تفاهم موسكو للشراكة في الحرب على الإرهاب… والشأن السوري للسوريين الحكومة «تتصوّر» اليوم وتبدأ غداً بالكتابة… والامتحان بالعلاقة مع سورية
كتب المحرّر السياسي
نجحت روسيا بالإمساك بالنواة الصلبة لوضع مسار جديد للحرب على سورية، فوظفت نصر حلب العسكري برعاية تحوّل سياسي تركي، ترجمه اللقاء الوزاري النوعي الذي ضمّته موسكو لوزراء الدفاع والخارجية في روسيا وإيران وتركيا، ونجاحهم بتلقي رسالة اغتيال السفير الروسي في أنقرة، لتوظيفه في منح اجتماعهم المزيد من الزخم رداً على أهداف الاغتيال التي أرادت إفشال الهدف من الاجتماع. ووفقاً للحصيلة التي تداولها الوزراء عقب الاجتماع، جرت استعارة مضامين التفاهم الروسي الأميركي، سواء لجهة أولوية الحرب على الإرهاب على نظريات تغيير النظام، أو لجهة إطلاق مسار سياسي لحوار سوري ـــ سوري ينحصر فيه البحث في الشؤون السورية، سواء ما يخصّ الرئاسة أو الإصلاح او خيارات حكومة موحدة، طالما أنّ شرط المشاركة فيه محصور بالمعارضين الذين يرتضون أولوية الحرب على الإرهاب ممثلاً بتنظيم داعش وجبهة النصرة، والمساعدة التي سيقدّمها الرعاة للفريقين المتحاورين، هي بالدعوة للاحتكام لصناديق الاقتراع في كلّ ما يستعصي حله بالتفاوض، وفقاً لما نصت عليه القرارات الدولية وخصوصاً القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن قبل عام تقريباً.
نقطة التحوّل التي شكلها انتصار حلب ترجمها التحوّل الذي افتتحه اجتماع موسكو، خصوصاً أنّ الشريك من الضفة المقابلة هو تركيا، التي يُجمع الحلفاء في ضفتي الحرب أنه بدونها من الصعب أن تكون حرب في سورية، وحيث تتموضع تمنح موقعاً خاصاً لموقعها وميزات لحلفائها، وبتموضع تركيا فقد حلف الحرب الذي سبق أن فقد واشنطن، فرصته التاريخية التي كانت تمثلها تركيا والتي لا بديل لها لمواصلة الحرب، وهذا سرّ العويل الفرنسي السعودي «الإسرائيلي»، وصراخ المرتبطين بهذا الثلاثي من رموز المعارضة، احتجاجاً على نتائج اجتماع موسكو.
لبنانياً، تنهي الحكومة اليوم آخر الإجراءات البروتوكولية بالصورة التذكارية في القصر الجمهوري، لتنصرف لإعداد بيان وزاري مقتضب سيتحاشى الوقوف على مطبات الخلافات، ويختار عبارات رمادية أو يستند لما ورد في خطاب القسم لتفاديها، ليكون التحدي الأبرز الذي سيرافق الحكومة في الأشهر المقبلة، وهي تستعدّ لحسم أمر الانتخابات النيابية وفقاً لأيّ قانون، هو كيف ستتصرف مع وجود أغلبية واضحة بين صفوفها تؤمن بعلاقة طبيعية بين الدولتين اللبنانية والسورية، تترجم تعاوناً في ملفي الحرب على الإرهاب وعودة النازحين، وبين إصرار رئيس الحكومة وبعد صدور مرسوم تشكيل الحكومة على خطاب عدائي واستفزازي لسورية؟
الحريري في السراي بعد خمس سنوات
بحكومة التسوية والتوازنات والأضداد والتناقضات، وعلى وقع التطورات الميدانية في سورية وأحداث ومتغيرات المنطقة والعالم، عاد رئيس الحكومة سعد الحريري الى السراي الحكومي، وهو الذي قدّم التنازلات المتتالية كي يتربّع على عرش الرئاسة الثالثة من «صفقة الضرورة» مع الرئيس ميشال عون الى تطبيع الواقعية السياسية مع حزب الله، رغم قتاله في سورية الذي قلب الموازين العسكرية فيها وليس آخرها ارتضاء رئيس المستقبل على مضض دخول وزراء الى حكومته ممن رمى عليهم الحرم السياسي في ذروة الانقسام في البلد.
شرعت أبواب القصر الحكومي الموصدة منذ خمس سنوت أمام الحريري، بعد أن نُزع عنه لقب رئيس الحكومة أثناء وجوده في البيت الأبيض عام 2011. وبالتوازي مع تسلّمه مهامه رسمياً أمس، وانتقاله الى مكتبه، كانت عمليات التسليم والتسلّم تتم بين الأسلاف والأخلاف في عددٍ من الوزارات قبل أن تأخذ الحكومة اليوم الصورة التذكارية في قصر بعبدا بحضور الرؤساء الثلاثة تليها جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس عون الذي سيشدّد في كلمته أمام المجلس، بحسب ما أبلغت مصادر مطلعة «البناء»، على «ضرورة إعادة بناء الدولة وأنه سيكون ضابط الإيقاع والحكم، ولو أن رئيس الجمهورية لا يملك الكثير من الصلاحيات، لكنه سيضغط باتجاه تفعيل أجهزة الرقابة لا سيما أن معالم الدولة توضحت من خلال إسناد وزارات الدفاع والخارجية والعدل وشؤون مكافحة الفساد الى رئيس الجمهورية، ما يمكنه من وضع مشروعه التغيير والإصلاح على السكة الصحيحة، ولو أنه يعتبر أن هذه الحكومة ليست الأولى في عهده، لكنه لن يتهاون مع الفساد وفي الحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة».
بيان مستوحىً من خطاب القَسَم
ومن المرتقب أن يكلف مجلس الوزراء لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة لصياغة مسودة البيان الوزاري ليعرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليه، وتوقعت مصادر في التيار الوطني الحر أن «لا يأخذ إعداد البيان الوزاري أكثر من أسبوع ولن يكون موضع خلاف في مجلس الوزراء. وما أشار إليه الحريري في كلمته عقب إعلان تأليف الحكومة بأن خطاب القَسَم يشكل منطلقاً للبيان الوزاري يسهل التوافق عليه». ولفتت المصادر لـ«البناء» الى أن «سلاح المقاومة ليس مطروحاً على الطاولة ولن يعترض على وجوده أحد وإذا اعترض فلن يغير شيئاً في مضمون البيان، والنأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة لا يعني تخلّينا عن المقاومة». وأوضحت أن «ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ليست الصيغة الوحيدة التي تؤكد أحقية ووجود وشرعية عمل المقاومة بل هناك صيغ متعددة تستوحى من خطاب القسم أي الاعتراف بحق لبنان بالدفاع عن نفسه ضد اعتداءات العدوين الإسرائيلي والإرهابي وأي صيغة تحفظ هذا الحق في البيان الوزاري ستعتمد»، واستبعدت المصادر أن يتجرأ أي طرف وخصوصاً حزب القوات الاعتراض على تكريس حق المقاومة في البيان»، موضحة أن «ورقة النيات بين التيار الوطني الحر والقوات تلحظ اعتراف القوات بأن إسرائيل هي في موقع العدو كما الإرهاب، وتتضمن بناء أفضل العلاقات مع كافة الدول العربية، وهذا يشمل سورية بشكلٍ ضمني».
وعن موضوع المحكمة الدولية رجحت المصادر أن «يتحاشى البيان الدخول في هذا الأمر، لكن لا يمكن أن يقبل وزراء رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بتشريع ما كنا ننكره في السابق»، ولفتت الى أن «كل المواقف الواضحة والصريحة التي أطلقها الرئيس ميشال عون منذ العام 2005 حتى الآن لن يغيّر منها حرفاً، أما بخصوص التسويات فلن تلغي المبادئ، فالتفاهم مع المقاومة وجودي».
أما بخصوص قتال حزب الله في سورية فاعتبرت المصادر أن «هذا الموضوع سيشرّع في البيان الوزاري بصيغة مستوحاة من معادلة مواجهة الإرهاب استباقياً وردعياً ووقائياً، وهذا حق مشروع لتحصين لبنان ضد مخططات التنظيمات الإرهابية المتربّصة به على الحدود مع سورية»، أما قانون الانتخاب، فتوقعت المصادر «التوافق على وضع النسبية كأساس ومبدأ، لكن لن يتم الدخول في تفاصيله وترك الأمر لمجلسي الوزراء والنواب وتفاهم الكتل السياسية»، لكن المصادر توقعت أيضاً أن «يشهد القانون شدّ حبال ومواجهة بين القوى السياسية، لكن التيار الوطني الحر والرئيس عون يناضلون للوصول الى النسبية الكاملة التي تضمن حق تمثيل الجميع».
جنبلاط: لسنا بلقمة سائغة
وفي موقف لافت يعكس الصراع المقبل حول قانون الانتخاب، صبّ رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط جام غضبه على «النسبية»، فقال عبر حسابه على «تويتر»: «من أين خرج فجأة الشعار بضرورة قانون انتخابي يؤمن سلامة التمثيل وكأن النواب الحاليين لا يمثلون أحداً؟». مضيفاً: «لسنا بلقمة سائغة لتباع أو تشترى على مذبح التسويات». وتابع: «كفى تنظيراً وتطبيلاً حول نسبية ملزمة آتية ولازمة وإلا بطل التمثيل، لسنا بقطيع غنم ليسلّم مصيره وسط هذه الغابة من الذئاب»، مشيراً الى أن «ميزة لبنان احترام وتأكيد التنوّع فوق كل اعتبار» .
.. والمستقبل: لا للنسبية الكاملة في ظل السلاح
وجدّدت كتلة «المستقبل» النيابية خلال اجتماعها في بيت الوسط، برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، تمسكها بصيغة القانون المختلط بين النظامين الأكثري والنسبي «الذي تشاركت بتقديمه مع القوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي كصيغة مرحلية قابلة للتطبيق وذلك إلى أن تزول سلطة وسيطرة منطق السلاح الميليشياوي الذي يتلاعب ويشوّه التوازنات التي يتمتع بها لبنان، وحينها فقط يمكن اعتماد نظام النسبية الكامل الذي يسمح بتمثيل مختلف شرائح المجتمع اللبناني بشكل عادل ومنصف بعيداً عن هيمنة وتأثيرات ووهج السلاح غير الشرعي».
.. وجلسة لـ«الثنائي» في عين التينة
وفي غضون ذلك، وبعد مرور يومين على تأليف حكومة الوحدة الوطنية، انعقدت جلسة الحوار الـ 38 بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، مساء أمس، في عين التينة، وبعد الجلسة صدر البيان الآتي: «بارك المجتمعون للبنانيين جميعاً بالأعياد المجيدة وهنأوا الحكومة الجديدة معربين عن نظرتهم الإيجابية حيال تشكيلها، آملين أن تسارع بمهامها لمعالجة الملفات الحيوية وفي طليعتها وضع قانون عصري للانتخابات النيابية تمهيداً لإجرائها في مواعيدها».
وحضر الجلسة المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار المستقبل. كما حضر الوزير علي حسن خليل.
مواقف دولية مهنئة
واستمرت المواقف الدولية المهنئة بتشكيل الحكومة حيث رحبت إسبانيا «بتشكيل حكومة جديدة في لبنان». وجددت «التزامها الراسخ بالسلام والاستقرار في لبنان ودعمها للحكومة اللبنانية في مهمتها الآيلة إلى تحقيق المزيد من التقدّم والرفاهية لجميع المواطنين». بدورها، اعتبرت وزارة الخارجية التركية في بيان، «أن العملية السياسية التي بدأت مع انتخاب الرئيس الثالث عشر للجمهورية في لبنان ستستمر عبر الحكومة التي شملت جميع الأطراف لتثبيت الأمن والاستقرار والسيادة في لبنان». من جهتها أملت بريطانيا أن تنجز الحكومة قانون الانتخاب وتجري انتخابات تراعي المعايير العصرية.
باسيل: الحل الوحيد إعادة النازحين
وشدّد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في تصريح خلال مشاركته في المؤتمر الوزاري العربي – الأوروبي الرابع في القاهرة أن «الحل الوحيد في قضية النزوح هو عودة النازحين الى سورية، وإبقاؤهم في أي بلد آخر هو إفراغ المنطقة من ناسها وخسارتها تنوّعها»، وأكد أن «لبنان لم يخرج من أزمته إلا عبر إبعاد التدخلات الخارجية واليوم أصبح لدينا رئيس وحكومة وطنية تمثل ولديهما الشرعية وهذا بفعل منعنا التدخلات الخارجية، وهذا ما يؤمن الاستقرار».
نتائج الـ«دي أن آي» خلال يومين
على صعيد آخر، علمت «البناء» من أوساط معنية أن «نتائج التحاليل المخبرية وفحوص الـ«دي أن آي» للجثث الثماني التي عثر عليها في جرود قارة السورية ستظهر خلال اليومين المقبلين»، ولفتت المصادر الى أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ابلغ أهالي العسكريين المختطفين لدى تنظيم داعش أنه سيعلن عن نتائج الفحوص فور انتهائها»، واستبعدت المصادر أن «تكون الجثث المكتشفة تعود الى العسكريين المختطفين لدى داعش».
وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال تفقده الكلية الحربية في الفياضية، أن «تماسك الجيش في ظل الصراعات الجارية في المنطقة، وتحقيقه إنجازات كبيرة في مواجهة الإرهاب، هما في الدرجة الأولى ثمرة التنشئة التي يتلقاها العسكريون في المؤسسة، وبقدر ما يكون الجيش قوياً يكون لبنان قوياً».