حلب: أفشلت مخططات الصهيونية كما أفشلت المخططات الصليبية
اياد موصللي
ما جرى في بعض أحياء حلب وريفها أثار «إسرائيل» وأقلقها وأغضبها، وما جرى من تصرفات العصابات والمجموعات الإرهابية وتقلباتها غدراً ونقضاً هو أحد فصول الرواية التي أعدّ لها بدقة وعناية منذ عشرات السنين من قبل «إسرائيل» وحلفائها وعملائها… وأعطيت عنوان «الشرق الأوسط الجديد»… القائم على إثارة القلاقل والفتن والقتل والتدمير تحت شعار المعارضة السياسية وتغيير النظم في البلاد السورية وبعض الأقطار العربية، ثم تطوير الأحداث لتأخذ شكلاً تدميرياً يؤدّي الى تفتيت وحدة هذه البلاد جغرافياً وبشرياً عبر نشر رايات التفرقة العنصرية، الدينية، المذهبية.
انّ تفتيت أمتنا هو إحدى قواعد اللعبة «الاسرائيلية»، وما يجري اليوم من اقتتال وفتن ما هو إلا ترجمة لما قاله بن غوريون قبل قيام «إسرائيل»، إذ حدّد ثلاثة عناصر لضمان سلامة وديمومة وأمن الدولة العبرية:
«1 ـ علاقات متينة مع الدول القوية التي تؤمّن وتضمن الحماية الدائمة لإسرائيل مقابل ضمان مصالح هذه الدول.
2 ـ تكوين جيش قوي يضمن أمن إسرائيل من أيّ خطر قد يهدّدها.
3 ـ العمل على تفتيت الدول المجاورة وخلق دويلات طائفية صغيرة حول إسرائيل… وإذا ما حققنا ذلك نضمن أمننا وسلامتنا إلى الأبد…»
وقد تمّ تحقيق قسم كبير من هذا المشروع وجار تنفيذ ما تبقى… وما جرى في بلاد الشام فصل من فصوله…
بعد كلّ هذا نقف متسائلين نعرف ماذا تريد «إسرائيل»، ولكن السؤال ماذا تريد أميركا المندفعة بحماس لتحقيق الأهداف «الإسرائيلية» غير عابئة بما أوجدته حولها من عداء في سورية والعالمين العربي والإسلامي… وما يستتبع ذلك من تعريض لمصالحها للخطر، انه أمر يدعو إلى التساؤل.. لقد كانت الصورة التي حفظتها شعوبنا عن أميركا هي العدالة وحماية الإنسانية، وهي صورة عرفت بها لدى معظم شعوب العالم نظراً للمواقف الكبيرة التي وقفها بعض قادتها وفي مقدّمتهم الجنرال ايزنهاور ابان العدوان الثلاثي على مصر..
أميركا اليوم متحمّسة بشكل جنوني لتحقيق أطماع «إسرائيل» وأحلامها مهما كان الثمن، والثمن باهظ على المدى البعيد. لـ»إسرائيل» حلمها التاريخي بتحقيق وعد ربها لها كما تزعم «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل».
ورب «إسرائيل» هو غير رب العالم رب السماوات والأرض خلق الإنسان وسخرّ له كلّ وسائل العيش والحياة الرحمن الرحيم. أب البشرية العادل. رب «إسرائيل»، كما عكسته لنا التصرفات والأعمال والأقوال اليهودية ليس هو الرب الذي نعبد. رب اليهود يأمرهم بقتل الآخرين وسحقهم وتدميرهم كما يقولون هم في كتبهم وفي التلمود تحديداً والآخرون هم المسيحيون المسلمون.
ونظرة اليهود إلى غيرهم من الشعوب يحدّدها «التلمود» بوضوح وصراحة. وأصبحت تعاليم التلمود مخططاً لبروتوكولات حكماء صهيون وبرامج محكّمة يتمّ تنفيذ مراحلها بدقة متناهية.
انّ متابعة الارتكابات اليهودية قبل الصهيونية وبعدها والتاريخ حافل بالمجازر والقتل والبطش بما يعكس أدبيات هذا الشعب ومعتقداته القائمة أساساً على الدم والذي تفسّره كتبهم بأنّ «الغوييم» قتلهم سبيل لنيل الرضى والبركة الالهية حيث جاء في البروتوكول ما حرفيته «فكلّ ضحية منا أنها تضاهي عند الله ألفاً من ضحايا «الغوييم» ايّ المسيحيين والمسلمين.
لهذا يقصفون المدنيين ويقتلونهم أطفالاً ونساء ورجالاً، فقتل الآلاف من «الغوييم» هو تعويض عن الأفراد من «شعب الله المختار». انّ هدف «إسرائيل» هو السيطرة على العالم، وتعمل اليهودية العالمية بأجهزتها السياسية والاقتصادية العلنية والخفية لتحقيقه. انّ ما يجري في الشام اليوم وما سبقه في لبنان هو جزء من تلك السياسة المرسومة، والتي تعمل أميركا جاهدة لتحقيقها تحت شعار «الشرق الأوسط الجديد»… فماذا تريد أميركا من حربها هذه؟ سؤال يعود لنا الى سؤال قبله ماذا كانت تريد بريطانيا عندما أعطت وعد بلفور؟ وماذا كانت تريد إيطاليا عندما أيدت ذلك الوعد المشؤوم، انه المخطط ذاته، المخطط الصهيوني الذي نصب شباكه حول البيت الأبيض الأميركي وأحاطه «بلوبي» يرسم السياسة العليا لرؤساء الولايات المتحدة ويدفع بهم الى تنفيذ كلّ ما يؤدّي الى تحقيق الأحلام اليهودية، من إنشاء الدولة الى تدعيم وجودها والى بسط سيطرتها.
في حرب لبنان كانت محاولة عودة إلى أحلام لم تحقق «إسرائيل» أيّ جزء من أجزائها، وتحاول اليوم في الشام أن تحقق هذه الأجزاء، فقد كانت «إسرائيل» تحلم بأن يكون جنوب لبنان جزءاً منها، وعملت جاهدة من أجل تحقيق ذلك لكن جهودها تعثرت وفشلت.
تحاول «إسرائيل» اليوم في الشام ان تعيد رسم ما يسمّى حدودها كما هي في وعد ربها لها كما تزعم. وترسمها سياسياً انْ لم ترسمها جغرافياً. «الشرق الأوسط الجديد» والذي قالت وزيرة خارجية أميركا السابقة كونداليسا رايس خلال العدوان «الإسرائيلي» على لبنان عام 2006 إنّ ما يجري هو مخاض ولادته، انه نفسه مشروع «ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل».
انّ عودة للتاريخ تكشف بوضوح أسباب حرب اليوم وأبعادها وضبط الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة كما تحلم «إسرائيل» هو جزء من هذا المخطط، وهو السبب الأساسي للحرب الدائرة.
ففي مذكرات لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المجلد 2 ص 455 يقول:
«انّ الحدود التي طالب بها الوفد الصهيوني في مؤتمر الصلح في المذكرة التي قدّمها في 3 شباط/ فبراير 1919 تشمل فلسطين غرب الأردن، وشرقه وجنوب لبنان.
وقد جاء نص الطلب كما يلي:
«تكون حدود فلسطين تابعة إجمالاً للخطوط المبيّنة هنا كما يلي:
«اما شمالاً فيبتدئ الخط من نقطة على البحر المتوسط، على مقربة من جنوبي صيدا ثم يسير على سفوح التلال او الجبال اللبنانية حتى جسر القرعون ثم باتجاه البيرة فاصلاً بين حوضي وادي القرن ووادي التيم… ومن هناك جنوباً فاصلاً بين السفوح الشرقية والغربية لجبلي حرمون والشيخ…»
وعودة الى مذكرات الشيخ محمد الجسر كما نشرت في جريدة «الجريدة» سنة 1954 تؤكد كلّ هذا، فقد أورد المغفور له الشيخ محمد الجسر في مذكراته ما يلي:
«الأربعاء 16 تموز 1924، اشتغلت في الدائرة «مجلس النظار» كثيراً لأنّ الأوراق كانت مكدّسة ولم يصادفني شيء مهمّ هذا اليوم سوى انّ المسيو روزور رئيس الغرفة السياسية أعلمني بموافقة الحاكم على وضع قانون يمنع اليهود من التملك في لواء الجنوب ايّ يمنع الصهيونيين من التملك ويبدو أنهم شعروا أخيراً بهجوم اليهود على التملك في لبنان لأغراض سياسية، وقد كنت نبّهتهم الى هذا الأمر منذ سنة وقلت لهم انّ الحكومات العثمانية منعت اليهود من التملك في لواء الجنوب خشية من أغراضهم السياسية… وهكذا رجعوا الى قولي الآن من انّ الوجود الصهيوني سيكون يوماً شوكة في جانب العرب».
هذا هو وجه الحرب الجارية في بلاد الشام والعراق الآن وهذا هو مخاض الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به شيمون بيريز.
انّ حلم «إسرائيل» بالسيطرة على الشام ولبنان شواهده كثيرة وأبرزها ما أورده وايزمن في مذكراته صفحة 312 «قمنا بتطواف واسع ننتقل من مكان إلى آخر، واجتزنا الحدود السورية إلى لبنان وتوقفنا في عدة مواضيع ونحن نرى المستعمرات النائية على الحدود، وكان كلّ تلة من التلال وصخرة من الصخور برزت تستنطقني في هذه اللحظات وتوحي في كلّ ثنية من ثنايا الطريق، ما علينا إنفاقه في هذه الأرض من عمل وجهد وتخطيط ومال قبل ان تصبح صالحة ليستوطنها العدد الكبير من اليهود».
فإذا تتبعنا ما أورده اليهود في مذكراتهم إلى مؤتمر الصلح في 3 شباط/ فبراير 1919 وما جاء في مذكرات وايزمن ترى انّ نقطة الارتكاز عند الصهيونيين كانت في مؤتمر الصلح في باريس عام 1920 هي ان يحققوا مطلبين كبيرين:
«1 ـ الحصول على «حدود الوطن القومي» وفق ما طلبوه في مذكرتهم المقدمة في 3 شباط/ فبراير 1919.
2 ـ فإذا لم يحصلوا على تلك الحدود فعلى الأقلّ يحصلون على الليطاني وعلى وادي اليرموك الأسفل».
فماذا بقي من حلم «إسرائيل من الفرات الى النيل» لم يتحقق غير الشام، لأنّ تحقيق الجزء المتعلق بالشام يؤدّي لتحقيق القسم المتعلق بلبنان بعد ان تتمّ السيطرة على العراق «الفرات» حيث يبدأ تقسيمه وتجزئته بغرس بذور الفتن بين أبنائه وشراء العقارات وإنشاء شبكات خفية للسيطرة على البلاد بأشكال وأساليب شتى كما يحلمون.
بسقوط الشام وإقامة حكومة وكيلة يسهل إسقاط لبنان ويتمّ عندئذ مشروع أرضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل ، حيث تبدأ سيطرة المالك الجديد عبر حكومات وكيلة أشدّ طاعة من وكلاء اليوم ويكون سيدهم أكثر سلطة ونفوذاً وبطشاً. ويبدأ العهد الجديد أو الشرق الاوسط الجديد ، في ظلّ سلطة اسرائيلية من الفرات الى النيل…
واذا عدنا الى البروتوكول الثاني، من بروتوكولات حكماء صهيون وقرأناه بتمعّن لتوضحت لنا صورة المخطط الإداري الصهيوني للسيطرة على البلاد المجاورة ووضعها تحت هيمنتها، يقولون:
«انّ غرضنا الذي نسعى اليه يحتم ان تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن، فإذا جرى الأمر على هذا النحو قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي… وهنا لا مفرّ من ان ندرك الأمم من خلال ما تقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب «فريق على آخر، ومن التفوق ونفوذ اليد العليا الخفية. وهذا الوضع من شأنه ان يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التي لا تنام. ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة، في نطاق المعنى المألوف لكلمة حق. فيتسنى لنا ان نحكم الشعوب بهذه الحقوق تماماً كما تحكم الدول رعاياها بالقانون المدني داخل حدودها..
انها المحاولات التي شهدناها في كثير من المحافل الدولية وآخرها ما حاولت اميركا تحقيقه. كلها صور حية لمحاولة تحقيق ما رسمته «إسرائيل» من توسع إقليمي عبر وسائل غير عسكرية.
كلّ الحسابات نظمت بدقة حتى انّ أدوار كلّ حكومة وكيلة من حكومات العمالة العربية أنيط بها دور، ولكن ما لم يضبط هو انّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر.
وكما قال سعاده: «لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل.
انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب».
الجيش والشعب في الشام ومشاركة المقاومة اللبنانية هو الرقم الصعب الذي لم يتماش في عملية الطرح والضرب والقسمة، ولكن كان الرقم الأساس في عملية الجمع، فأجهض كلّ المخططات والمخاضات وولدت كونداليسا رايس «فاراً» لأنها لم تقرأ جيداً:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر