تونس والأردن ووهم «الدولة الوطنية»

عادل سمارة

لعلّ ما جرى في الأردن وتونس هو أحدث نقض ونقد لأطروحة تعزية النفس بتسمية الدولة القطرية بالدولة الوطنية، في هروب من ضرورة الدولة المركزية بل الدولة القومية.

وبكلام آخر، فإنّ تراجع المواقف والثقافة القومية إلى نطاق قطري، قد جعل من الدولة القطرية الجغرافيا «الممكنة» أو المسموح بها منذ ستينيات القرن الماضي.

لقد جادل البعض بأنّ الدولة القطرية هي المقدّمة للدولة القومية، وذلك من دون أن يعوا، أو يفهموا حقيقتين:

ـ الأولى: أنّ الدولة القطرية هي تصنيع استعماري تمّ إنتاجها بحيث تكون عدوّة للدولة القومية. أيّ عدوّة للأمة.

ـ الثانية: أنّ تصنيع هذه الدولة تواكَبَ مع تصنيع الكيان الصهيوني حيث يربطهما حبل سري في كلّ من البدء وقلق المصير.

لذا، كان من الطبيعي أن يكون وليد الدولة القطرية هو كيانات أصغر منها تقوم على أرضيات طائفية، مذهبية، دينية إلخ… وهي ما أسمّيها دول: «الموجة القومية الثالثة كتصنيع رأسمالي معولم»، أيّ دول تنشأ عميلة للغرب الرأسمالي بلا مواربة، بل يُنشئها الغرب نفسه. وهي نفسها عاجزة عن حماية نفسها وفي الوقت نفسه مقتتلة في ما بينها.

لذا، علينا الاعتراف بأنّ القوى والأنظمة القومية التوجه، كانت جوهرياً قطرية الأداء. لم ترتق إلى حمل مهمة النضال القومي، بل ولم تستطع حتى الحفاظ على الدولة القطرية. والشرط أو الحكم نفسه ينطبق على القوى الاشتراكية والشيوعية العربية التي طوَّعت نفسها كي تُختزل في نطاق الدولة القطرية وتهجر البعد القومي و«تتشربح» إلى البعد الأممي! أما أنظمة الرجعيات والقبائل والأسر و/ أو الممالك وخاصة النفطيات، فجميعها وراء التاريخ والعصر حتى لو كانت انتفاخات ممولنة.

رغم كلّ ما قيل عن ثورة في تونس، فإنّ الدولة القطرية هناك لم ترتق إلى مستوى حماية نفسها من الاختراق الصهيوني لا قبل «ربيعها» ولا بعده، هذا إنْ لم نقل إنها شكلت فراخة لتصدير الإرهاب إلى العالم العربي بشقيه الذكوري القاتل والأنثوي المُباح. وهكذا، كان اغتيال قادة قوميين في تونس مقدمة لاغتيال قام به الموساد مما يشي بإمكانية وقوف الطرف نفسه وراء كلّ هذا.

وبدوره، فإنّ الأردن «بلا ربيع» هو كيان هشّ متشقق حافظ فيه النظام على وجود تشققات غير طائفية وأمسك بمفاصلها لحماية نفسه. وهذا جعله كياناً قابلاً لانفجارات ثأرية متخلفة وليس موقع حركة وطنية ذات توجه قومي أو بعد طبقي.

إنّ أنظمة مفتوحة جغرافيتها للأجنبي والصهيوني ويتمّ استخدامها ضدّ قطريات عربية أخرى، لا معنى لبقائها.

وربما يمكننا القول بأنّ العشرية السوداء ضدّ الجزائر ثم إسقاط ليبيا وتسخير تونس، بلا ضجة، لصالح الثورة المضادّة، كانت ولا تزال كي لا تتحوّل الجزائر إلى دولة عربية مركزية في المغرب العربي. كما أنّ دور الأردن سابقاً، وخاصة اليوم، في الحروب لتدمير العراق وسورية هو أيضاً كي لا تكون أيٌ منهما أو كلتاهما دولة مركزية في المشرق العربي.

وبهذا يبقى هذان الكيانان، وسائر الكيانات العربية الصغيرة، فقيرة أو منتفخة مالياً وريعياً، بمثابة مواقع للثورة المضادّة في مواجهة الدولة القومية تمّ إعداد كلّ منها لدوره، فمنه دور أتى ومنه أدوار تأتي.

خلاصة القول، إنّ قوى الثورة المضادّة متخذة شكل الربيع العربي، تواصل هجمتها لصدّ جبهة المقاومة. تبيّن هذه الاستماتة من الثورة المضادّة أننا نعيش لحظة حاسمة تحدّد مصير الأمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى