الفوعة وكفريا مقابل مواصلة إخلاء المسلحين أو مواصلة الحسم العسكري ارتباك حريري قواتي يعطل التشكيل الحكومي والتفاهمات الانتخابية
كتب المحرر السياسي
مع تعثر عملية إخلاء المسلحين المتبقين في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، بعدما عطلت الجماعات المسلحة وفي مقدمتها جبهة النصرة عملية إخلاء المحاصرين ذوي الحاجات الخاصة من الفوعة وكفريا، وبدا أنّ حساب قيادة الجيش السوري وقيادة المقاومة لمخاطر خطة تعتزم جبهة النصرة تنفيذها باقتحام وتهجير البلدتين المحاصرتين بحثاً عن نصر افتراضي يعوّض هزيمتها في حلب، هو الذي اشترط ربط مسار إخلاء الجماعات المسلحة من الأحياء الشرقية بإخلاء بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين، ولا يزال، وفي حال بقاء التعثر على حاله سيكون الحسم العسكري في حلب خياراً مطروحاً بسهولة أكبر مع الانهزام المعنوي للمسلحين الباقين على وعد الإخلاء، وفقدانهم قادة وتركيبات موازية بين الذين غادروا أول أمس، وفي المقابل سيكون بتفاهم الحلفاء نارياً وعسكرياً القدرة على توفير حماية الفوعة وكفريا من المخاطر والتهديدات بوضع إدلب مقابلها في ميزان الردع.
انتصار حلب، الذي تأجّل الاحتفال باكتماله مؤقتاً، لا يزال يلقي بتردّداته على المشهدين السوري والإقليمي، حيث عملية فك وتركيب لمعادلة المعارضة ومن يمثلها في المسار السياسي، ومثلها فك وتركيب لمعادلة رعاة المسار التفاوضي، فلم يتبقّ مقعد للائتلاف ولا لجماعة الرياض الذين فقدوا صوتهم الذي صنعته وظيفتهم في تغطية حرب حلب لحساب جبهة النصرة وتركيا، في مرحلة الرهان على السيطرة على حلب، لكن بعد الهزيمة يدفع ثمنها الأضعف، فتلجأ النصرة إلى إدلب ويمسك الأتراك بناصية التفاوض، ويجلس على مقاعد المعارضة من تطابق صفاتهم دفتر شروط الحرب على داعش، ليختار الأتراك من يمثل جماعاتهم في «درع الفرات» من الواجهات السياسية العاملة معهم من ضمن الائتلاف وخارجه، بينما يتمثل الأميركيون بـ«قوات سورية الديمقراطية» بجناحيها الكردي والعربي اللذين حجز لهما الأميركيون دورا في معركة الرقة، وهكذا تختصر الثنائية الأميركية التركية معادلة الرعاة ويخرج السعوديون والخليج ولو بقيت لهم جوائز ترضية، من خلال الأتراك والروس وربما بقبول إيراني لكن لحسابات أخرى لا تتصل بما يجري في سورية، بل لتوازنات القوى في المنطقة، التي ستستدعي حضوراً لمصر لا يصنعه وجود في المعادلات السورية أيضاً.
تمهيداً لعلميات الفك والتركيب سيلتقي نهاية الشهر على مستوى وزراء الخارجية الروس والإيرانيون والأتراك، وفي السياق نفسه أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدعوة لحوار سوري سوري في الأستانة في كازاخستان، مكافأة لرئيسها ودوره في التقارب الروسي التركي وإعلاناً لوفاة مسار جنيف، بينما أيد وزير الخارجية التركي هذه الدعوة، ما يعني تسمية للوفود المدعوة لا ترتبط بمن دعاهم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ولا بحصرية مدّعاة لجماعة الرياض.
لبنانياً تبدو إرباكات قراءة ما يجري في حلب وتسارع التغييرات الإقليمية في ارتباك ثنائي الرابع عشر من آذار الذي يمثله تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، حيث لم يكد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري يقبل صيغة الحكومة الثلاثينية بإضافة ستة وزراء على صيغة الأربعة والعشرين، حتى عاد يتحدث مع القوات بلغة واحدة عن حفظ التوازنات ما يعني ترحيل عقد صيغة الأربعة والعشرين وزيراً إلى صيغة الثلاثين مجدّداً، كما في المساعي للتوافق على قانون جديد للانتخابات ظهرت الممانعة الشرسة من ثنائي القوات والمستقبل للنسبية الكاملة التي حملها وفد التيار الوطني الحر في زياراته للكتل النيابية، علماً أنّ الشخصيات المستقلة والزعامات التقليدية يمكن أن ترى النسبية مصدر تحجيم لها، بينما التشكيلات الحزبية فتسعى للنسبية الكاملة لأنها تنصفها، إلا المستقبل والقوات فيريان أنهما ينالان حجماً أكبر من حجمها الفعلي في النظام الأكثري بتحالفات الإقصاء المعتمدة في الانتخابات كما في الحكومة، ليصير المشهد الحكومي كما مصير قانون الانتخابات على لائحة الانتظار مجدّداً مع مشاريع سفر الرئيس الحريري إلى الرياض مع انطلاق الدعاوى القضائية ضدّه في المملكة العربية السعودية، بينما يسافر رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل إلى القاهرة، ما قد يؤجل التشكيل لما بعد الأعياد.
جدار العقد يواجه حكومة الثلاثين
تضاءلت موجة التفاؤل التي سادت مطلع الأسبوع بولادة الحكومة مع مغادرة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أمس الى السعودية والسفر المرتقب لأحد أركان التفاوض وزير الخارجية جبران باسيل الى القاهرة الثلاثاء المقبل للمشاركة في اجتماع الإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية بينما يضيق الوقت الفاصل عن حلول عطلة الأعياد، ما يعزز احتمال أن تبصر الحكومة النور في العام المقبل على أن يأخذ المفاوضون استراحة محارب استعداداً لجولة جديدة من الصراع على توزيع الحقائب وفقاً للصيغة الثلاثينية.
وتكثفت الإتصالات أمس بين المعنيين بالتأليف في محاولة لتسويق حكومة الثلاثين والتعديلات المفترضة عليها غير أنها اصطدمت بحسب مطلعين على المشاورات الحكومية بجدارٍ من العقد، أولها أن تبديل الصيغ يتطلب إعادة هيكلة جسم الحكومة وتوزيع للوزراء والحقائب بعد أن ارتفعت شهية حصد المكاسب عند أغلب القوى السياسية.
ومن العقد أيضاً «فيتو» ثنائي «المستقبل» «القوات» على نية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توزير يعقوب الصراف في الدفاع الأمر الذي يشكل استفزازاً للحريري بحسب أوساط مستقبلية التي أعربت لـ«البناء» عن خشيتها من إغراق التوليفة الحكومية بـ«كوتا» من وزراء 8 آذار ينسفون توازن القوى السائد في حكومة الـ24 ويشكلون حالة اعتراض في وجه الحالة الحريرية وعرقلة مشاريع الحكومة التي يريد رئيسها أن تكون منتجة لا أن يكون محاصراً فيها.
زيادة ستة وزراء دولة زاد من تنافس الأطراف على رفع الحصص في التركيبة الثلاثينية ورفض البعض منحه وزراء دولة كرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يطالب بحقيبة للوزير الخامس وحزب الكتائب الذي يرفض تمثيله بوزير من دون حقيبة، حيث دعا النائب سامي الجميّل في مؤتمره الصحافي أمس «من يقوم بالاتصالات لتشكيل الحكومة أن يعتمدوا وحدة المعيار ويطبّقوه على الجميع».
أما العقدة الإضافية التي برزت خلال قراءة المعنيين لتوازنات الحكومة الثلاثينية هي تسرّب ستة وزراء مسيحيين من خارج الثنائي «التيار الوطني الحر» «القوات»، إذ يطالب الحريري بوزيرين مسيحيين، ووزير ثالث لتيار المرده ورابع للكتائب وخامس للحزب السوري القومي الاجتماعي وسادس للرئيس بري في حال تمّ التبادل مع رئيس الجمهورية بوزير شيعي، تعديل يلاقي رفضاً قاطعاً من الثنائية «العونية» «القواتية» خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية.
وأبدت مصادر قيادية في تيار المستقبل استغرابها إزاء إعادة طرح قانون الانتخاب قبل تأليف الحكومة والحديث عن النسبية المطلقة كنوع من وضع عراقيل إضافية أمام تشكيل الحكومة»، موضحة لـ«البناء» أنّ «المجلس النيابي هو المعني ببحث ودراسة قانون الانتخاب بالدرجة الأولى والحكومة تقرّ القانون ثم يصوّت عليه المجلس النيابي، متسائلة لماذا ربط قانون الانتخاب بتأليف الحكومة؟ وحذرت المصادر من وضع شروط مسبقة على الحريري وقذف الكرة الى ملعبه وإيحاء البعض بأننا تنازلنا عن الأشغال للمرده، بينما نعطل في مكانٍ آخر، فالقضية أبعد من حقيبة بل الهدف الاستمرار بشلّ البلد وهذه رسالة سلبية للعهد وليس الى رئيس الحكومة المكلف».
وإذ أكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ «الحريري أسرّ في مجالسه بأنه لا يحبّذ حكومة ثلاثينية يصبح فيها رئيساً مكبّلاً لا يقوى على الحركة ومحاصراً بتكتلات سياسية من أخصامه»، أشارت مصادر في التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى أن لا مشكلة لدى الرئيس ميشال عون بتوسيع الحكومة لتشمل كافة الأطراف وهو نادى بذلك منذ بداية التأليف وأبدى رغبته بحكومة وحدة وطنية»، ولفتت الى أنّ «حكومة الـ24 لا تتسع لكافة الأطراف ولا تلبّي قواعد حكومة وحدة وطنية» لافتة الى أنّ «التيار لن يتنازل عن أيّ حقيبة للكتائب وأنّ تنازله عن جزءٍ من حصته للقوات هو إحدى مفاعيل التفاهم بين الطرفين قبل الانتخابات الرئاسية»، وأوضحت أن «لا مانع بأن يأخذ الرئيس المكلف وزيرين مسيحيين لكن مقابل أن يأخذ الرئيس عون وزيرين من الطائفة السنية»، ورفضت المصادر وضع مهلة زمنية لتأليف الحكومة، مؤكدة أنّ كلّ الاحتمالات واردة بما فيها إرجاء ولادة الحكومة الى العام المقبل، ولفتت الى أنّ «القوات لم تبلغ الرئيس عون ولا التيار أيّ اعتراض على تغيير الصيغة ولا على توزير بعض الاشخاص بعد أن حسمت حصتها وتمثل المرده من حصة الرئيس بري».
وأكد الرئيس عون أنّ «لبنان دخل مرحلة نهضة حقيقية والمطلوب أن يساهم فيها الجميع من كلّ القطاعات». وشدّد عون على أهمية العمل العربي المشترك وصولاً الى سوق عربية مشتركة نظراً الى الانعكاسات الإيجابية لمثل هذه الخطوة على حياة الشعوب ومستقبلها وعلى الاستقرار العام في دولها».
وفد التيار في عين التينة
في غضون ذلك، اختتم وفد تكتل «التغيير والإصلاح» جولته على القوى السياسية بزيارة الى عين التينة لإطلاع الرئيس بري على نتائج جولته على القوى السياسية في ما خص إقرار قانون انتخابي جديد بحضور النائبين علي بزي وعضو كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض الذي أشار الى وحدة في المواقف ظهرت حول «النسبية الكاملة»، مشدّداً على ضرورة البحث في كيفية دفع «هذه الصيغة الى الأمام، داعياً الى التسريع في البحث في النظام الانتخابي الجديد لأنّ المهل بدأت تضيق».
وبحسب ما علمت «البناء» فإنّ جولة التيار أظهرت وجود قوى وازنة تؤيد النسبية الكاملة والنقاش سيدور في الكواليس على التوافق على تحديد الدوائر لإقناع الأطراف الأخرى». لكن مصادر عونية تخوّفت من أن تصل المفاوضات في النهاية الى حلّ وسط يرضي كافة الأطراف أيّ التوافق على قانون من القوانين المختلطة مع إجراء بعض التعديلات على الدوائر وعلى عدد النواب بين الأكثري والنسبي».