الأحوال في كلّ البلدان الديمقراطية التي تعتمد التمثيل الحزبي مهما كانت أنواع الأحزاب وأشكالها، ومهما كانت أفكار هذه الأحزاب ومعتقداتها.
وإذا كان أساس المبدأ الديمقراطي يعود إلى خيارات الشعوب لأشكال السلطة في بلدانها، فإنّ الخيارات لا بدّ أن تكون بالاحتكام إلى صندوقة الاقتراع. وهذه الصندوقة معطلة في لبنان، بحكم استنادها إلى انتقاء على أساس مذهبي. وهذا الانتقاء يعترض بالجوهر على مبدأ الديمقراطية منذ احتكام اليونان إليها. ومع ذلك فإنّ سقراط الذي هو أب الفلسفة اليونانية رفض الاحتكام إلى هذه الديمقراطية الزائفة، وفضّل أن يشرب السمّ ويذهب للموت بدلاً من أن يخضع لأحكامها الزائفة. مَثَلُ سقراط هذا بعيد جداً عن مذهب الاحتكام إلى مفاهيم الحرّية الحقيقية.
أنطون سعاده، واضع العقيدة القومية الاجتماعية يؤكد أنّ الحرية صراع. إذن مفهوم الحرّية بحدّ ذاته مفهوم يعتمد على الحركة التي توصل إلى العدالة. العدالة الآن في لبنان، وهي التي تستند إلى أحكام القضاء، معطلة من قبل القضاة أنفسهم. هذا لا يعني أنه ليس هنالك في لبنان قضاة عادلون. إنما تشكيل القضاء اللبناني بحدّ ذاته يستند إلى المعطيات الطائفية التي ينبع منها الجسم القضائي. هذا الجسم إذن، لا يأتي بالقضاة الذين لا يحتكمون إلى العدالة وحدها، بل بأولئك الذين يعطون الأولوية في أحكامهم لمن أتى بهم إلى مصاف الدولة.
الديمقراطية والعدالة مفهومان متلازمان، وهذا التلازم محكوم عليه بأن يبقى شكلياً طالما أنّ مفهوم الحريّة مستهدف.
العدالة في لبنان مفهوم قائم على أساس طائفي. لذلك فإنّ المعالجة الحقيقية لأزمة العدالة والديمقراطية، لا بدّ أن تقوم على معالجة الأساس الذي يقوم عليه النظام السياسي، وهذا النظام لا يستطيع إلاً أن يأتي بالحكومات التي تشبهه.
ورد في وثيقة الوفاق الوطني الطائف مبادئ عامة، منها أنّ «لبنان عربي الهوية والانتماء، وأنه «جمهورية ديمقراطية برلمانية»، ونصّت المادة 95 من الدستور على أنّ المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة يطلب منه تحقيق إلغاء الطائفية السياسية، وتشكيل هيئة وطنية حدّدت مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة لإلغاء الطائفية السياسية ومن ثم إلغاء الطائفية بشكل كامل لكن منذ ما يقارب الثلاثة عقود لم تشكل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، ولم يطبّق مبدأ أنّ «الشعب مصدر السلطات، وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية».
المؤسف في لبنان أنّ هناك تراجعاً عما اقتضته وتقتضيه مصلحة البلد، خصوصاً في مفاهيم الحريّة والعدالة. والدلالة على ذلك، ما يتّم الآن في عملية تشكيل الحكومة، حيث توزّع الحقائب على الطوائف ومن الطوائف تذهب باتجاه المذاهب، كأنّ لبنان ليس لكلّ أبنائه إنما هو لطوائفه المختلفة حتى انقضاء عصر العدالة والديمقراطية والحرّية.
وعليه، فإنّ إصرار الحزب السوري القومي الاجتماعي على المشاركة في الحكومة المقبلة، ليس استجداءً لموقع، بل لأنّ وجوده في الحكومة، يشكل حاجة أكيدة للبنان اللاطائفي، لبنان الدولة المدنية الديمقراطية.
نحن نريد أن نكون في هذه الحكومة، لندفع باتجاه وضع قانون للانتخابات النيابية على أساس لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي، تحقيقاً لصحة التمثيل وعدالته. هذا هو ما نريده، وإنْ حصل عكس ذلك، فعلى الحكومة وعلى الإصلاح والإنقاذ السلام.
عضو الكتلة القومية الاجتماعية