لهذه الأسباب.. تركيا تتلاعب
معن حمية
ما يقوله المسؤولون الأتراك في غرف الاجتماعات مع الروس وآخرين، يشي بأنّ تركيا ليست بعيدة عن خيار استبدال نسق تحالفاتها الدولية، ولا يتردّد هؤلاء المسؤولون في عرض الأسباب الموجبة لحدوث مثل هذا التغيير، بدءاً من عدم قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وسيل الإدانات الأوروبية لعمليات الاعتقال والقمع والتنكيل التي مارستها السلطات التركية على خلفية الانقلاب الفاشل قبل أشهر عدة، وصولاً إلى الموقف الأميركي الذي يوازن بين علاقة أميركا بتركيا والعلاقة مع المكونات الكردية.
غير أنّ الأقوال التركية، وما يُطرح من أسباب لتصديق هذه الأقوال، لا تترجم في المواقف المعلنة، ولا في السلوك حيال العديد من المسائل، وتحديداً بما خصّ استمرار تركيا في تقديم الدعم الكامل للمجموعات الإرهابية التي هي من فصيلة «داعش» و«النصرة» نفسها، وإن لم ترفع يافطة أي منهما.
لذا، فإنّ أهمية انتصار الجيش السوري وحلفائه في معركة تحرير مدينة حلب، أنه يضع تركيا في موقع من اثنين، إما أن تكون دولة منفصمة في مواقفها وسياساتها وخياراتها، وإما هي دولة هزلية مخادعة وتتلاعب. وفي كلتا الحالتين، هي ليست محل ثقة ولا موضع احترام. لأن حتى دخولها على خط إخراج عناصر المجموعات الإرهابية من مناطق شرق حلب، لا يعني أنها لعبت دوراً إيجابياً، بل هو خيار الضرورة بالنسبة لها ولحلفائها، لأنّ معظم إرهابيي شرق حلب ليسوا من أصول سورية، ومنهم الأتراك وغير الأتراك.
كما أنّ ذهاب وزير خارجية تركيا إلى موسكو للاجتماع إلى نظيريه الروسي والإيراني، تحت عنوان التنسيق بشأن الأوضاع في سورية لا يُحتسب موقفاً إيجابياً، لأنّ هذا الأمر فرضته مفاعيل الانتصار السوري في حلب، وفرضه أيضاَ العمل الإرهابي الذي استهدف سفير روسيا لدى تركيا، وما أعلنه الوزير التركي حيال حزب الله، لا يؤشر إلى واقعية تركية، إنما يكشف حجم تداعيات انتصار حلب على تركيا.
ما هو مؤكد أنّ تركيا الأردوغانية لن تتخلّى عن دعم الإرهاب، لأنّ ما يربطها بالمجموعات الإرهابية المتطرفة رحم واحد، ولذلك، نراها تدفع بقواتها والمجموعات التي تعمل لحسابها من أجل السيطرة سريعاً على مدينة الباب السورية على غرار ما حصل في جرابلس ودابق وأماكن أخرى، لكن هذه المرّة تحرص تركيا على خوض معركة مع «داعش»، بعدما انفضحت حقيقة عملية التسلّم والتسليم بينها وبين هذا التنظيم الإرهابي، والغاية من وراء السيطرة على مدينة الباب هي الاستيلاء على مساحة الـ 5000 كيلومتر مربع، لتحقيق الهدف الذي أعلنه أكثر من مسؤول تركي وعلى رأسهم أردوغان بإقامة «منطقة آمنة»، إضافة الى تحقيق هدف آخر وهو تحقيق «إنجاز» يقلل من وهج الانتصار الذي حققته الدولة السورية في حلب.
إنّ انصياع تركيا لرغبة الولايات المتحدة الأميركية في تأمين خطوط ما يُسمّى قوات سورية الديمقراطية للاشتراك في معركة الرقة المتوقفة بفعل استخدام «داعش» في تدمر، هو نتيجة اتفاق بين واشنطن وأنقرة يتيح لتركيا تحقيق ما تسمّيه «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية.
وعليه، فإنّ كلّ ما يُشاع وما يُكتب عن إمكانية أن تلعب تركيا دوراً إيجابياً حيال سورية، أو أن توقف دعمها للمجموعات الإرهابية، مجرد أوهام.
الحقيقة هي أنّ تركيا تتلاعب.
عميد الاعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي