«الستين» شرارة أزمة أو توافق ضمني؟
هتاف دهام
يُجمع فريق 8 آذار والتيّار الوطني الحرّ على أنّه لا يمكن بناء وطن بوجود خلل في قانون الانتخاب، ويؤكّدان أنّ إقرار قانون انتخاب جديد على أساس النسبية في رأس سلّم أولويّاتهما. لكن الثابت أنّ هذه القوى ستقع مرة جديدة في مطبِّ مراوغة فريقين سياسيّين حريري جنبلاطي يرفضان النسبية الكاملة في خضمّ صراع الأحجام.
وفق ما رشح عن جولة نوّاب التيّار البرتقالي على رؤساء الأحزاب السياسية أنّ محاولة دفع التيّار الوطني الحرّ وحركة أمل وحزب الله، قانون الانتخاب إلى الأمام أُحبطت. اصطدمت بموقف صلب لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
بدت مواقف بيت الوسط وكليمنصو حادّة وحاسمة. النسبيّة، وفق الشيخ سعد، ستجلب لتيّاره المتطرّفين على الساحة السنّية إلى ساحة النجمة، وبحسب بيك المختارة لا يناسب هذا النظام الوضع الدرزي في الجبل.
كيف يمكن للنسبيّة أن تخرق جدار الستّين؟ يدرك المعنيّون في اللجان المختصة أنّ قانون الانتخاب يحتاج إلى إقرار في المجلس النيابي، يتطلّب قبل ذلك موافقة المكوّنات السياسية الأساسية الطائفية. لا يمرّ أيّ قانون انتخاب بأغلبية عددية، بل يشكّل مسألة ميثاقيّة لا تُفرض فرضاً.
إذاً، إمكانيّة التجاوز صعبة. الدوران في حلقة مفرغة سيد الموقف. أزمة إنتاج قانون جديد كبيرة تكاد تكون مستعصية. من يملك جرأة منع إجراء انتخابات وفق الستين؟ وإنْ كان التحدّي يكمن بأن «تتمرجل» القوى التي لديها القدرة وتضرب قانون الدوحة عرض الحائط.
يدعو المجتمع المدني إلى تحرّكات، يطالب برفع الصوت وقيادة حملات إعلامية وسياسية وشعبية لإقرار قانون انتخابي جديد على أساس النسبيّة مع لبنان دائرة واحدة. هل القوى السياسية الرّافضة لـ«الستين» ستتشارك وهذه الهيئات ساحات رياض الصلح والشهداء لإسقاط القانون النّافذ طالما أنّها في الخانة نفسها؟
بدأت المُهَل الانتخابية تضيق. على المستوى القانوني تعلّق هذه المهل في شباط المقبل، وإذا كان من المفترَض أن تجري الانتخابات في شهر أيار المقبل، فإنّ صيغة الأمر الواقع الستين لا تزال أقوى الصِّيغ المطروحة.
لا أحد في وارد وضع عصي في دواليب انتخابات وفق قانون العام 2008؟ الأمور غير محسومة، ولن تُحسم عند فريق 8 آذار لاعتبارات تتخطّى أهمية القانون نفسه.
يؤكّد مصدر مطّلع لـ«البناء» أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي دعا خلال لقائه وفد التيار الوطني الحرّ والنائبين علي فياض وعلي بزي أمس، إلى إجراء اتصالات ثنائية بعيداً من وسائل الإعلام مع كلّ القوى المعنيّة. كلّ فريق، وفق «الأستاذ»، يستثمر علاقاته وصداقاته. يتولّى دولته الحزبَ الاشتراكي وتيارَ المستقبل في محاولة للوصول إلى تفاهم ما، فيما يتولّى التيار الوطني الحرّ حزبَ القوات.
لن يدعو رئيس المجلس إلى جلسة عامّة على جدول أعمالها 17 قانوناً. وفق زوّاره، القانون الذي يمكن أن يُقرّ سيكون أسوأ من الستين مع إمكانية التفاهم السهل لـ«الصيفي، معراب، بيت الوسط، وكليمنصو».
يطالب التيّار الأزرق بإعادة البحث بالمختلط. يشكّل هذا الاقتراح أقصى تنازل يمكن أن يقدّمه. المطلوب، من وجهة نظره، البحث في صيغة توفِّق بين اقتراح الرئيس برّي القائم على انتخاب 64 نائباً على أساس الأكثري و64 نائباً على أساس النسبي، وبين الصيغة الثلاثية القائمة على انتخاب 68 نائباً على أساس الأكثري و64 نائباً على أساس النسبيّة.
يتوجّس الآخرون من هذا الطرح. يُبدون خشية أن تعيد هذه الحركة البحث إلى بداية عمل اللجنة المختصة، فإجراء الانتخابات على أساس الستين. لم تخرج النقاشات في لجنة التواصل واللجان المشتركة يوماً من دائرة الصفر. كلّ اجتماعاتها أثمرت الاتفاق على عدم الاتفاق.
في إطار طروحات الوقت الضائع عن انتهاء المهل الانتخابية، ذكّر برّي نوّاب التغيير والإصلاح، أمس، بأفكار طرحها معهم قبل الانتخابات الرئاسية. تقول إحداها بأساس التأهيل على مستوى القضاء وفق الأكثري، على أن يؤهّل الناخبون المسيحيون النوّاب المسيحيين، ويؤهّل الناخبون المسلمون النوّاب المسلمين. ومَن يتأهّل ينتقل إلى المحافظة وتجري الانتخابات على أساس المحافظات وفق النسبية. يرى العونيّون إيجابية في هذه الأفكار. ليس مُستبعداً البحث في أفكار كهذه مع الدوائر المعنيّة. لم تسمح الفرصة بعد لاختبار مدى موافقتها من عدمها على طرح عين التينة.
القوى تدور حول نفسها. ترفض الستين من دون أن تتّفق على بديل. المُهَل الانتخابية تحت سكين الستين، فهل يكون النظام الانتخابي شرارة أزمة فتتجرّأ بعض المكوّنات على فرط البلد والذهاب إلى مؤتمر تأسيسي؟ أم أنه توافق ضمني بين طبقة ما بعد الطائف السياسية؟ أم الاستسلام مرة جديدة لقرار «مستقبل» «الستين»؟