«بي بي شي»… سلام الزعتري المعيق الأساس لنجاحه!
جهادأيوب
لا تزال برامج المنوّعات والترفيه بمجملها في القنوات اللبنانية تسعى إلى مزيد من استغباء الناس بحجّة التميّز، و«استحمار» الذوق العام بحجّة التفوّق ولفت الأنظار، وإحداث ضجّة حتى لو كانت على حساب المنطق والمجتمع، وربما الدين والعقيدة بحجّة الاختلاف. ولا خلاف في أنّ تلك البرامج المصنّعة لبنانياً رغم اقتباس بعضها من الغرب، كانت الأشهر عربياً، واستنسخت تحت لواء كذبة أنّ الفضاء اللبناني تسوده حرّية أكبر من غيره عربياً، وفي الحقيقة، تسوده حرّية مفرطة غير مقيّدة وغير مسؤولة، ومنها ما يكون مقصوداً يبعث إلى لجم أو هدم النشاط والفكر الحزبي السياسي والاجتماعي والمقاوم، أو للكسب المادي والإعلاني السريع، وفي النهاية لا يصنع أو ينفّذ عباطة، بل هنالك أهداف وغايات ومسودّات وفواتير تدفع على حساب الوطن والعقيدة.
إذاً، هنالك أهداف منها ما هو عن سوء نيّة وقصد، ومنها للنزول في ورطة المنافسة، والكسب الأسرع مادياً وانتشاراً، مع أن الأعمال المحترمة لا تزال تُحسب مكانتها، ويُبحث عنها إن وجدت. وللأسف، نادراً ما توجد في الفضاء العربي، وبالأخص لبنانياً.
وقد لفتني في الآونة الاخيرة، وبعيداً عن الاستغراب، بل باشمئزاز، أكثر من برنامج منوّع يقصد بها الترفيه. الأول «بي بي شي»، والثاني «نقشت معي Take me out». وكلاهما على قناة واحدة، وهي «LBC» أو «LDC».
«بي بي شي» لبطله سلام الزعتري، كان قد عُرض على قناة «الجديد» سابقاً، وهاجر منها إلى «LBC» لأسباب قيل تهذيبية، وربما قصاصية للجم فريق العمل وبالأخص سلام الذي لم يعد يستوعب نجاح فكرته آنذاك. فتاه بمرض يصاب به عدد من أصحاب النجاحات السريعة والاستهلاكية في زحمة فراغات الثقافة المهرولة إلى المجهول. وأخذ يخاطب هذا وذاك بفوقية أضرت به وبمسيرته الفنية، وفرّطت بفريقه حيث ضاقت شهرتهم بعد الانتشار.
نشير إلى سلام لكونه يتحمّل المسؤولية الأولى عن البرنامج، هو المنتج وصاحب الفكرة والمعدّ الرئيس له، وهذا لا يغيّب دور باقي المشاركين حيث اختلفت هممهم، وأصبح تمثيلهم رفع عتب.
العمل على «الجديد» كان محبّباً أكثر، وأحدث لغطاً ساهم في لفت الأنظار إليه، لنجد فيه مساحة كبيرة باستخدام الحرّية المفرطة، لا سقف يحاصره، ولا تدخلات في إعداده سوى لفت نظر، وإشارات تريد تمريرها المحطة كي تنال من هذا أو ذاك بحسب مصالحها الخاصة. وعابته آنذاك كثرة استخدام الألفاظ النابية، والحركات الجنسية الخادشة، وقلّة التهذيب في أماكن معينة. ومع ذلك، ورغم وضوح سياسة الزعتري، حصد «شي أن أن» الكثير من النجاح، وقطف الانتشار الأوسع، وبعض شخوصه شكلت نجومية ضاحكة خفّ وهجها.
في موسم هجرته من «الجديد» إلى «LBC»، ونعتقد أنّه قد يهاجر مرّة أخرى، تغيّر كثيراً. القيود حاضرة، الملاحظات النقدية وفيرة، عدم خلق الجديد عما كان عليه أضرته ولجمته، وتكرار سوالفه وتعليقاته وسياساته وتطاولاته سجنته ضمن قيود الملل، والتهريج المتعمد لم يُضحك بقدر ما يؤلِم لحال اجترار وتسوّل البسمة. والجزء الأساسي من بنية البرنامج ومضمونه مهزوزان، أقصد تركيبة البرنامج وأداء فريق العمل متراجعان كثيراً، ولم يعد ملعبهم، ولا تعرف هذه التركيبة مساحتها وحضورها، وأحياناً نشعر بارتجال المشهد الذي يولد في لحظته في زمن اختلف فيه الفنّ.
وقد وصلنا من جهات مقرّبة من سلام، أن هذا الأخير لم يعد راضياً على ما يقدّمه، ولم يجد الراحة في المحطة الجديدة، وهو مقيّد، ولم يعد يعرف ما يريده البرنامج، ولكنه يريد الاستمرار.
وبدورنا، وإذا كان ما وصلنا صحيحاً، نشير إلى أنّ العلة تكمن في سلام قبل غيره، وتحديداً في طريقته وأسلوبه ومنهجيته في تناول مواضيعه وفي تصرّفه مع زملاء العمل، وفي استخدام مفرداته وإعداده الهجومي النافر والمسيء إليه قبل المُشاهد، وعدم راحته وفريقه وبرنامجه أوضح ما يكون. وهذا ظاهر من خلال مشاهداتنا الأولى له، لا بل عدم الانسجام بين فريق العمل نتلمسه دائماً، ويعطينا إشارات غير مرضية.
على المشرفين والمسؤولين نسف فكرة البرنامج الذي استُهلك وانتهت صلاحياته بعد هجرته، والبحث عن جديد فيه كل الاختلاف. والأهم ألا يتعمّد سلام الهضامة، ويقحمها إقحاماً مزعجاً. وأن يبتعد عن الأستذة والفهلوة، وأنه الأفهم بشكل مباشر فيه كمّ من الغلاظة والازعاج. وألا يسوّق لأفكاره هو، وهذا من حقه، ولكنّه يستخدم طريقة فجّة وحادّة تشبه الطريقة التي أكتب بها الآن عنه وعن برنامجه. والأهم، عدم تقديم فوضوية منظمّة لكون المعدّ لا يقرأ الحدث من زواياه كلّها، بل يتناوله من زاويته المسجونة بدائرته الضيقة والمريضة بجرثومة الواقع اللبناني.
«بي بي شي»، ومنذ هجرته أصيب بأزمة إبداع، وأضاع فريقه بوصلة الهضامة والتجديد، ووقع في التهريج المزعج، وفي فبركات سياسية غير ممنهجة بقدر ما هي غوغائية أشركته بالطائفية التي يدّعون محاربتها كما العنصرية، وأحياناً تصل إلينا بغباء وعباطة. أعني هذا البرنامج يحتاج إلى رقابة مشدّدة، وأستذة واعية، و«فركة أذن»، أو الاستغناء عنه بسبب انتهاء صلاحيته.