أوكرانيا: بعد وقف إطلاق النار هل أصبحت الفيديرالية أمراً واقعاً؟
حميدي العبدالله
منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا، بعد تدبير الحكومات الغربية لانقلاب شعبي مخابراتي على الحكومة الموالية لروسيا، طرحت روسيا حلاً للأزمة الأوكرانية، قائماً على الفيدرالية. طبعاً لا يشمل هذا الاقتراح جزيرة القرم التي استعادت روسيا سيادتها عليها بعد أن تخلت عنها في مطلع عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
لكن حكومة كييف، المدعومة من الحكومات الغربية، رفضت الاقتراح الروسي، الأمر الذي أغلق الباب أمام الحلول السياسية السلمية للأزمة، ودفع البلاد نحو الحرب الأهلية التي كبّدت الطرفين خسائر بشرية واقتصادية هائلة.
اليوم بعد كلّ هذه الخسائر الهائلة يبدو أنّ كييف والحكومات الغربية أذعنت للشروط الروسية، إذ أنّ منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، أعلنت أنّ اتفاق وقف الإطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه في القمة التي جمعت الرئيس الروسي مع الرئيس الأوكراني، تضمّن وضعاً خاصاً للمقاطعات الواقعة في جنوب وشرق أوكرانيا.
والمقصود بالوضع الخاص، هو الفيدرالية بعينها حتى وإنْ لم تسمِّ المنظمة هذا الوضع الخاص بالاسم، لأنه دون تكريس الواقع الفيدرالي بصيغ دستورية مفاوضات طويلة، وربما جولات جديدة من العنف، وحاجة موسكو إلى مزيد من الوقت لإقناع قادة المقاطعات الشرقية والجنوبية بالفيدرالية بديلاً عن الانفصال الكامل، لأنه من المعروف أنّ هذه المقاطعات أعلنت انفصالها عن أوكرانيا وتشكيل جمهوريات منفصلة، لكن مجرّد أن توافق كييف والدول الغربية على الاقتراح الروسي ووضعه ضمن الأسس السياسية لقرار وقف إطلاق النار، فهذا يعني أمرين على جانب كبير من الأهمية بالنسبة إلى روسيا، وحتى إلى المؤيدين لها في المقاطعات الشرقية والجنوبية:
ـ الأمر الأول، انتصار وجهة نظر روسيا وتغلّبها على رؤية الحكومات الغربية وحكومة كييف. فالدولة الفيدرالية تكرّس على الأقلّ وضعية أوكرانيا كدولة محايدة في الصراع بين روسيا والغرب، وهذا ما تضمّنه مشروع قانون صوّت عليه البرلمان الأوكراني في شهر حزيران 2010 بعد فوز «فيكتور يانكوفيتش» في الانتخابات، يؤكد وضع «عدم الانحياز» من جانب الدولة الأوكرانية. وهذه الصفة تحافظ على تجاور النفوذين الغربي والروسي بضمانات يصعب الانقلاب عليها، فالنفوذ الغربي مؤمّن من خلال الأقاليم الواقعة في غرب أوكرانيا، والنفوذ الروسي مؤمّن في الأقاليم الشرقية والجنوبية، وبالتالي سيكون من الصعب، بل من المستحيل انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أو حلف «الناتو»، أو حتى التعاون مع الحكومات الغربية خارج الحدود التي توافق علها روسيا.
ـ الأمر الثاني، فشل خطط الغرب في صدّ تمدّد روسيا وسعيها إلى استعادة نفوذها التاريخي في مجالها الحيوي، والحصيلة التي انتهت إليها المواجهة التي افتعلها الغرب لم تكن في مصلحته، وكانت أدنى مما تبقى له من نفوذ إثر اندلاع الأزمة الجورجية عام 2008، والأرجح أنّ هذه النتيجة التي تشكل نجاحاَ لاستراتيجية الرئيس بوتين، سوف تدفع روسيا على المدى المتوسط نحو استعادة المزيد من النفوذ الذي خسرته في عقد التسعينيات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، في أوروبا الشرقية، وفي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.