نحيب «الإنسانية» على حلب!

نصار إبراهيم

«هنا الوردة فلترقص هنا الصخرة فلتقفز!»

لم تحظ مدينة بهذا الفيض والطوفان من المشاعر «الإنسانية» كما هي مدينة حلب! فالكلّ «يبكي» حلب وينوح عليها…

حفلات لطم وشق صدور وجيوب على أطفال حلب الذين يتعرّضون لـ«الإبادة» من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه.

حفلات لطم ونواح «إنسانية» مدهشة في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفي معظم العواصم الغربية والعربية، وفي جميع مؤسسات «حقوق الإنسان».

الكلّ انفجرت مشاعره الإنسانية كأنهار من دموع على مأساة حلب…

الولايات المتحدة الأميركية، لا تبتسموا! نعم أميركا ذاتها التي قصفت هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية، وحرقت قرى ومدن وغابات فيتنام بالنابالم وأبادت قرية ماي لاي، والتي غزت العراق ودمّرته وأبادت مئات الآلاف من شعبه هي وحليفتها بريطانيا وقصفت الفلوجة بالفوسفور حزينة جداً جداً على حلب وأطفال حلب!

وفرنسا… نعم فرنسا ذاتها التي في رقبتها دماء 2 مليون شهيد جزائري، والتي أذاقت بلاد الشام طعم الموت أثناء استعمارها… تنوح كالأمّ الثكلى على حلب…

بريطانيا.. نعم بريطانيا أمّ الاستعمار العالمي في آسيا وأفريقيا وراعية تشريد الشعب الفلسطيني… لبست أثواب الحداد على حلب!

حتى «إسرائيل»… نعم «إسرائيل» التي ارتكبت ألف مجزرة وحرب ضدّ الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وكلّ عام أو عامين تدمّر غزة فوق رؤوس أهلها… أيضاً تفجّرت مشاعرها الإنسانية على حلب.

وتركيا… نعم تركيا العثمانية التي تعرفونها جيداً.. التي لا زالت تعتز بخوازيقها وبكلّ أنواع الموت والقتل التي ارتكبتها بحق الأمة والشعوب التي احتلتها.. أيضاً تبكي وتنوح على حلب…

وآل سعود وقطر والإمارات والبحرين… الذين يجزّون الرؤوس بالسيوف، ومنذ أكثر من عام وهم يبيدون شعب اليمن بالقنابل العنقودية الآتية من عواصم أوروبا وأميركا أيضاً استيقظت أخلاق «الفروسية والنبالة» تحت دشاديشهم وراحوا يبكون حلب…

الكلّ يبكي وينوح على حلب…

نعم.. أنا لا أقول إن ليس هناك مأساة في حلب، فأنا أعرف مدى الألم والموت والدمار الذي تعرّضت له حلب، وأعرف جيداً الأثمان الباهظة والدماء العزيزة التي سالت في حلب وعلى مساحة الجغرافيا السورية على مدار خمس سنوات…

ولكن أن يبكي على حلب قاتلها شيء يثير السخرية… ويجب أن يثير الأسئلة… لماذا!؟

ما يريده هؤلاء البكاؤون هو أن يغسلوا دم حلب وسورية عن أيديهم، يريدون منا أن نصدّق «إنسانيتهم وإنسانية ثوارهم المعتدلين جداً».

ولكن كيف ينسى السورسون والحلبيون من أغرقهم في الدماء، من سرق مصانعهم وصوامع حبوبهم ونفطهم ومن قطع عنهم الماء من حي سلمان الحلبي، كيف ينسى السوريون من دمّر مساجدهم وكنائسهم ونبش قبور أضرحتهم باسم «الثورة»!؟

كيف ينسى السوريون من أكل قلوب أبنائهم، وأفتى باغتصاب نسائهم، وألقى بجثثهم في الأنهار ومن أعالي البنايات؟ كيف ينسون من حرقهم ومن حشرهم في الأقفاص كالعبيد في مدينة عدرا العمالية!؟

حين يفقد العقل توازنه فإنه يسقط في الهلوسة، والكثير ممن يدّعون أنهم إعلاميون وساسة ومثقفون سقطوا في امتحان الوعي والمنطق والسياسة والأخلاق في حلب، فراحوا يخلطون الحابل بالنابل…

يبكون على حلب وكأنه كان مطلوب من الجيش السوري والدولة الوطنية حين فرضت عليهم الحرب التي استهدفت إسقاط سورية وتحويلها إلى دويلات طائفية تابعة وخاضعة لمشيئة أميركا و«إسرائيل» والدول الاستعمارية أن يرفعوا الرايات البيضاء وأن يسلّموها دون قتال حتى لا يُقال عنهم إنهم غير إنسانيين.

فهل كان المطلوب مثلاً تسليم حلب لعصابات جبهة النصرة ونور الدين زنكي وجيش الإسلام.. و.. و…!؟

هل كان المطلوب تسليم دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس وحماة ودرعا ودير الزور والحسكة والسويداء وكلّ سورية لحلف أميركا و«إسرائيل» وآل سعود والغرب الاستعماري وأردوغان كي يهدأ بال هؤلاء الإنسانويين جداً!؟

هل يتفضّل علينا البكاؤون ليقولوا لنا ما هو البديل عن مواجهة هؤلاء القتلة!؟

لماذا لم تستسلم مثلاً مدينة لندن عندما تعرّضت لقصف شامل من ألمانيا النازية خوفاً على المدنيين، ولماذا لم تستسلم أميركا حين تعرّضت بيرل هاربر للتدمير، ولماذا لم تستسلم ليننغراد التي دمّرت وحوصرت ثلاث سنوات من قبل الجيوش النازية؟ ولماذا لم يستسلم الاتحاد السوفياتي لجيوش هتلر بدل أن يستشهد 24 مليون مواطن سوفياتي في الحرب العالمية الثانية!؟

وهل كان على غزة أن ترفع الرايات البيضاء وهي تتعرّض للتدمير من قبل الاحتلال الاسرائيلي؟

ليت أحداً يقنعني أنّ الدول التي تبكي على حلب ستسلّم ذاتها ومدنها لعصابات قاتلة حين تجتاح مدنها!

نعم حين يفقد العقل توازنه وركائزه، يصبح الحديث في السياسة نوعاً من هلوسة بسبب حمى الهبوط والسذاجة التي تصيب الوعي والإدراك معاً، هذه الحالة يعيشها الآن الكثير من الإعلاميين والمثقفين والساسة العرب، الذين لا يملكون حداً أدنى من اللياقة الذهنية تذكرهم بتناقضاتهم المحزنة حتى في البديهيات.

يدّعي أولئك «الإنسانويون» أنّ النظام السوري نظام ديكتاتوري، نعم يقولون هذا بكلّ يقين، فيما لا نسمع منهم همساً عن أنظمة يعيشون في ظلها أقلّ ما يُقال عنها إنها لا تزال تعيش خارج التاريخ.

وذات البكاؤين يصفون جيش آل سعود بأنه جيش وطني، وجيش قطر جيش وطني، وجيش الإمارات جيش وطني، وجيش الكويت جيش وطني، وجيش البحرين جيش وطني، وجيش «إسرائيل» «جيش دفاع»! وجيوش أميركا وبريطانيا وفرنسا الغازية والاستعمارية جيوش وطنية لدول ديمقراطية… وحين يصلون عند الجيش العربي السوري فجأة يصبح جيش النظام أو جيش بشار…. يخرب بيتكو على هذا الذكاء الغبي، فإذا كان كلّ هذا الصمود والبسالة الأسطورية وهو مجرد جيش بشار، فكيف سيكون الحال لو أنه كان جيش الدولة الوطنية السورية!؟

على أية حال إنّ كلّ هذا النفاق ما هو إلا هروب من استحقاق الإجابة على سؤال حارق وسهل هو مفتاح كلّ الأسئلة: حين يصبح الوطن والشعب أمام الخيار ما بين الاستسلام والركوع لأعدائه، وبين المقاومة بكلّ ما يملك والاستعداد لدفع الأثمان الباهظة مهما كانت فأيّ خيار سيختار!؟

هذا النحيب الإجرامي على حلب ما هو إلا نحيب على انهيار مجاميع القتلة التي جاؤوا بها من كلّ حدب وصوب لإسقاط سورية وإخضاعها.

نعم «هنا الوردة فلترقص هنا الصخرة فلتقفز!»…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى