أهمية إدراج «الثلاثية» في البيان الوزاري
أسامة العرب
إنّ الاستقرار الذي تعيشه المناطق الحدودية الجنوبية هو نتاج التضحيات التي قدّمتها المقاومة والتي توّجت بتحرير عام 2000 وانتصار عام 2006، ومعادلة الشعب والجيش والمقاومة التي تشكل معادلة الردع وتوازن الرعب مع العدو، لكونها تضع حداً لأطماع الاحتلال الإسرائيلي ولعدوانيته وهمجيته، لا سيما أنّ الأخير لا يزال مغتصباً أجزاء من الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.
كما أنّ ميثاق الأمم المتحدة يقرّ بحق المقاومة ضدّ أيّ عمل عدواني يقوم به الاحتلال. وقد أكدت البنود الواردة في المادة الأولى من الميثاق حق الشعوب في المقاومة ومواجهة أيّ عمل عدواني ضدّ الإقليم. كما أنّ الميثاق يضمن لكلّ دولة تعرّضت لاحتلال أو لاختراق سيادتها الوطنية واستقلالها السياسي أن تفعل ما بوسعها لأجل استعادة تلك السيادة، وهذا ما أقرّته صراحة المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة التي تشير إلى أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة». وقد نوّهت بحق المقاومة كذلك العديد من القرارات والاتفاقيات الدولية، حيث جاء في المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أنّ «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها». وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3101 الصادر في 12/12/1972 في الدورة الثامنة والعشرين، للتأكيد على حق الشعوب الخاضعة للاحتلال بالتحرّر منه بكافة الوسائل، والقرار 3103 عام 1973، لتثبيت المبادئ الأساسية للوضع القانوني لمواجهة الاستعمار والسيطرة الأجنبية والتمييز العنصري. كذلك أصدرت الجمعية العامة القرار 1514 في 14/12/1960 الذي يعلن منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة. ويعتبر مبدأ تقرير المصير جزءاً من الالتزامات التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة.
كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من قراراتها بشرعية نضال الشعوب الرازحة تحت الاحتلال من أجل تقرير مصيرها، وأدانت الحكومات التي لا تعترف بحق تقرير المصير. وفي عام 1974 أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3214 حول تعريف العدوان وحق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من أجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، وبالتالي أجازت حق جميع الشعوب في العالم بالمقاومة المسلحة للاحتلال في سبيل تحرّرها منه. وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان، مراراً، شرعية القتال ضدّ الاحتلال بكلّ الوسائل المتاحة من ضمنها الصراع المسلح. وعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وأكدت في قرارها رقم 61/295، المؤرّخ في 13 أيلول 2007 إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية على أنه للشعوب الأصلية الحق في تقرير المصير.
وقد استقرّ القضاء الدولي على سمو مبادئ القانون الدولي على قواعد النظام القانوني الداخلي الدستوري منها والتشريعي، فقد أكدت على ذلك محكمة العدل الدائمة للعدل الدولي في قرارها بشأن قضية المواطنين البولنديين في دانزغ عام 1932، وفي قرارها بشأن قضية المصالح الألمانية في سيلزيا العليا البولونية، ولاحقاً سارت محكمة العدل الدولية على الفكر والنهج نفسهما، الذي عملت به محكمة العدل الدائمة، من حيث تأكيدها أولوية قواعد القانون الدولي، كقرارها الصادر بشأن قضية Nottbohem العام 1955 بين لينختنشتاين وغواتيمالا، فضلاً عن أنّ الغالبية العظمى من الفقه الحديث تسير على مبدأ سمو النظام القانوني الدولي على قواعد القانون الداخلي.
أيّ أنّ القرارات الدولية ثابتة لا تتغيّر، كما يُعتبر بعضها قواعد آمرة لا يمكن نسفها بقرارات جديدة، كما هو حال حق الشعوب في تقرير المصير والحصول على استقلالها. أما اليوم، وبعد مرور 15 عاماً على التحرير، فمن المؤسف أن نرى بأنّ العِبر بدأت تتلاشى عند البعض منا، وأنّ معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي مكّنت من هذا التحرير، ومن إخراج جيش العدو، الذي قيل إنه لا يُقهر، ذليلاً من وطننا واستعادة أول أرض عربية بالقوة، أصبحت بنظر البعض معادلة يمكن غضّ النظر عنها، في حين أنها المعادلة الأمثل لاستكمال تحرير ما تبقى للبنان من أراضٍ محتلةٍ صهيونياً. لا بل كيف يمكننا أن نقف بوجه حق المقاومة الشعبية بتحرير أرضها بذاتها، في حين أنّ المواثيق والإعلانات الدولية كافة تمنح شعبنا هذا الحق؟
إنّ أول ما يستحضرني في هذا الموضوع، أني كنت مع دولة الرئيس سليم الحص، ضمير لبنان، عندما صرّح إبان رئاسته للحكومة اللبنانية في العام 2000 أنّ حكومته التزمت نهج الدعم المطلق للمقاومة وطنياً وسياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً، إلا أنّ فضل التحرير يعود «للمقاومة وحدها» بما أظهرت من بسالة وبذلت من تضحيات وأظهرت من كفاءة، وهذا ما كان يُطلب مني أن أردّده دوماً عندما كنت أمثّله في المناسبات الوطنية. كما أذكر حينها كيف كان شعبنا الجنوبي الأبي تخفق قلوبه وتدمع أعينه اعتزازاً وفرحاً، عندما كان يستعيد أرضه المحتلة بفعل نضالات المقاومة الباسلة. ولهذا، فإنني أستغرب اليوم كيف يسعى البعض لإسقاط عبارة المقاومة من البيان الوزاري، في حين أنّ المقاومة هي تعبير صادق وطبيعي عن الحقّ الوطني للشعب اللبناني في استكمال تحرير أرضه والدفاع عن كرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الإسرائيلية. لا بل كيف يمكن لشعبنا أن يستكمل تحرير أرضه ما لم تكن مقاومته محصّنة داخلياً؟ أكثر من ذلك، فقد شكل يوم التحرير مفصلاً في سياق الصراع العربي – الإسرائيلي بما كان له من أصداء وتداعيات، أهمّها تغليب منطق المقاومة على منطق الحروب التقليدية. وجاءت حرب «إسرائيل» على لبنان في تموز عام 2006 في السياق عينه، وقام لبنان بتحقيق النصر على العدو من خلال تغليبه منطق المقاومة. فهل من المطلوب اليوم أن نتخلى عن هذا النصر الاستراتيجي، الذي قلب وجه الصراع العربي ـــ الإسرائيلي رأساً على عقب؟
من ناحية أخرى، فإننا نأسف بأننا بتنا في هذه المرحلة نعيش حالة قلق على المستقبل جراء ما نشهده من حالة انقسام وطني تتجلّى باصطفافات مذهبية وفئوية، نتمنّى أن تزول مع الاستحقاقات الانتخابية، ليتمّ التفرّغ لتحصين الوحدة الوطنية المستهدفة من المشروع الصهيوني الذي يهدّد المنطقتين العربية والإسلامية برمّتهما. كما أنّ على الحكومة الجديدة المسارعة باتخاذ خيارات وطنية هامة، في ظلّ وجود استحقاق انتخابي قريب، وشغور إداري مخيف، ومشاكل في قطاعَيْ الماء والكهرباء، إلى جانب الوضع الاقتصادي المترهّل مع وصول الدين العام لما يجاوز الـ 73 مليار دولار. وفي مقدّم تلك الخيارات، مساعدة المجلس النيابي في إقرار قانون النسبية وموازنة جديدة، وكذلك التمهيد للانتخابات النيابية وإقرار التعيينات الإدارية والأمنية وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ومراسيم النفط والغاز، ومساعدة العاملين في القطاعات الزراعية والصناعية، ومعالجة قضايا النازحين وتنظيم عمليات الإغاثة على نحو متوازن وعادل.
لكن بالأحوال كافة، يمكن القول بأنّ مبادئ القانون الدولي تكفل حق المقاومة ولا يمكن نقضها، ومهما حاول البعض أن ينقض هذا الحق، فإنه لن يصل إلى مبتغاه، ومهما كان مضمون البيان الوزاري، فستبقى المقاومة ضدّ المحتلّ هي الأصل في تحرير الأرض والدفاع عن الشعب.
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً