الحدث الترامبي… بين آمال الناخب الأميركيّ والتحدّيات الخارجية

ليلى زيدان عبد الخالق

في كتابه «حقيقة الكذب في السياسة الدولية»، يختم المفكّر جون ميرشايمر، الفصل الخامس بالتأكيد على فكرة مفادها أنّ «القيادات التي تقوم على ديمقراطيات هي الأكثر ميلاً إلى الكذب على شعوبها، وتحديداً في السياسة الخارجية، حيث يولي عدد من السياسيين الواقعيين ـ في الغالب ـ قيمة كبيرة للأكاذيب، وذلك لما لها من قدرة هائلة على الحفاظ على عدد من المصالح الوطنية». لذا، فمن المحتمل أن تستمرّ إدارة الولايات المتحدة، وكذلك الدول الكبرى في انتهاج سياسة الكذب في خطابها وادّعاء الخوف الذي سيميّز خطاب أمنها القومي.

الكذب في السياسة قاعدة قلّما تخلّى عنها قادة الدول، خصوصاً الكبرى، ولعلّ المثال الأبرز على صحة ما نقوله، سياسة الولايات المتحدة الأميركية في الكذب السياسي الذي تلجأ إليه بعيداً عن المبرّرات الحقيقية، حتى لو كان ذلك يطاول المصالح الأميركية ذاتها. فكثيراً ما تطالعنا هذه التناقضات بين سطور مواقف سياسات الولايات المتحدة تجاه مصلحة دولة معيّنة أو حيال قضية ما، حتّى لو كانت المصلحة الأميركية تقتضي عكس ذلك تماماً. ولا ينحصر هذا الواقع فقط، بالسياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة حيال الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» وانحيازها الواضح لما فيه خير اللوبي «الإسرائيلي» ومراعاة نفوذه وقدرته على الترويج داخل البيت الأبيض أو في الكونغرس الأميركي. كما أنه لا ينتهي بدعم بعض المواقف في الداخل الخاص للدول الأخرى في المنطقة منذ عام 2011، وتحديداً تلك التي نخرها سوس «الربيع العربي»، من دون أن نستثني ـ بالطبع ـ لبنان والعراق. وفي ما خصّ وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية، فنرى أن أجواء مختلفة رافقت وصوله إلى هذا المنصب أُخذ الناس بهذا الحدث، وانقسموا حياله عمودياً بين مؤيّد ومعارض. البعض استقبله بفتور، أو ناظراً إليه باعتباره جنازة لا بل زلزالاً، كالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي توقّع دخول العالم في مرحلة من الغموض عقب هذه الانتخابات، فيما رحّب به آخرون، كالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وكذلك بعض زعماء اليمين المتطرّف في دول أوروبية عدّة، مثل ماري لوبان، المتوقّع وصولها إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، وغيرها ممّن ينظرون إلى هذا النجاح بوصفه حالة تجتاح العالم، ألا وهو «اليمين» المتطرف.

لكن ماذا عن سمات شخصية هذا الرئيس الذي اختارته مجلة «تايم» الأميركية ليكون شخصية عام 2016؟ يؤكّد محلّلون وباحثون كثيرون في علم نفس الشخصية، تمتّع ترامب بِسِمَتين شخصيتين على غاية من الخطورة والأهمية، ألا وهما: تضخّم الأنا، والتعصّب أو الحكم المسبق. والأكثر خطورة أنّ هاتين السمتين تجتمعان في شخصية من يصرّ على تحقيق شعار: «إعادة العَظَمة إلى أميركا مجدّداً»، ما يجعل العالم برمّته واقعاً بين خيارين: إما إطاحة سمات شخصية ترامب به هو، أو أن يطيح هو بالعالم بما ملكت يمناه من جنون وتطرّف. أما زوجته ميلانيا ترامب، فعلى رغم اتهام البعض لها بأنها خجولة وغير قادرة على الحديث أمام الناس، فيبدو أنها ليست كذلك، خصوصاً بعد تصريحاتها الصادمة حول حياتها الجنسية الصاخبة مع زوجها، وبعد ظهورها السابق على غلاف إحدى مجلات الشباب بصوَرِها الجريئة للغاية.

وفي معرض استشراف تداعيات هذا الفوز المفاجئ لترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وتجلّيات انعكاساته على الشرق الأوسط وأوروبا والعالم، فإنه من المتوقع أن يواجه العالم أزمات مالية واقتصادية قد لا يكون خبِر التاريخ الحديث لها مثيل فها هي الدول الأوروبية تجتاز أحلك فترة في تاريخها، منذ ما يزيد على ستّين سنة. فبعد انتخاب ترامب وبدء تنفيذه سلسلةَ سياساته المُعلنة خلال حملته الانتخابية، وبعد قرار انسحاب بريطانيا من الوحدة الأوروبية، وفي حال انتخاب ماري لوبان رئيسة لفرنسا، وإمكانية خسارة ميركل قيادة ألمانيا، واحتمال أن تأتي نتائج استفتاء إيطاليا مخيّبة لتوجّهات رئيس وزرائها، فضلاً عن إمكانية خسارة اليورو لنسبة إضافية من سعر صرفه، سيتحتّم علينا أن ننعيَ ما اصطلِح على تسميته بـ«الاتحاد الأوروبي». وسيُلزَم الأوروبيون حينذاك بالعمل مع رئيس مبتدئ في السياسة الخارجية، التي تتضمّن ملفّات شديدة الحساسية مثل النزاع في سورية أو النزاع في أوكرانيا وحتى التغيّر المناخي، إلى جانب تأكيد ترامب عزمه خفض التمويل لحلف شمال الأطلسي فضلاً عن التحدّيات الكبرى للملفات الشائكة التي تنتظر المعالجة والبتّ في تفاصيلها في أروقة المكتب الأبيض، مثل التعامل مع أزمة الهجرة، والتهديد المتزايد المتمثل بتعزيز التواجد الروسي على الخاصرة الشرقية، حيث يخشى المراقبون توالي الأزمات والصدمات بسبب الانعكاسات الاقتصادية اللامتناهية لأزمة القروض في منطقة اليورو، ثمّ صدمة «بريكست».

وقد وجدت هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ينوء العالم تحت ثقلها، تعبيراتها في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا. ثمّ في وتيرة العنف التي لم يسبق لها مثيل في أوروبا، وتحديداً في فرنسا وبلجيكا، بعد سلسلة عمليات إرهابية منسّقة شملت عمليات إطلاق نار جماعيّ وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن، ما لقيَ انعكاساً مباشراً لدى الأميركيين، وألهب ذاكرتهم وأنعش توجساتهم وأجبرتها على استدعاء أحداث 11 أيلول وأخرجتها من النسيان… فهل ستكون أميركا عرضةً الآن، وأكثر من أيّ وقت مضى، لاستقبال الإرهاب الذي قد يكون في طريقه إليها من الجهة الأوروبية؟

قرارت شنّ الحرب

ولّد، ما سبق ذكره، اتجاهات فكرية متعدّدة، طرحت الكثير من المتغيرات، التي فرضت نفسها في إطار الظواهر المحيطة مضفيةً نكهتها الخاصة. فلو عدنا إلى ترامب كجمهوريّ، فإن التاريخ يذكر أن أسلافه هم الأكثر ميلاً إلى التدخّلات العسكرية وقرارت شنّ الحرب، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة مع كلّ من رونالد ريغان وجورج بوش الأب وجورج بوش الإبن. ويُرجع المُحلّلون الأمر، إلى هيمنة تيار المحافظين الجُدد على أفكار الحزب في الوقت الحالي، ما يدفع بالإدارات الجمهورية الحاكمة للسعي إلى فرض الهيمنة الأميركية عن طريق استعراض القوة العسكرية. والثابت من قراءة التاريخ الأميركي، بعيداً عن ميل الجمهوريين في العقود الأخيرة إلى إشعال فتيل الحروب بشكل كبير أن كل رئيس أميركي يترك بصمة في كتاب الرؤساء، من خلال مغامرة عسكرية أو عبر حرب تطبع تاريخه في البيت الأبيض، وذلك منذ حكم وودرو ويلسون في العقد الثاني من القرن العشرين، وصوغه المبادئ التي لا تلبّي أيّاً منها عدم الشرعية التي تعمل بها المنظمات الإرهابية في الوقت الراهن في المنطقة والعالم، إلى باراك أوباما في مستهلّ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، الذي شنّ ضربات عسكرية في مختلف الدول، سواء تلك التي خلّفها سابقوه، في أفغانستان والعراق وباكستان، أو ضربات جديدة في ليبيا وسورية، وأخيراً وليس آخراً، الحرب الحديثة المُعلنة ضدّ إرهاب «داعش».

