إرهاب ضدّ الإرهاب

آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي

ما هي استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في هذه المنطقة وفي هذه الظروف الراهنة؟ هل حقاً أن التحالف الدولي الذي تعدّ له هو لضرب «داعش» أم لأمور أخرى خافية؟ وهل الدوافع من وراء هذا الحشد الدولي والإقليمي تكمن في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه ووقف مصادر تمويله؟ أم أنّ ما وراء الأكَمَة ما وراءَها؟

في الحقيقة لسنا واثقين من أنّ أميركا يمكن أن تقوم بمهمة أخلاقية وإنسانية لإنقاذ العالم والمنطقة من مخاطر الإرهاب، خصوصاً أنها هي من صنعت هذا الإرهاب ومولته وأمدّته بكل أسباب القوة والاستمرارية، وهذه التنظيمات ما كان لها أن تكون أصلاً لولا الغطاء الأميركي الذي سمح لكل من السعودية وقطر وتركيا تزويد هذه الجماعات بالسلاح واستقدام آلاف المقاتلين المتطرفين من مختلف أنحاء العالم ليشرعوا بتقسيم البلاد وإشعال فتنة لا حدّ لها.

ثم ليس من المعلوم ما هي هذه الاستراتيجية، وما هي وسائلها، وكيف ستنفذ خططها، وما المدى الذي تريد أن تصل إليه؟

إننا نرى أنّ هذا التحالف الذي يكتنفه الغموض يهدف بالدرجة الأولى إلى عودة أميركا إلى المنطقة بعنوان الحامي هذه المرة لا الغازي. ستصور لنا أميركا أنها الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب وعلى الدفاع عنا في وجه الوحوش الكواسر.

وفي الوقت نفسه السيطرة الإستراتيجية على المنطقة وثرواتها بالتقسيم وتنظيم الفوضى في مناطق محددة، ثم الحفاظ على أمن «إسرائيل» وإعادة تعويمها كشريك للعرب في منطقة الشرق الأوسط على مستوى الأمن والسلم والاستقرار والاقتصاد.

إضافة إلى أننا نرى أن هذا التحالف يهدف إلى إخراج روسيا من المنطقة من خلال تضييق الخناق أكثر على سورية عبر تزويد المعارضة السورية المسلحة بالسلاح المباشر وشرعنة هذا السلاح بل وتأمين أرض هي السعودية لتدريب الجماعات المسلحة بشكل علني، ما يكشف أنّ هذا التحالف ليس غرضه القضاء على الإرهاب بقدر ما يهدف إلى محاصرة سورية وتهديد الدولة السورية مجدداً. وهذا يعني بالنتيجة إفقاد روسيا أي دور سياسي وأمني لها في المنطقة، والضغط عليها للقبول بتنازلات في أكثر من ملف.

والمسألة الأخرى التي تحمل خطورة حاسمة، أن هذا التحالف سيؤدي إلى تعميق التناقضات الإقليمية في المنطقة وإضافة تناقضات جديدة إلى ما هو موجود منها على الأرض وهو كثير. إنّ هذا التحالف سيدفع «إسرائيل» للعب دور أكبر على الساحة العربية، وسيؤدي إلى تقارب عربي «إسرائيلي»، بدأت بعض مؤشراته في الظهور علناً. كما أنّ لبنان الذي مارس سياسة النأي بالنفس سيكون متورطاً بالتزامات مفتوحة ومن ضمنها فتح أجوائه ومطاراته للطائرات الأميركية ونحو ذلك، الأمر الذي سيسبب له المزيد من المشاكل الداخلية إضافة إلى مشكلة أمنية معقدة مع سورية.

كما أن التحالف الذي حظي بتأييد عربي سريع سيجعل مشكلة داعش أكبر من مشكلة «إسرائيل». بل إن العرب سيغضون الطرف عن هذه المشكلة ويتوجهون للتحالف معها للحفاظ على ما تبقى من دولهم، ثم إنّ هذا التحالف قد يغيّر مساره من ضرب داعش إلى ضرب سورية وإيران وقوى المقاومة وإصابتها بأعمق الجراح والخسائر؟

فأين تكمن المصلحة اليوم في أن يكون العرب في ضمن هذا التحالف؟ ولماذا لا يصلحون أنفسهم ويعتمدون على قدراتهم لمحاربة الإرهاب وهم المصابون به أولاً وأخيراً بوجود العدو «الإسرائيلي» والعدو «الداعشي» بدلاً من الذهاب إلى حلف لا تحمد عقباه!

إذاً إرهاب ضد الإرهاب. من صنع الإله داعش يريد أن يأكله. وهنا سنشهد جولة من المصارعة الحرة بين الوحوش تستعمل فيها كل أسلحة القضاء على الخصم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى