الحريري يلتقي الوفود الإيرانية «انعطافة» ام «تمهيد»؟
روزانا رمّال
تحتم المسؤولية الجديدة التي تولاها الرئيس سعد الحريري عليه ممارسة مهامه بشكل سليم «بروتكولياً» ومنهجياً، فهو لم يعد رئيس تيار المستقبل «ظاهراً» ولا يمكن أن يتعاطى مع تطورات الأوضاع في البلاد والمستجدّات فيها ضمن اطار ضيق، وهي ربما أحد أبرز ما حال دون عودة الحريري للبلاد وتسلمه رئاسة الحكومة، فالصبغة السياسية «الحادة» التي انتهجها ربطاً بسياق إقليمي ودولي واضح المعالم تجاه الأزمة في سورية هو السبب.
بكل الاحوال لم يخفِ الحريري يوماً علاقته الاستراتيجية بالممكلة العربية السعودية ولم يخف ايضاً ان التنسيق بينهما بقي قائماً حتى في اصعب الظروف واغربها مثل الظروف الحالية لإدارة الملك سلمان الذي أحس فيها الحريري بـ«اليتم» بعد رحيل الملك عبدالله الذي كان قد خصه بوافر العناية خارج المملكة وفي داخلها، حسب المصادر، فالحريري كان مدللاً جداً في عهد «عبدالله» الذي خصص له من يهتم بأمنه الشخصي في آخر أيامه لحمايته ورعاية قصره في المملكة، خصوصاً بعد تورط الحريري سياسياً في الأزمة السورية وبعد انتشار الحركات التكفيرية. الامر الذي لم يعد موجوداً اليوم في ظل القيادة الجديدة للملك سلمان وأبنائه بل وابنه «محمد بن سلمان» وزير الدفاع في البلاد.
يحاول الحريري عند كل مناسبة تأكيد التأييد لكل سياسات الملك سلمان وتحسين شروط العلاقة بينهما، وهو نجح الى حد كبير بتأسيس علاقة طيبة مغايرة لتلك التي تحول بينه وبين ولي العهد الأمير محمد بن نايف على خلفيات عديدة، أبرزها موقف الحريري منه أمام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الشهيد رفيق الحريري.
. ربما كافح الحريري لـ«نيل» رضى هذه الإدارة، لكنه سلَفها الكثير من المواقف، بالرغم من «فظاظتها» معه وسحبها الدعم المالي له وانهيار «سعودي اوجيه» وما يملك بالرياض كثقل قادر على إعادة إحياء حيثيته السياسية، مما اضطر الحريري الى الإعلان عن إفلاسه علناً، إثر ترشيحه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية.
لم يكن اصطفاف الحريري في الأزمة السورية اصطفافاً عرضياً، بل كان أحد أبرز اللاعبين الأساسيين على خط محاور الدعم شمالاً وعلى الحدود مع سورية في أماكن التمثيل المستقبلي النافذ قبل أن تنشق الى فرق ومحاور انضم بعضها الى فريق الوزير السابق أشرف ريفي». قدم الحريري كل ما امكن لدعم القوى التي تعمل على إسقاط النظام السوري من الجهة اللبنانية مع اعتماد كامل للمملكة العربية السعودية جعل من مواقفه تجاه القضايا الخلافية بالمملكة «مؤشراً» على تطور الموقف السعودي منها. وعلى هذا الأساس كان من الصعب أن يتسلم الحريري مهام رئاسة الحكومة في أيام الأزمة السورية، فهو لم يكن أهلاً لتمثيل بلاده كما تتطلب منه المواقف وأصولها وعليه كان لا بد من مباركة المملكة لشخصية أخرى ضمن كنفها فكانت حصة الاسد للرئيس تمام سلام، فالحريري شخص غير «أهل» في ذلك الوقت على الوقوف محايداً والتصرف كرئيس لوزراء لبنان بمعزل عن إظهار مكنونات الموقف السعودي في حراكه السياسي.
لم يكن وارداً في السنوات الماضية أن يتسلم الحريري رئاسة الوزراء أو أن يتواصل مع المسؤولين الإيرانيين ويستقبلهم وكأنه حدث «عادي» فالعلاقات السياسية مقطوعة بين إيران والمملكة العربية السعودية التي قاطعت كل حلفاء إيران بالمنطقة وشنت عليهم هجوماً شديد الحدة، بدءاً بسورية وصولاً لحزب الله مع دفع غربي نحو إرساء أقصى العقوبات المالية والاقتصادية على كل من يثبت تعامله مع إيران في مناطق النفوذ السعودي وقد طال اللبنانين في الخليج نصيبٌ أكبر من القرارات التعسفية المرتبطة.
لم يكن وارداً أن ينسج الحريري علاقات جيدة او طبيعية مع الإيرانيين او يستقبلهم، كما يفعل اليوم. فهو استقبل أمس نائب وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية حسين جابر أنصاري في السراي الحكومي، وبحث معه التطورات في لبنان والمنطقة.
تعرف إيران أنها تلتقي بحليف سعودي، وتعرف السعودية أن حليفها يلتقي بخصمها اللدود بالخليج، خصوصاً في ذروة التصعيد باليمن فهل هي انعطافة حريرية تجاه إيران أم أن ما يجري تمهيد لمرحلة جديدة من العلاقة السعودية الإيرانية؟
يؤكد مصدر سياسي مطلع «للبناء « أنه ما من أدنى شك في أن المنطقة دخلت فجراً جديداً يتطلّب إعادة ترتيب مجمل العلاقات وان عودة الحريري رئيساً للوزراء واحدٌ من أبرز مؤشرات هذا التطور. فالرياض تدرك جيداً ان ترشيح الحريري الذي جاء بدعم او مباركة إيرانية بناء على ترحيب لحزب الله بطرحه مقابل دعم ترشيح عون، لكنها لم تتقدم نحو «عرقلته». بالتالي فإن المملكة استغلت الفرصة الذهبية ببناء جسر قادر على بناء ارضية في التقدم خطوة نحو أفق العلاقة الإيرانية السعودية فالأخيرة تحتاج الى نموذج وسطي آخر مشابه ذلك الذي في لبنان في «اليمن» وأنه لا مهرب من التفاوض بين وكلاء المملكة من اليمنيين وحلفاء الإيرانيين فيها «يضيف المصدر بالطبع أن ممارسة الحريري دوره بعيداً عن خلفيته «المستقبلية» وتوسيع دائرة لقاءاته بالإيرانيين، هو مؤشر على تمهيد سياسي ستتسارع وتيرته انطلاقاً من لبنان وإن كان بغير المباشر لحل مشاكل اثقلت كاهل السعودية كـ»الحرب» على اليمن ويختم «لوحظ في مؤتمر موسكو الذي ضمّ إيران وروسيا وتركيا حرص إيران على رعاية الموقف السعودي ايضاً».