هل يكون الرئيس هذه المرة «صناعة لبنانية»؟ جرس جلسة الانتخاب لن يُقرع قبل بلوغ التفاهمات
شادي جواد
في حين ترتفع وتيرة السباق الرئاسي يوماً فآخر على المستوى الداخلي، مع دخول الاستحقاق مداره الدستوري، لا تزال النوافذ الخارجية مقفلة ولم يرصد أي موقف أو حراك إقليمي أو دولي ذي صلة بالانتخابات الرئاسية في لبنان، ما يعني أن لبنان باق في منزلة متدنية ضمن الأولويات الدولية ومتابعة مجريات التطورات على خط أكثر من ملف مفتوح، إن على مستوى الأزمة السورية أو المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية»، أو المستجدات المصرية اليومية، وما إلى هنالك من مواضيع تعتبرها الدول ذات الصلة بالملف اللبناني أكثر إلحاحاً وتحتاج إلى متابعة استثنائية.
في خضم الانهماك الداخلي في المسائل الأمنية والمعيشية، على خلفية تنفيذ الخطة الأمنية في الشمال والبقاع، وخضوع سلسلة الرتب والرواتب للتشريح في مجلس النواب، فإن الصالونات السياسية منشغلة برصد تحرك المرشحين المحتملين للرئاسة بعدما أصبحت الصورة في هذا المجال شبه مكتملة على مستوى الأسماء، وضبابية حول المصير، بفعل انكفاء الدبلوماسيين العرب والأجانب عن المشهد وتجنّبهم الإجابة عن أي سؤال أو استفسار حول مواقف دولهم من الاستحقاق، فجُلّ ما سمعه من راجع بعض السفراء أن حكوماتهم لم تزوّدهم أي معطيات أو إشارات تخوّلهم الخوض في تفاصيل المسألة، مع التأكيد أن هذا الموضوع ليس أولوية، حتى الساعة على الأقل بالنسبة إليهم، وهم الآن في مرحلة جوجلة الأفكار، وما برح الوقت متاحاً قبل اعتماد خيار.
تلفت مصادر سياسية متابعة النظر إلى أن لبنان على مرّ التاريخ كان يمر بخضات باردة وأخرى ساخنة لدى مواجهة أي استحقاق كبير، وأن ما يحصل على مستوى الاستحقاق الرئاسي ما زال ضمن المعقول، وأن هناك وقتاً متسعاً قبل حسم الخيارات، باعتبار أن معظم الاستحقاقات التي تخضع للمد والجزر على المستوى السياسي بفعل غياب التفاهمات المسبقة حولها كانت تترك حتى ربع الساعة الأخير لبلوغ الحل، ومن هذا المنطلق فإن أي تدخل خارجي لن يتم في الوقت الراهن حتى تنضج «الطبخة» الداخلية ويكتمل المشهد وضوحاً، وهذا التدخل سيكون منطلقه تفادي أي فراغ محتمل، وهذا قرار تجمع عليه جميع الدول المعنية بالملف اللبناني التي ليست في وارد الدخول على خط الاستحقاق إلا عندما تشعر بأن الاستحقاق دخل مرحلة الخطر.
في تقدير المصادر نفسها أن الرئيس بري ما كان ليعلن، ولو بصورة غير مباشرة، عن رغبته في تحديد جلسة الانتخاب بين 15 ونهاية نيسان الجاري لو لم يكن يملك معطيات مشجّعة على ذلك. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، تعمد الرئيس بري بذلك قطع الطريق عن الذين يحاولون تحميله مسؤولية إطالة الوقت لخوض غمار هذا الاستحقاق، خاصة أن بكركي تحدّثت أمام زوّارها عن الرغبة في فتح السباق الرئاسي على مستوى الانتخاب منذ الآن للحؤول دون الوقوع تحت وطأة عامل الوقت.
غير أن المصادر تطرح سؤالاً عما إذا كان ممكناً ضمان وصول عدد النواب تحت قبة البرلمان إلى الثلثين، وهو العدد المطلوب لدور الانتخاب الأولى، ما لم تكن هناك تفاهمات سابقة لانتخاب الرئيس، وترى أن هذه التفاهمات لا تزال حتى هذه اللحظة غائبة، وبالتالي فإن الأسبوع المقبل سيكون حافلاً بالمشاورات والاتصالات الداخلية، والخطوط الهاتفية مع السفارات ودول القرار ستفتح في غير اتجاه، إذ سيضغ رئيس المجلس الجميع أمام مسؤولياتهم وسيكون في حل من أي تطور سلبي يحصل على مستوى الاستحقاق بعد إعلان موعد جلسة الانتخاب وإتمام دوره على أكمل وجه.
ترى المصادر أن حياكة الانتخابات الرئاسية تتم بعناية فائقة، والخطوات التي تصب في هذا الاتجاه تنجز باتقان لمنع أي دعسة ناقصة، وبالتالي، فإن المعطيات المتوافرة لا تشي بإمكان دخول القاعة العامة قبل أن تكون الطبخة الرئاسية ناضجة لناحية التفاهم السياسي المسبق حول مكوّنات هذه الطبخة التي ستكون هذه المرة على ما يبدو مثل الحكومة الحالية لبنانية بامتياز.
تعتبر المصادر أن الإشارة التي بعث بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول المجيء برئيس للجمهورية «صنع في لبنان»، على المسؤولين اللبنانيين تلقّفها والعمل على أساسها، فهم يثبتون بذلك للعالم أنهم أصبحوا راشدين سياسياً، وأنه أصبح في إمكانهم معالجة ملفاتهم بعيداً عن الاستعانة بأي صديق.