غسان بن جدو لناصر قنديل: هذه هي الحرب وتلك هي معجزة حلب وها نحن في الميادين
تعقيباً على مقالتي التي خصصتها لرواية سيرة «الميادين» ونجاحاتها وظروف التحديات الصعبة التي شقّت عبرها مسارها، والدور الريادي لمؤسّسها الإعلامي الصديق الأستاذ غسان بن جدو، وردتني من الصديق الأستاذ غسان رسالة محبة ومودة وتقدير، ويوضح النص طابعها الشخصي، لكنني وأنا أقرأها لم أستطع أن أكبح رغبتي بنشرها لما فيها من تشريح وتحليل لحرب العقول والقلوب ونموذجها الأبرز ما تشهده الحرب في سورية، وقراءة مؤسس «الميادين» لتجربة القناة في هذا الخضمّ من المعارك الشرسة ولما في النص من قيمة ومعلومات ارتأيت وضعها في تصرّف القراء توخياً للفائدة وتعميماً لما توسّمت فيه إجابة على الكثير من الأسئلة. أفعل هذا من دون استئذان صاحبها، كما يُفترض أصولاً، آملاً أن يعذرني في تفرّدي هذا، ويقدّر خلفيتي وأسبابي التي نتشارك قيمها وأهدافها.
ناصر قنديل
رسالة الأستاذ غسان بن جدو رئيس مجلس إدارة «الميادين» كما وردت:
أخلص الشكر والامتنان على ما تفضّلتم به حول «الميادين».
متفضّل دائماً أستاذ ناصر العزيز.
عموماً أمتنا تواجه محنة تاريخية، إما أن نكون في صلبها مواجهين مقاومين وشهوداً على هذا التاريخ من بوابة ردّ العدوان الشامل ومن ثم تثبيت هويتنا وثقافتنا بل ووجودنا وحماية لأبنائي وأبنائك وأحفادنا جميعاً، وإما أن يُخرجونا منهزمين منكسرين أذلاء من شباكهم الضيّق القبيح.
إنها محنة يا أستاذ ناصر، إنه ابتلاء قاسٍ. نحن نواجه عالماً، بل كَوْناً من تجار الدين والأطفال والإنسانية والحريات.
تجارة بشعة دموية تتدثر بعباءات فقهية وطائفية ومذهبية سادية وإعلامية ومالية أكثر من ضخمة، ونظام دولي جائر متجبّر.
تجارة تصوّر أصحابها ديمقراطيين يواجهون الطغيان وإنسانيين يواجهون حروب الإبادة، وتُصوّرُنا نحن أنصاراً للدكتاتورية والمشروع الطائفي وما يسمّونه بالتغيير الديمغرافي!
مشروع وهمي اخترعوه وصدّقوه وروّجوا له ويحاربون به!
لكن وهمهم بالغ في الغرور والنرجسية، حسبوا أنهم بشعاراتهم البراقة هذه وتهييج الرأي العام وبإمكاناتهم الخيالية الهائلة سيحرجوننا ونضطر للاستكانة والسكوت، وسيهمّشوننا مع التشهير والتشويه، إذا اخترنا عدم الخنوع.
لكن الخيبة تلاحقهم الواحدة تلو الأخرى.
ليس فقط بجهدنا وصمودنا كمنظومة أقصد وليس كأشخاص ، ولكن أيضاً لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينصر الظالمين والمنافقين والمتاجرين بالإسلام وأهل السنة والجماعة!
هنا يأتي دور الإعلام.
دور مزيّن رديء، إذا أردناه مجرد أرقام لقنوات وصحف متكاثرة متناثرة بليدة وبلا إمكانات معقولة، ودور مؤثر فاعل لهذا الإعلام إذا عمل بذكاء ومهنية ومصداقية وتخطيط ورؤية استراتيجية، مع كدح بلا كلل وصبر، بلا ملل وعرق، بلا تأفّف، وكلّ هذا بالتوكل على الله..
هكذا نفكر نحن في «الميادين». لهذا تقدّمنا خطوات متواضعة وأثبتنا حضورنا ولو بنسبة معقولة، مستفيدين في الوقت نفسه، وهذا يجب قوله بصراحة، من مراكمة غيرنا من الإعلام المقابل لأخطاء محيّرة في هزالها مع تمسكهم بنكران محيّر في خفته.
هنا أتت «حلب» الشهيدة الحية التي انتصرت بصمود الحلبيين أولاً.
جاءت معركة تحرير حلب لتفصل الخط الأبيض من الخط الأسود. لتثبت مَن هو الإعلام الصادق من الإعلام الكاذب، بل الكذّاب. من الإعلام الإنساني بحق والوطني بجدارة عن ذاك الإعلام التهييجي التهريجي السفاح المتاجر زوراً ودجلاً بأطفال حلب ومخترعاً قصصاً لا وجود لها، واللهِ، على أرض الواقع أبداً.
تصوّر بالمناسبة، وهذه معلومة خاصة لم نرد إعلانها، انّ الجماعات المسلحة هدّدت بوقف تنفيذ الاتفاق في يومه الأول مشترطة إبعاد «الميادين» ومراسليها عن «الراموسة» وتوقيفها عن البث!
تصوّر هذه الحثالة الذبّاحة الإرهابية المتاجرة بالثورة والإسلام كيف ظهرت صغيرة!
تصوّر أنّ «المرصد المعارض» يقول إنّ «الميادين» هي مَن أسقطت حلب إعلامياً، وأنّ تلك القناة التي تعرفها خصصت برنامجاً كاملاً لتصوّر تحرير حلب، بأنه «كان سقوطاً نتيجة لحرب إعلامية» من قبلنا!
تصوّر هذه الماكينات الإعلامية الإمبراطورية كيف تحاول إخفاء كبوتها بسبب كذبها وفبركاتها!
الكلام يطول وقد أطلت عليك بالفعل، لكن أجدّد شكري وامتناني لكلّ ما تفضّلتم به من عبارات إيجابية عن «الميادين» وشخصي، وإن شاء لله عند عودتي من حيث أنا حالياً نتواصل على خير، وكلّ التوفيق سيدي العزيز.
غسان بن جدو