«السفير».. أكثر من غياب الحمامة البرتقالية!
نظام مارديني
يثير موضوع استعداد صحيفة السفير للخروج من المشهد الإعلامي اللبناني والعربي نهاية الشهر ، الكثير من الحزن والأسى، وهي لطالما كانت «صوت الذين لا صوت لهم» في العالم العربي الذي يُعطي حكامه حرية الرأي بـ «التقتير». كما يثير هذا الاستعداد للغياب الكثير من الإشكاليات التي تعاني منها الصحف في لبنان. وهذه الإشكالية لا تختصر فقط على التمويل بل تتعداها إلى كونها إحدى ضحايا التكنولوجيا الحديثة و«الثورة التقنية» التي أحدثت قلقاً في أوساط الصحافيين والمراسلين الذين رأوا أنفسهم فجأة على وشك فقدان وظائفهم أو عاطلين عن العمل، مثلما أحدثت هذه «الثورة التقنية» انقلاباً عند القراء والمتابعين الذين استبدلوا الصحف الورقية بالمواقع الإخبارية الإلكترونية.
من هنا ستبدو صورة الصحافة في العالم العربي كالحة، وكأنها تعكس بالتمام واقعه، وعطالة منظومته السياسية والثقافية، وضعف قدرات حُكّامه على تبني وحماية صحافة حرة صالحة لإطلاق منظومة حوار بين القوى والأحزاب العقائدية الكبرى القادرة على التعبير عن بيئاتها سورية الطبيعة ـ وادي النيل ـ المغرب العربي الكبير ـ الخليج العربي .. منظومة حوار بعيدة عن تلك الأوهام التي أصابت عالمنا العربي بالعجز.
من الصحيح القول إن الصحافة في لبنان التي واجهت مخاضاً عسيراً، كانت قد خضعت خلال سيرها للكثير من المعوقات والاهتزازات بسبب مواقفها السياسية، رغم ما شكله البلد من «نطاق ضمان للفكر الحر»، وكانت «السفير» الأكثر وضوحاً ودفاعاً عن قضايا أمتنا السورية وعالمنا العربي وعن اليسار قبل أن تصيب بعضه لوثة الأمركة . ولعل القضية الفلسطينية كانت في مقدمة القضايا التي حملت «السفير» رايتها لما شكلته من رافعة للنضال القومي والعربي، ولكن مع بدء العد العكسي لإغلاق هذه الصحيفة العريقة، واستعداد زميلتها «النهار» لكي تتحول موقعاً إلكترونياً، يكون لبنان قد بدأ يفقدَ صحيفتين لطالما شكلتا مدرسة للعديد من الزملاء والكتاب الذين تخرجوا منهما، ولعلّي كنت أحد الكتّاب الذي فتحت له «السفير» وقبلاً النهار أبوابها لتكون صوتي للعالم العربي مثلما كانت «البناء» صوتي للوطن السوري، وبطبيعة الحال لا تعارض بين «الصوتين» السوري والعربي، فلطالما كان الصوت السوري «صدر العالم العربي وسيفه وترسه».
مع إغلاق «السفير» ستبقى إشكالية الصحافة الورقية عالقة بين التشكيكات والتساؤلات والتطوّرات التي ستشهدها «السلطة الرابعة» خلال السنوات المقبلة، وهنا ليس اختفاء «السفير» من واجهة الأكشاك في لبنان والعالم العربي، إلا حلقة في انهيار منظومة ثقافية وقيمية شاركت في صنع دور لبنان كمنارة للإعلام والحرية.. وهي ستكون أولى حبات عقد السبحة لتكرَّ لاحقاً مع جرائد أخرى!
منذ سنتين خلصت صحيفة ليبراسيون خلال بحث عن مستقبل الصحافة الورقية، إلى أن عهد الصحف الورقية سيُطوى مثلما طُوي عهد القطار البخاري.. فهل تصبح «السلطة الرابعة» سلطة افتراضية الكترونية!؟
لنابليون: «أخاف من ثلاث صحف أكثر مما أخاف من مئات الآلاف من الطعنات بالرماح»!