علاقة الرسم بالهندسة المعمارية لدى فرانك ستيلا
نادين زهر الدين
قد يعتقد كثيرون أن عالم الهندسة المعمارية في فترة الستينات من القرن الماضي، هو عقد توقّفت عنده حركة التطوّر في الهندسة المعمارية، خصوصاً عندما توفي ثلاثة من أهمّ روّاد الحركة العصرية. إذ رحل لوكوربيزيه « Locorpizie» عام 1965، ثمّ تلاه فان ديرروه « Van Derroh» ووالتر غروبيوس «Walter Gropious» عام 1969. ولكن مع وجود الفنان المبدع فرانك ستيلا « Frank Stella»، الذي لم يعتقد أحد أنه قد يستطيع الغوص في عالم الهندسة المعمارية، تقدّمت العمارة بشكل مبهر.
صمّم ستيلا مجموعة متنوّعة من الهياكل المعمارية الرائعة والمعقّدة، بما في ذلك الهياكل المصنوعة من الصدف، والأبنية والمتاحف.
إنّ اهتمامات ستيلا الأولية في الهندسة المعمارية بدأت في بداية أواسط الستينات، أي في المراحل الأولى من حياته المهنية، حيث طُلب منه تصميم بناء مرافق لمتحف آليساندرو منديني غرويننغن «Alisandro Mandini Gruining» في هولندا، ويقول ستيلا في هذا: «…وبما أن المشروع كان يتطلّب بناء منزل متعاطف مع فنون الماضي، بدا من الضروري إيجاد اتجاه تصويريّ هندسيّ لوضع هذا الشكل المعماري». ويضيف: «وضعنا في التصاميم أشكالاً هندسية بسيطة تتفاعل مع بعضها وتتداخل لتحتلّ المسطّح نفسه».
مع بداية فترة السبعينات، أخذ ستيلا باستعمال المسطّح كمُجسّم، يشمل عدّة مسطّحات موضوعة أمام بعضها. وهكذا، أصبحت اللوحة ثلاثية الأبعاد، وقد أضاف عنصراً جديداً على بعض اللوحات، ألا وهو تميّيز المسطّحات عن بعضها ضمن اللوحة الواحدة، فنرى في اللوحة نفسها مستويات عدّة متميّزة عن بعضها. وذلك باللجوء إلى استعمال تقنيات مختلفة، كاستخدامه الفرشاة، وبعض السطوح والمنحنيات الظاهرة على مسطّحات أخرى.
ولقد قام ستيلا، في بداية الثمانينات، بتستبدال مسطّحاته القاسية بلوحات تعلوها مجسّمات عالية، إضافة إلى مَلئها بألوان موضوعة بضربات فرشاة عنيفة، قويّة، غاضبة، كما إنها فوضويّة التركيب. فقد أعطى ستيلا في هذه الفترة، مجسّمات ولوحات تنبض بالقوّة وتثير عواطف الناظر غير أنه حافظ على الشكل الهندسي البسيط ولم يتخلّ عنه، بل أبقى عليه وسط هذا الصخب لوناً وشكلاً.
وكان بدايةً تحوّله من فنان صالة إلى فنان عامّة، عندما وضع عام 1968، مجسّم مخروطيّ الشّكل بارتفاع خمسة وثلاثين قدماً، على مبنى حائط للمكاتب، في شارع ليكنستون «Likenston» في نيويورك. إن هذا الابتعاد التدريجي عن المسطّحات ثنائية الأبعاد، إلى المجسّمات الكبيرة ثلاثيّة الأبعاد، هو الذي قرّب ستيلا من المجال الهندسي، فخاض مجال الهندسة المعمارية التي بدأت بطلب من مانديني «Mendini» بالمساهمة في متحف غرويننغن «Gruining».
إن غالبية تصاميم ستيلا الهندسية المعمارية تحيد نظرنا نحو رسوماته السابقة، إذ اتّسمت بالكثير من الأشكال والرسوم الموجودة في لوحاته ومنحوتاته على سبيل المثال احتوى تصميم ستيلا لأحد المتاحف الصغيرة، على عدّة أشكال من مجموعته لعام 1967، مع العلم أن هذا التصميم أيضاً لم يتم تنفيذه.
وكان مصمّمو الهندسة المعمارية يستعينون بتصاميم مهندسين سابقين، عوضاً عن تسليم تلك التصاميم إلى الرسامين أو النحاتين. ويظهر تأثير ستيلا وتعليقاته، في التصاميم الحديثة لدى بعض المهندسين الجريئين. فعندما نرى الخطوط المسطّحة، كتلك المستوحاة من القبّعة الشمسيّة الصفراء، والتي تميّز بها ستيلا، فإننا نجدها متحدّرة من لوحاته وخاصة من تصاميمه الهندسية. وكذلك تتجلّى في إحدى الكنائس عام 1991.
كما أنّ المبنى الذي صمّمه عام 1999 هو ذلك المبنى الحلزوني الشكل، الذي وصفه البعض بأنه يحمل صفات المنحوتة أكثر من البناء المعماري، غير أن ستيلا يرى أنه صمّم ليكون مكاناً عملياً كبيراً، يمكن له استيعاب الحشود الكثيرة، وهو شبيه بمنشآت هندسية معمارية كثيرة صمّمها خلال التسعينات. ولكن ما ميّز بناء ميامي الحلزوني، أنه أول تصميم يُعرض للعموم، وكذلك فإنه يُظهر التطوّر الشخصي لدى ستيلا.
ومن خلال هذين العملين نستطيع أن نرى بوضوح خلفية مبنى ميامي الحلزوني، فنجد فيه تلك الخطوط المتداخلة، كما أن وقفته الأنيقة والعمليّة تجعله مفتوحاً جزئياً ليسمح بإدخال الضوء الطبيعي، ولا ننسى بأنه مجهز أيضاً بمسرح عصري .
وتتميز حلزونية ستيلا، ذات الأربعة وثلاثين قدماً في الإرتفاع، بقربها من المنحوتة، فهي أشبه بالمنحوتة رغم كونها تحتوي ثنائية فريدة ألا وهي: مساحة عملية وأشكالاً تجريدية في آن واحد. فهذا العمل هو خير دليل على مقدرة ستيلا في تنفيذ اقتراحاته في المجسمات الغير مُنشأة، كذلك بضخامته وفرديته يؤمّن الفرصة بالثبات والتقدّم أكثر فأكثر.
ما يميّز ستيلا في الهندسة المعمارية، تأثير أعماله وفرديّتها، وبالتالي إيمانه الكبير بالتصوير الذي لطالما اعتبره مصدر إلهام للهندسة المعمارية والنحت.
لذلك، نرى أن ستيلا قد انتقل من الصورة المسّطحة إلى اللوحة ثلاثية الأبعاد ثمّ المنحوتة والأحجام الكبيرة. فإنّ تطوّر ستيلا على مدى عشرين سنة، قد توصّل إلى مرحلة مذهلة.