موسكو: لائحة مخابرات إقليمية دولية متّهمة… ونجاح التنسيق الثلاثي هو الردّ الحكومة لبيان وزاري مقتضب للانتخابات والباقي يُستوحى من خطاب القسم

كتب المحرّر السياسي

واجهت العلاقة الروسية التركية، ومن ورائها الاجتماع الروسي التركي الإيراني لغماً مفخخاً لتفجيرها عبر حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف على يد أحد عناصر الشرطة الذي أدلى بخطاب يُوحي بانضمامه لإحدى الجماعات الإرهابية المتطرفة، وتصفيته على يد زملائه من عناصر الشرطة المكلفين حماية المناسبة التي كان السفير الروسي يشارك فيها بكلمة، استهدفته رصاصات القاتل المرتاح لوضعه وتحركه أثناء تنفيذ القتل بينما السفير يهمّ بإلقاء كلمته.

تنفيذ العملية غداة وضع تفاهم موسكو وأنقرة الخاص بتزامن إخلاء مسلحي الأحياء الشرقية في حلب والمحاصرين في الفوعة وكفريا وتجاهل الرسائل النارية الاحتجاجية على الاتفاق، والإصرار على المضيّ في اللقاء الثلاثي الروسي التركي الإيراني، الذي جاءت العملية عشية انعقاده ذات مغزى، خصوصاً مع رفع مستوى الاجتماع ليصير اجتماعاً مزدوجاً لوزراء الخارجية والدفاع في الدول الثلاث التي قرّرت العمل معاً، في سورية بعد معارك حلب الأخيرة وسقوط مشروع التعاون التركي مع جبهة النصرة، كما ظهر من التفاهم الخاص بحلب، وما رافقه من إدماج فوري للمسلحين العاملين بالرعاية التركية بوحدات درع الفرات المكرّسة لقتال داعش، تمهيداً لمسار سياسي قال الروس والأتراك إنه سيشهد الولادة في أستانة عاصمة كازاخستان، بعيداً عن رعاية الأمم المتحدة وبعناوين للمعارضة تختلف عن تلك التي شاركت في جنيف، ما تسبّب بغضب سعودي عبّرت عنه وسائل الإعلام المموّلة والمشغّلة من الرياض التي بدأت مع اتفاق حلب، توجه الاتهامات لتركيا بالتخلي عن المعارضة وبيعها للروس.

موسكو التي بدت في غضب بارد الأعصاب، وفقاً لما تضمّنته الكلمات التي قالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدعوته لتعاون تركي روسي في التحقيق وتوصيفه للعملية كاستهداف للعلاقات المتنامية بين البلدين، وتمسكه بالتعاون الروسي التركي في سورية واعتبار العملية محاولة نسف لعملية السلام المقبلة في سورية، لم تتجاهل الرسالة التي حملها الاغتيال ولم تدِر الظهر لمهام العمل التحقيقي الذي قالت مصادر روسية إعلامية متابعة في موسكو، لـ «البناء» إنه يقوم على تكوين لائحة قصيرة من أجهزة استخبارات محترفة إقليمية ودولية يستحيل قيام ما هو دون مستواها احترافياً بتنفيذ العملية وتجنيد المنفذ أو المنفذين، والسعي لوضع لائحة طلبات معلوماتية من الجانب الاستخباري التركي تتصل بكلّ مَن كان موجوداً في مسرح الجريمة ومعنياً به أو على اطلاع بموعده وطبيعته، خصوصاً داتا الاتصالات الخاصة بعناصر مفارز الشرطة المعنية بصورة مباشرة وغير مباشرة بالمناسبة، ليتمّ تحليلها في مختبرات المعلوماتية والاتصالات العالية الدقة التي تملكها روسيا والخبرة التي يختزنها رجال المخابرات الروسية في التعامل مع هذا النوع من المهام، واللائحة التي تضمّ متهمين إقليمين ودوليين نابعة من تحليل سياسي استخباري للجهات صاحبة المصلحة لتخريب التعاون الروسي التركي الإيراني في سورية.

في المقابل، قالت المصادر إنّ السعي لتزخيم الاجتماع الثلاثي بقوة دماء السفير الذي سقط على مذبح هذا الاجتماع سيكون في مقدمة الكلمة الافتتاحية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاجتماع اليوم، انطلاقاً من يقين روسي بأنّ الردّ على القتلة يبدأ من النجاح في المهمة التي استُهدف السفير لإفشالها.

لبنانياً، تستعدّ الحكومة الجديدة بعد الصورة التذكارية غداً لجلسة يُنتظر أن تخرج بتشكيل لجنة لوضع بيانها الوزاري، الذي قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إنّ تفاهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري تمّ على ضرورة إنجازه خلال أسبوع إلى عشرة أيام، ليتسنّى نيل الثقة للحكومة مطلع الشهر الأول من العام الجديد على أن تنجز مشروعها لقانون الانتخاب خلال الشهر الأول ويجري إقراره قبل منتصف الشهر الثاني العام المقبل تمهيداً لانطلاق عجلة التحرك نحو الآليات المتمّمة للسير في العملية الانتخابية، وفقاً للمهل القانونية التي قد يلحقها بعض التعديل في القانون نفسه، إذا استدعى الأمر ذلك، بما في ذلك فرضية تحديد نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في مطلع أيلول المقبل بدلاً من 20 حزيران.

البيان الوزاري وفقاً للمصادر سيكون مقتضباً قليل الوعود نظراً لقصر عمر الحكومة وطبيعة مهمتها كحكومة انتخابات، وينحصر أغلبه بالتركيز على إنجاز قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية ويحقق صحة التمثيل، كما ورد في كلمة رئيس الحكومة بعد صدور مرسوم الحكومة الجديدة، وفي ما تبقّى سيستلهم البيان الفقرات السياسية الإشكالية من خطاب القسم تفادياً لسجالات يصعب التفاهم حولها كمثل العلاقة اللبنانية السورية وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وسلاح المقاومة ومستقبله واستراتيجية وطنية للدفاع.. وسواها من القضايا التي يعرف المشاركون في الحكومة أنهم يقفون على طرفَيْ نقيض منها.

صورة تذكارية وجلسة اختبار النيات

يعود بعض الوزراء الجدد اليوم الى لبنان الذين صودف وجودهم في الخارج أثناء صدور مراسيم التأليف، لتأخذ أولى حكومات العهد غداً الصورة التذكارية في قصر بعبدا بحضور الرؤساء الثلاثة تليها جلسة لمجلس الوزراء قد تشكل اختباراً للنيات والمواقف وعينة عن مدى الانسجام السياسي في تجربة حكومة الوحدة الوطنية بدءاً بكيفية مقاربة البيان الوزاري، في ظل الانقسام الحاد بين فريقي 8 و14 آذار حيال سلاح المقاومة وقتال حزب الله في سورية.

ومن المرتقب أن يكلّف مجلس الوزراء في جلسته المقررة الأربعاء المقبل لجنة لصياغة البيان الوزاري للحكومة العتيدة مؤلفة من رئيس الحكومة سعد الحريري ونائبه غسان حاصباني والوزراء علي حسن خليل ومحمد فنيش وجبران باسيل ومروان حمادة ومن المرجح أن يكون البيان مقتضباً ولن يأخذ جدلاً واسعاً ووقتاً طويلاً لصياغته بل من وحي خطاب القسم.

واستبعدت مصادر في 8 آذار «أي خلاف حول البيان الوزاري للحكومة العتيدة، ولو مارس حزب القوات الضغوط لعدم ذكر المقاومة وحقها في تحرير الأراضي المحتلة لا من قريب ولا من بعيد»، ورجحت لـ«البناء» أن يكون «الحد الأدنى البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام ومضمون خطاب قَسَم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا سيما أن الخلاف في البيان الوزاري سيكون على صيغة الجيش والشعب والمقاومة، ولا أحد سيلتفت الى ما سيتضمنه من تنمية وإصلاح وأمور أخرى ولا أحد سيحاسب الآخر في حكومة عمرها أشهراً قليلة». وتوقعت المصادر أن «يضع رئيس الحكومة حداً لأي محاولة قواتية لاستفزاز فريق المقاومة لأن لا مصلحة للحريري بفتح مشكلة مع المقاومة حول البيان الوزاري». وأضافت: «صحيح، أن الحكومة هي حكومة انتخابات لكن كل طرف فيها سيعمل على أنها باقية إذ لا أحد يضمن أن تحصل انتخابات نيابية في موعدها، وإن حصلت فقد يتمّ التجديد للتركيبة الحكومية الحالية مع بعض التعديلات بمعنى أن العقد التي أخّرت ولادة الحكومة تنتفي في حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، لاعتبار المصادر أن هناك صعوبة في الاتفاق على قانون انتخاب جديد، وبالتالي نتائج الانتخابات لن تتغيّر كثيراً».

وفي غضون ذلك، تعقد مساء اليوم جولة جديدة من الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة للبحث في ملفات الساعة المستجدّة، ومن بينها البيان الوزاري للحكومة الجديدة وقانون الانتخاب.

وبعد أن وضعت حرب التأليف أوزارها، تنصرّف القوى السياسية كافة لاستجماع ما تملك من أسلحة ثقيلة لخوض معركة قانون الانتخاب والانتخابات النيابية المقبلة التي سترسم معالم التوازنات التمثيلية والسياسية، وفقاً لطبيعة القانون الجديد.

وليس بعيداً عن قانون الانتخاب، تتابع القوى الرئيسية لصناعة القرار الحكومي التمعّن واستنباط موازين القوى في مجلس الوزراء، ولأي فريق رجحان الكفة في الملفات المفصلية، فعلى صعيد الانقسام التقليدي فقد تمكنت 8 آذار من استبعاد إسناد قواتي وزارة الدفاع الوطني ذات الحساسية الأمنية والسياسية ونجحت في لملمة صفوفها والحؤول دون انسحاب الخلافات حول الملف الرئاسي على تمثيلها وتماسكها في التشكيلة الحكومية عبر دخول كافة أطيافها بتكتل من 9 وزراء مع قطف الثلث الضامن مع الوزيرين يعقوب الصراف وسليم جريصاتي وقدرة على تأمين حشد وزاري واسع عند الحاجة يصل الى 17 وزيراً، بإضافة ثمانية وزراء لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ ما فوّت على الرئيس الحريري الإمساك بناصية القرار الحكومي بمفرده، ولو أنه حصل على 7 وزراء، حيث فشل أيضاً في إعادة اللحمة الى 14 آذار بعد تخلّيه عن تمثيل حزب الكتائب الذي أعلن رئيسه النائب سامي الجميل الانتقال الى ضفة المعارضة.

هل شارك الحريري بإقصاء الكتائب؟

واعتبر وزير الاقتصاد السابق ألان حكيم في ردّه على سؤال لـ«البناء» حول كلام الحريري أنه حاول جاهداً إشراك الكتائب بحقيبة وزارية في الحكومة قائلاً: «مَن حاول جاهداً كان بإمكانه أن يعطي حقيبة وزارية لحزب الكتائب، وإذا لم يحاول فهذا موضوع آخر، فالكتائب يقف ضد مقولة وزارات سيادية وخدمية وثانوية، لكن هناك مبدأ الإنصاف والتوازن بين الأفرقاء السياسيين، فعندما نعطي حقيبة لنائب واحد في المجلس النيابي ويتم التغاضي عن الكتائب الذي يملك خمسة نواب وينتشر على الأراضي اللبنانية كافة، فهذا أمر غير مقبول وغير طبيعي، وبالتالي ما حصل يؤكد أن هناك مَن بذل جهداً لعدم مشاركتنا في الحكومة».

وعن الفيتو القواتي على مشاركة الكتائب أشار حكيم الى أنه «في لبنان لا يمكن لفريق واحد أن يضع فيتو، وإذا كان هذا الكلام صحيحاً، فمعنى ذلك أن هناك فريقاً آخر الحريري ساعد في عدم مشاركتنا»، وأضاف: «نحن لم نرفض وزارة دولة، لأنها أقل من وزارة أخرى بل تحدثنا من منطلق الحجم والمبدأ والتمثيل النيابي والثقل الاجتماعي والسياسي ولم ندخل في بازار المطالبة بالوزارات، وندرك أن هناك فريقاً كان يطالب ومصرّ على تمثيلنا هو رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر».

وحول مشاركة الكتائب في إقرار قانون الانتخاب في ظل غيابهم عن الحكومة، أكد حكيم أن «القانون الانتخابي يقرر خارج الحكومة بين المكونات السياسية وفي اللجنة النيابية ونحن موجودون في المجلس واللجنة معاً».

عون: سأسهر كي تعمل الحكومة كفريقٍ منسجم

وأبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ارتياحه الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مشيراً الى أن «لا وقت لإضاعته ولا سيما أن اللبنانيين يتوقون الى أن تعمل الحكومة بفاعلية ترتقي الى مستوى توقعاتهم». وأكد أنه سيسهر «كي يعمل مجلس الوزراء كفريق عمل منسجم ومتضامن، خصوصاً أنه يضمّ معظم الكتل والأحزاب السياسية في البلاد».

وأضاف عون أمام زواره اليوم في قصر بعبدا: «صحيح أن مهمة الحكومة الحالية إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، ولكن هذا لا يعني تراخيها في متابعة الأمور الحياتية الملحة وتسيير شؤون المواطنين، ولا سيما منها استكمال تنفيذ المشاريع الإنمائية المجمّدة، وتفعيل عملية الاستفادة من الثروة النفطية والغازية، ومكافحة الفساد، اضافة إلى واجب السهر على مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية».

وأكد وزير العدل سليم جريصاتي أن «التركيز في العمل سيكون على تحرير القضاء من التبعية السياسية وأن تكون الأجهزة الرقابية القضائية فاعلة». وفي حديث تلفزيوني، أشار جريصاتي الى أن «الرئيس ميشال عون حرص بإعطائه تعليمات مباشرة بأن كل قاضٍ يتعرّض لضغط سياسي أو مراجعة سياسية سيكون لديه ملاذ متفهم لدى عون». وأضاف جريصاتي: «تلقيت اتصالاً من وزير العدل المستقيل أشرف ريفي طالباً تحديد موعد للتسلم والتسليم، فأبلغته أن استقالته أصبحت نافذة يوم أودعها في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ولا يمكن استلام وزارة من وزير مستقيل».

استحداث وزارات لمهمات غير معروفة

وتؤكد مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» أن «مبدأ استحداث وزارات لحكومة عمرها 5 أشهر يعني أمراً غير مشجّع»، وتشير الى أنه حتى الساعة غير معروفة المهمة التي ستوكل لهذه الوزارات المستحدثة وطريقة تمويلها بمعزلٍ عن الحكومة لا سيما وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين»، وتساءلت: هل يستطيع الوزير المعني في هذه الوزارة أن يأخذ قراراً بمعزل عن الحكومة في ما يتعلق بملف النازحين؟ خاصة أن تركيبة الحكومة 17 وزيراً لـ 8 آذار و13 لـ 14 آذار ويمكن أن تصبح 19 لـ 8 آذار و11 لـ14 إذا ما انتقل النائب وليد جنبلاط الى الضفة المقابلة كلياً».

وتوضح المصادر أن «إعطاء هذه الوزارة لتيار المستقبل للتواصل مع النازحين السوريين في لبنان يستكمل مهمة النائب عقاب صقر الذي كان يوزّع المال عندما كان متوفراً، أما اليوم فستكون مهمة هذا الوزير مجرد إطلاق الوعود كنوعٍ من شيكات من دون رصيد. وهذا يشكل بروباغندا شعبية في الشمال السني المتحمس للنازحين السوريين ولغايات شعبية انتخابية، فضلاً عن أن هذا الوزير المستقبلي لن يتواصل مع المعنيين في سورية وما يعني استمرار أزمة النازحين».

وقال وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي لـ«البناء» إن «العمل الحكومي سهل وصعب في الوقت نفسه وإذا تعاونت المكونات الحكومية في ما بينها وتعاطت بطريقة إيجابية لمصلحة لبنان، فمن المتوقع أن تحل الكثير من الأمور والأزمات في البلد من بينها أزمة النازحين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى