السيف الدمشقي: السرّ الدمشقي صنّاعه لم يفشّوا سرّه ونصله لم يغدر بفرسانه
رانيا مشوح
السيف الدمشقي الذي حافظ على أصالته على مر العصور وعلى دمشقيته قروناً طويلة، فلا صناعه باحوا بسره ولا استطاعت الحضارات أن تكشف سره المكنون، ولكن بعد مرور آلاف السنين عُرف سبب تسميته بـ»سيف الآلهة»، إذ تقول الأسطورة السورية إن الإله «حُدد» كان يرسل إلى الدمشقيين برقاً يضرب قاسيون فيترك في ترابه آثاراً، هي عبارة عن تترات حديدية، فيخرج السيوفيون ليستخرجوها من ترابه وليبدأوا أولى خطوات صناعة هذا السيف الخالد بطعناته النافذة، وسره الأبدي إذ إن تترات الحديد التي يتركها البرق في تراب الجبل كانت تُشكل العنصر الأول في صناعة هذا السيف، فتجبل بمزيج لا يعرفه إلا شيخ الكار والمؤتمنون على السر، فيجبلون تلك العناصر مع بعضها بعضاً حتى تخرج العجينة التي يشكل منها السيف، فتوضع في الأتون حتى تنال منها النار فتصبح مطواعة ليدي الصانع، وبعدها يدّق ذلك الحديد حتى يرق ويتخذ الشكل المطلوب ومن ثم يلمّع وتنقش عليه كلمات مناجاة للإله حُدد كالصلاة التي تقول: «حُدد لم يخسر حربه كل من حمل سيفك». وأخرى تقول: «إله الحرب أعِنّا ليفتك سيفك بالأعداء». وبعد دخول الإسلام إلى دمشق صارت الآيات القرآنية تنقش على السيف.
سيف حُدد… حيّرت أصالته الأعداء في رحلة سعيهم إلى تقليده
يختلف السيف الدمشقي عن باقي السيوف. ففي حين عُرفت السيوف بعرضها الذي يتجاوز كف الرجل ووزنها الثقيل الذي يعجر الرجال الأشاوس الأشداء عن حمله، كان السيف الدمشقي يتميز برشاقته وخفة وزنه التي لطالما خدعت الأعداء، وجعلتهم غير متيقظين لمضائه، فتهاون كثير منهم في تفادي ضربات سيف حُدد ظناً منهم أنها لن تكون ذات أثر على دروعهم الحديدية الثقيلة، من دون أن يدركون فداحة خطأهم هذا، إلا حينما يشق السيف دروعهم ليشق صدورهم أو يقطع رؤوسهم فيدركون متأخرين أنهم استخفوا بأعجوبة تاريخية.
حيّرت صناعة السيف الدمشقي صنّاع السيوف في أوروبا، إذ حاولوا على مر العصور جاهدين اكتشاف كيف يصنع وما هي المواد الداخلة في صناعته، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل وظل السر مقتصراً على سيوفيي دمشق وفي الحملة الصليبية على بلاد الشام اعتكفت مجموعة من أمهر صنّاع السيف الدمشقي ليستخدمها أهل المدينة من مسلمين ومسيحيين جنباً إلى جنب في دفاعهم عن دمشق ضد الحملة الصليبية على المشرق، وكان لتلك السيوف أثر السحر فجعلت الصليبيين يرتعدون خوفاً من هذا السلاح الصغير الحجم ذي المفعول القاتل، وأكثر ما حيّرهم أنه ليس كباقي السيوف التي ترتطم بالدروع الغليظة فتنكسر إن لم تنجح بشقها، وإنما كان يلتوي كجسد الأفعى ويعود إلى حالته السابقة من دون أن ينكسر، وأرسل الصليبيون بعدها مئات الجواسيس بهيئة مستشرقين وراغبين في تعلم المهنة لعلهم يصلون إلى مبتغاهم في معرفة سر السيف، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل. ولم تكن حال السلطان العثماني أفضل فعندما سمع السلطان عن صلابة وقوة وسحر هذا السيف أرسل جنوده لاعتقال السيوفيين السوريين الذين يقطنون في الآستانة آنذاك والذين رفضوا سابقاً تعليم الأتراك صناعة السيف الدمشقي، لكن السيوفيين استطاعوا الفرار قبل وصول جيش السلطان وأتلفوا كل ما يخص سر صناعة السيف قبل رحيلهم.
سيفٌ لم يعرف الهزائم في أي حربٍ خاضها، قرونٌ طويلة لم يخذل هذا السيف فرسانه ولا صناعه خانوا سره، وبعد آلاف المعارك عاد السيف إلى غمده بسلام ليرتاح بعد قرونٍ قضاها بالانتصارات والأمجاد إلى حضن دمشق وغرس عزته على أرضها. ظل هذا السيف سراً منذ أن أهداه الإله حُدد إلى بني البشر حتى هذا الوقت فلا صناعه فرطوا بسره ولا النصل خان أصحابه.