وفي الواقع، فإنه ما من خلافات جوهرية بين ترامب وغيره ممّن سبقوه، ويجب ألا نعقد آمالاً على أوهام بأنه يمكن لهذا الرئيس، أن يقدّم لنا جديداً مختلفاً، أسوةً لما توقعناه من سلفه أوباما.

فترامب يجسّد أميركا بكامل عريها ترامب هو أميركا التي خلعت ثوبها الأنيق المنمّق، ويتميز أيضاً بوصفه «جرّاحاً»، يحاول اجتثاث الورم واستئصاله بلا رحمة ومن دون مخدّر إنه شخصٌ لا يرحم. ومعروفٌ عنه خبثه، فهو استطاع الإمساك باللحظة التاريخية بما أُتيح له من قوة، إذ إنّ الشعبوية التي عرفها، لم تكن سوى صدى لشعب موجوع مقهور يئنّ ويعاني الظلم، فبدا في توجّهاته كأنه يرشيهم، بعد أن تملّكتهم حالة تشبه الملل والتذمّر من النخبة الحاكمة، والانفصام الذي تعانيه، وجلوسها في قصرها العاجي بعيداً عن متطلبات واحتياجات هذا الشعب وهمومه، ومشاكله، وطموحاته… فكان أن انحاز هذا الشعب إلى ذلك الآتي من خلفية بعيدة عن السياسة، واعداً بتقديم كلّ جديد في مؤسسة الحكم، فقرّر منحه صوته وثقته كذلك. فكانت هذه المسائل نواة استقطاب اهتمامهم، إذ خاطب فيهم الغريزة ولعب على وتر القلق والتردّد والوجدان العميق، واجههم بحقيقة التفسّخ والتصدّع الذي يعاني منه المجتمع الأميركي، فأيّده حتى أولئك ـ غير الجمهوريين ـ الذين لم يفكّروا يوماً، أو حتى يحلموا بتأييده من مختلف الشرائح الاجتماعية.

وإضافة إلى ذلك، فقد نجح ترامب، في لملمة كلّ القوى الأميركية من حوله، تلك القوى التي أُحبط الكثير من مشاريعها السياسية. فمن يكره السود لم يتمكّن من ممارسة عنصريته ضدّ «أصحاب الجلود الداكنة» ـ على حدّ تعبيره ـ كما يحلو له ويرتجي، فأتى هو بخطاباته وتوجهاته ليوقظ العنصرية من سباتها العميق. هذا فضلاً عن تشريحه مشكلات البطالة، وإلقاء الوعود لاجتثاثها، وتفصيله لكيفية معالجة الإرهاب العالمي والسعي بكامل قوته إلى القضاء عليه، فضلاً عن تعبيره السافر عن كرهه النساء واحتقاره لهنّ.

لكن، ماذا عن سياسته المتوقعة تجاه الشرق الأوسط؟ هل سيغيّر سياسة أسلافه سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين الذين يضعون دوماً أمن «إسرائيل» في سلّم أولوياتهم، ويحرصون على ضمان خدمة مصالحها في المنطقة، وذلك منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية؟

يشدّد ترامب في خطابه السياسي على أهمية القضاء على الإرهاب، واحتواء الإسلام السياسي الذي يعتبره من أهم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية، لكن اللافت في تصريحاته الأخيرة، إعلان رغبته في الحفاظ على استقرار منطقة الشرق الأوسط، ومنع حدوث تغييرات جذريّة فيها، ورفض قيام دول أو كيانات جديدة في هذه المنطقة، كونها تخالف مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عنه الإدارات الأميركية السابقة، لا بل عملت على تنفيذه.

فأن تكون سورية نظاماً لم يلبَّ طموحات شعبه ديمقراطياً واجتماعياً، لا ينفي أن واقع استهدافه من قبل أبشع قوى ديكتاتورية ظلامية، كان نفسه موضوع تساؤل، ويأتي ترامب الآن ليضع الموقف الأميركي نفسه في موضع الانكشاف الحقيقي، فإذا كانت أميركا تريد فعلاً مواجهة الدكتاتورية والإرهاب، لن تجد أمامها من خيار سوى الذهاب لاستئصال هذا الإرهاب المتمثل بـ«داعش» ومثيلاته ولا شيء آخر.

ومن هنا، يأتي تأكيد الرئيس القادم عزمه القضاء على «داعش» وبشكل نهائي وسريع، مستعيناً بالدور العسكري لروسيا في سورية فضلاً عن استغلال دور نظام الأسد في محاربة «داعش»، والتركيز على ضرورة مشاركة الحلفاء الأوروبيين في هذه الحرب خصوصاً أن الدول الأوروبية هي الأكثر عرضةً للهجمات الإرهابية، وهي التي يتوجّب عليها بذل الجهود والأموال والإمكانيات العسكرية للتخلّص من خطر «داعش» وتهديده الدائم لها، في حين يعلن أن الحاجة الماسّة تكمن في احتواء «الإسلام السياسي المتطرّف»، والسيطرة عليه، وذلك بالتنسيق مع الحلفاء في الشرق الأوسط لكسر شوكة الإرهاب .

كما يمكن لنا أن نستنتج من قراءتنا لخطاباته، تشديده وإصراراه القضاء على الإرهاب ومكافحته والتركيز على هزيمة «داعش» بدلاً من الطلب إلى الرئيس الأسد التنحّي عن منصبه، واستبعاد قيامه بتدخل عسكري مباشر في سورية، فضلاً عن احتمال تطبيق سياسته القائمة على رفض مبدأ التدخل الإنساني، وعدم إقحام الولايات المتحدة في نزاعاتٍ لا تمثّل مصالحها، والاكتفاء بضمان المصالح الأميركية بالدرجة الأولى، مع الاستفادة من إضعاف النظام و«داعش» بهدف تحقيق أمن «إسرائيل».

إيران و«إسرائيل»

أما في ما يتعلق بالعلاقة مع إيران، فيعارض ترامب بشدّة الاتفاق النووي مع إيران، ويعتبره أسوأ اتفاقية حصلت، إذ إنه ينظر إلى إيران بوصفها الراعي الأول للإرهاب الإسلامي المتطرّف، فضلاً عن إمكانية حصولها على سلاح نووي، ما يدلّل على احتمال تفاقم السياسات العدائية بين الولايات المتحدة وإيران في عهد رئيس لا يؤمن بشيء اسمه «الإسلام المعتدل».

ويتجلّى الردّ على التمدّد الإيراني في المنطقة لدى ترامب من خلال تقديم كل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لـ«إسرائيل»، التي يعتبرها الحليف الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ويؤكد ترامب أنه لا بدَّ للولايات المتحدة من تأمين مصالحها وتدعيم أمنها القوميّ، عبر ردع إيران ووضع حدّ لتعاظم قوّتها العسكرية، ومعارضة المساعي إلى إيجاد تسوية بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية، لأن مثل هذه التسوية قد تُفقد «إسرائيل» شرعيّتها، وتشكّل مكافأةً لما أطلق عليه ترامب اسم «الإرهاب الفلسطيني»، فضلاً عن أنه يسعى إلى تنفيذ وعوده بنقل السفارة الأميركية من «تل أبيب» إلى القدس، وإعلانها بالكامل عاصمةً أبديةً لليهود، وإجبار الفلسطينيين على الاعتراف بـ«إسرائيل» كدولةٍ نهائية لهم. من دون أن ننسى تأكيد جاسون غرينبلات، وهو المستشار الأعلى للرئيس الأميركي، أن الأخير لا يعتبر توسيع المستوطنات «الإسرائيلية» عمليةً معيقةً للسلام، وقد أتى هذا الإعلان متزامناً مع تصريح وزير البنية التحتية «الإسرائيلي» يوفال شتاينيتس بأن فوز ترامب سيؤدّي إلى توسيع الاستيطان. وكون ترامب الآن ضدّ الإسلام الذي لا يعرف حقيقته ولا يدرك كنهه، لكن كرهه الإسلامَ يصبّ في مصلحة أميركا الداخل التي تخدم معركته الانتخابية ـ أي الشعب الذي يكره المسلمين ـ وهو موقف «إسرائيلي» صرف، لا بدّ أن نأخذ في الاعتبار، تصريح وزير التعليم في كيان الاحتلال «الاسرائيلي» نفتالي بينيت، من أن فكرة الدولة الفلسطينية انتهت عملياً، بعد انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.

تركيا

أما في تركيا، فيبدو أن أنقرة لن تتردّد في تقديم الإخوان «قرابين» بهدف بناء علاقة أفضل مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، خصوصاً بعد وعد هذا الأخير بوضع تنظيم الإخوان، الذي تحوّل إلى ما يشبه الدولة، في كلّ من تونس وليبيا واليمن ومصر وسورية، على لائحة الإرهاب وذلك بعد أن كان أردوغان ـ عضو الناتو ـ مستعدّاً لرفع الآذان فوق مآذن كافة الجوامع التركية، إبان فورة «الربيع العربي»، في إطار التقاء الإسلام مع مصلحة أميركا بهدف السيطرة على الشرق الأوسط.

هنا نستطيع القول إنّ ترامب لن يخون أميركا، بل قد يكون يحثّها على الذهاب في طريق تقليل هذا الهدر في الدمار والسلاح الذي لم يفضِ إلّا إلى المزيد من القهر والدماء، ما يتفّق مع منطقه الذي يؤكد فيه صحة وقوفه وأوروبا على جبهة واحدة، لكن حتماً ليس بالكلفة نفسها. يتّضح لنا هنا، كم أنّ ترامب يجسّد تعبيراً للشخصية الأميركية الحقيقية 100 في المئة، لا بل أكثر، إنه ذلك اليانكي الاستعماري اليميني والرأسمالي بامتياز، لا يتردّد في القيام بأيّ شيء يخدم مصلحة أميركا من الداخل اقتصادياً وعسكرياً.

فهل ستتصرّف الولايات المتحدة بعد كلّ هذا التاريخ الحافل من فكّ الارتباط مع نزعتها الإمبراطورية، أم أنها ستبقى في عهد ترامب ومَن قبله ومَن بعده وفيّة لانتمائها الإمبراطوري؟ وهل سوف يأتي ترامب بالمعجزات، أم أنه سيبدأ بالتدمير والقضاء على كلّ ما لم يتسنّ لسلفه تدميره؟ هل أن قدر أميركا أن تكون خشبة الخلاص للعالم، وتتحمّل الكلفة البشرية والاقتصادية والمادية والعسكرية، فقط بهدف تغطية نزعتها الإمبراطورية وتبريرها؟

ما من شكٍ في أن أسلوب ترامب سيأتي قاسياً في كثير من الأحيان والأماكن، خصوصاً ضدّ الإرهاب، ونحن لا ننكر خوف الأميركيين من الإسلاميين، لكن، وفي حال نجح في تنفيذ وعودِه الداخليّة، وساهم في تحسين الواقع الاقتصادي للشعب الأميركي، وحدَّ من تدفّق اللاجئين عبر بناء جدار العار الذي أصبح رائجاً في عدد من دول العالم في الآونة الأخيرة، وحقّق المزيد من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والصحيّة، فإنه سيستغلّ هذه النجاحات في كسبِ دعم غالبية الأميركيين وتأييدها، وذلك بغض النّظر عن مدى التغيير الذي يُحقّقه في السياسات الخارجية، خصوصاً أنّ الملفّات المتعلّقة بالشأن الداخلي لعِبت دوراً بارزاً في إيصال ترامب إلى البيت الأبيض، ليكون بذلك قد عبّر عن الآمال الكبيرة التي عقدها عليه الناخبون الأميركيون كرجلٍ اقتصاديّ محنّكٍ وناجح، قادرٍ على تطبيق خبراته ونجاحاته في مجال المال والأعمال بشكل عمليّ لتشمل الولايات المتحدة بأسرها .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى