كيف سيكون الطائف العراقي؟

مصطفى حكمت العراقي

بالرغم ممّا يرافق معركة تحرير الموصل من مطبّات وتداخلات عديدة جعلت البعض يذهب بعيداً لجهة استحالة كلام رئيس الوزراء العراقي عن تطهير كامل أرض الموصل قبل نهاية العام الحالي.. بالرغم من ذلك، واصلت الأطراف السياسية عملها لما وصفته بالتسوية التاريخيّة لما بعد انتهاء المعركة رغم التناقضات الواسعة التي أحاطت بهذا المشروع ونوايا من أطلقه، إلّا أنّ الدعم الذي حظي به داخلياً وخارجياً جعل الأعين تربو حوله، خصوصاً بعد التحرّكات التي قام بها عرّاب المشروع الأول، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم، الذي وصل إلى طهران مؤخّراً بعد أن حطّ رحاله في الأردن أولاً، وقد يرحل إلى القاهرة في وقت قريب بحسب ما أعلنته مصادر للبناء من مكتب الحكيم.

في طهران، تلقّى الحكيم ووفد التحالف الوطني معه دعماً ودفعاً وتأييداً من مهندسي السياسة الإيرانية على اختلاف مواقعهم لهذه الخطوة، وهنا يمكن التنبّؤ بطائف عراقي كما حصل سابقاً في لبنان، إلّا أنّ هذه الخطوة إن تمّت على شكلها الحالي، فهي ستطرد الرياض من الملف العراقي بلا رجعة، خصوصاً بعد اكتمال الهزائم وعدم اقتناع الرياض وقادتها بضرورة الجلوس إلى طاولة التسويات، لذلك سيكون لطهران الدور الأبرز لتكامل الأدوار مع أنقرة في المنطقة، واستبعاد الرياض وذيولها بالكامل إذا اغتنمت أنقرة استمرار الرياض بوحلها في اليمن، فارتفعت أسقف أردوغان وبحّ صوته قبل معارك تلعفر، ورفض مشاركة الحشد وهدّد بالتدخّل العسكري، وكلّ ذلك ذهب هباءً منثوراً لأنّ الأتراك منذ البداية كانوا يرومون الدخول في صفقة سياسية تجعل لهم موطىء قدم في العراق بعد فشلهم الذريع في سورية. لذلك نجد أنقرة تتهيّأ «لوراثة» السعودية في العراق، حتى أنّ الصراخ التركي السابق أصبح صمتاً مطبقاً، ما دفع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الاتصال بنظيره العراقي حيدر العبادي، مشيداً خلال الاتصال بنجاحات القوات العراقية في الموصل، ومشدّداً على ضرورة اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين في العاصمة العراقية بغداد، مؤكّداً أنّ بلاده تسعى إلى إدامة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العراق.

هذه المؤشّرات والتغيير في الخطاب التركي اتجاه العراق يعطي إشارات أوّلية بسعي أنقرة لردم هوّة الخلاف مع بغداد، فضلاً عن الحديث الداخلي في أجواء اتحاد القوى العراقية، الحليف السياسي الأبرز لتركيا في العراق، والكلام عن الضغط الذي مارسه الأتراك بعد تصعيد نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي الوكيل «الأردوغاني» في العراق بعد إقرار قانون الحشد والقول بنسف الشراكة، ولكن مصادر خاصة للبناء من داخل الكتلة «السنيّة» كشفت عن ضغوط تركية على تحالف القوى العراقية لجهة عدم الربط بين التسوية وقانون الحشد الشعبي وضرورة التعامل الإيجابي مع التسوية.

أمّا الرياض، الخاسر الأكبر ممّا يجري الإعداد له حاليّاً، ازدادت المؤشّرات بزيارة مرتقبة قد يجريها السفير السابق لها في العراق ثامر السبهان لبغداد، كمحاولة لزجّ أنفها من جديد في العراق ووضع قدم لها فيه.

بالرغم من كلّ هذه الملابسات والجوّ الدولي المؤيّد لمسار التسويات، مروراً بانتصارات حلب ووصولاً للتسوية اليمنيّة التي تلوح في الأفق، إلّا أنّ القوى السياسية في الداخل العراقي قد لا تتعاطف وتؤيّد هكذا مشاريع، حتى أنّ التحالف الوطني ذاته لا يمتلك رؤية موحّدة لهكذا مشاريع رغم ادّعاء عرّابي التسوية ذلك، فوجدنا أكثر من نائب داخل ائتلاف دولة القانون الذي يتزعّمه نوري المالكي يهاجم مشروع الحكيم، كما أنّ زعيم التيّار الصدري رفض أيّة تفاهمات ثانوية لا تتّخذ من الحجوم الانتخابية سبيلاً للاتفاق، كذلك وصفت قيادات في «الحشد» مشروع التسوية بخطة جديدة لتقاسم السلطة بين نفس الأطراف السياسية السابقة بصور وديكورات جديدة، كذلك الطرف «السنّي» منقسم على نفسه في هذا المشروع بين «سنّة» الداخل و«سنّة» الخارج و«سنّة» السلطة و«سنّة» المعارضة، لذلك نجدهم رفضوا المبادرة قبل أسبوعين واجتمعوا لمناقشتها مجدّداً قبل يومين، كدليل بارز على حجم التخبّط في اتخاذ المواقف وعدم التوحّد أمام المخاطر المحيطة بالبلد.

مجملاً، فإنّ العراق مُقبل على «طائف» لبناني بنسخة عراقية قد يجعل المحاصصة في المناصب مشرعنة، وقد يحوّل الوزارات بيوتاً للأحزاب والطوائف بقوة القانون، وقد يُرسي دواعم الاستقرار ومدنيّة الدولة واحترام الحقوق والحريات، وما علينا إلّا انتظار الأيام لإثبات أيّ الروايتَين أصحّ وأيّ الفريقين أصدق، ولذلك فليتنافس المتنافسون…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى