الطريق «المفخّخ» نحو هزيمة التطرف

روزانا رمّال

كلّ الذي عاشته المنطقة ومعها أوروبا في الـ 48 ساعة الماضية ينبئ بالكثير مما قد يترتّب على العالم بالمرحلة المقبلة، وكلّ ما جرى يتعلّق مباشرة بالتحوّل الجذري الذي عاشته منطقة حلب بعد تحريرها من الإرهابيين…

في سويسرا أطلق إرهابيّ النار على مصلّين في مركز إسلامي قرب محطة السكك الحديد في زوريخ. وفي المانيا عملية اقتحام لسوق يعيش الأجواء الميلادية بدهس شاحنة أدّى لمقتل 12 شخصاً وإصابة 50 على الأقلّ. وفي دمشق انتحارية صغيرة تدخل مخفراً للشرطة ويتمّ تفجيرها عن بُعد فيُقتل رجل أمن. وفي الأردن اشتباكات بين الإرهاب وقوى الأمن وضحايا في الكرك. أما في تركيا فاغتيال للسفير الروسي اندريه كارلوف، حيث المحطة الأكثر مشهدية ومفصلية.

أحداث توالت في أيام وساعات قليلة بعد تحرير حلب تحكي كلّها عن تغيّر في استراتيجيات القوى المتطرفة توقيتاً وإخراجاً، لكنها أيضاً تؤشر إلى أمور أساسية:

أولاً: إنّ توقيت العمليات المباغتة والسريعة بين «دقة تنفيذ» و»خصوصية أهداف»، كاغتيال السفير الروسي في تركيا تؤكد «إدارة» لا تزال تتحكّم بهذه المجموعات الإرهابية من وراء الستار. وهي إدارة أمنية استخبارية أقلّ ما يُقال عنها إنها منظمة ومترابطة، على تواصل وتشابك ملحوظين بين مراقبة الضحية والهدف وعلى تنسيق مباشر مع غرفة عمليات مشتركة لا تزال توحّد هذا الفكر الإرهابي في كلّ العالم، ولا تزال قادرة على «استنفاره» في أيّ لحظة، وهنا يحضر السؤال حول شكل تلك الإدارة وهويتها؟ وإذا كانت جرأة القوى المتطرفة قد وصلت لحدّ الاغتيال السياسي لسفراء دول كبرى مثل روسيا، فإنّ هذا يعني أنّ المخططين يفوقون مرحلة «التنظيم المحلي» في سورية، أو «التنظيم المتطرف»، لتصل الى دول وأجهزة أمنية قرّرت إرسال رسائل مباشرة للدور الروسي في المنطقة وحسابات المكاسب والخسارات ومن بعدها شكل العلاقة مع تركيا بالمباشر.

ثانياً: إنّ أخطر ما في الأمر هو ما أرادت تلك المجموعات إرساله، وهو أنها مجموعات لا تزال قادرة على تنفيذ عمليات في مساحات الدول كافة من دون محاذير أو قيود، وإنها مجموعات تحظى «بمؤيّدين» حول العالم مستنفرين لتنفيذ أيّ طلب قادر على الضغط في منطقة الشرق الأوسط وسورية تحديداً. بالتالي فإنّ مسألة التخلّص من الإرهاب في سورية لا تعني بالنسبة للمجموعات المسلحة تقويض عملائهم في الخارج، وفي أوروبا بشكل خاص، بل على العكس تعني المزيد من الجهوزية لتقديم اعتمادات للدول الراغبة في دعم مشروعهم في أيّ وقت وتقديم الطاعة والولاء للمشروع المتطرف «العقائدي» الذي ظهر على وجه مطلق النار في أنقرة على السفير الروسي.

ثالثاً: تبدو العقيدة القتالية حاضرة في ذهن مجموعة كبيرة من المسلّحين والإرهابيين الممتدّين حول العالم، وأنّ الأمر لا يتوقف عند حدود أمر سياسي فقط، فجزء من المجنّدين الإرهابيين لا يزالون يؤمنون بمفاهيم الدول الإسلامية المتطرفة وضرورة إنشائها كتكليف وواجب ديني وهو ما لا يمكن للسياسة أن تلغيه بالكامل، بالتالي فإنّ هذا يعني قلقاً مستمراً حتى بعد حلّ الأزمة السورية من متفرقات وعمليات إرهابية ستستمرّ في أيّ مكان بالعالم بين «انتقام واستمرارية»، وعلى هذا الأساس تطلب المرحلة المقبلة رفع الخطابات الوطنية على تلك العقائدية، خصوصاً في الشرق الأوسط ابتداء من تركيا فمصر وصولاً للسعودية وليبيا واندونيسيا وباكستان، وإلا فإنّ أيّاً من مساعي الدول التي تنخرط اليوم ضمن «بنود مؤتمر موسكو» الأكثر جدية منذ اندلاع الأزمة ستتخلّل نشاطها صعوبات جمة، وهذا يقع بشكل مباشر على الطرف التركي الذي وقع على البيان المشترك، حيث من المفترض أن يتوجه أردوغان نحو مزيد من العلمنة في الداخل والتخلي تدريجياً عن الخطاب الديني أو على الأقلّ العودة الى خطابات ما قبل عام 2010 على ما يشكله من زعامة روحية بالنسبة لعدد وازن من المسلمين في المنطقة.

يقول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنّ «اجتماع موسكو الذي عُقد يوم أمس بحضور إيران وتركيا وروسيا، أكد احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، والسعي لتمهيد وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري وبدء المفاوضات السياسية»…

هذا جيد بالسياسة، لكن لا يمكن تنفيذ بنود الاتفاق من دون معرفة مكنونات النظام السعودي تجاهه، وهو الأمر الذي راعاه الفريق الإيراني في الاجتماع، بالتالي فإنّ الخطاب المتطرف لن «يخفت» حضوره في العالم بدون مساعدة سعودية وتراجع يشبه ذلك الذي يكشفه النظام التركي بشخص أردوغان.

الطريق إلى هزيمة المشروع المتطرف حافلة بمطبات مقلقة على دول الجوار السوري والعراقي تحديداً. وقد يظهر هذا اكثر في مناطق كالأردن ولبنان بشكل أوضح، وبالحالة اللبنانية حيث لا تزال الثغرة الأمنية في عرسال والحدود مفتوحة فإنّ توقع عملية أمنية عاجلة ام آجلة بات منتظراً، ما يعني وجوب تكثيف الحذر والتماسك في القرارت الحكومية ورفع ملف مكافحة الإرهاب إلى أعلى مستوياته في الأجندة الجديدة للحكومة، وإلا فإنّ انكشاف البلاد بخلافات محلية هو فتحها أمام «الإرهاب» بعد مرحلة ناجحة من استقرار بات كسره تحدياً عند المجموعات الإرهابية، خصوصاً لدور حزب الله اللبناني المفصلي في القتال بسورية.

الطريق مفخخة لهزيمة التطرف، لكنها أيضاً «تُحمّل» الدول الكبرى مواجهة تبعات ما أنتجت هرباً من الانفجارات الكبرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى