موسكو وأنقرة ستضعان اغتيال السفير الروسي جانباً لمواصلة التقدّم نحو الحلّ السياسيّ في سورية
كتب تسفي برئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:
إنّ هوّية قاتل السفير الروسيّ في تركيا أصبحت أمراً هامشياً قياساً بالخوف من تدهور العلاقات بين الدولتين. فبعد بضعة أشهر من التئام الشرخ بين الدولتين في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني من السنة الماضية، أعلنت موسكو الرسمية أنّها تعتبر ما حدث عملية إرهابية. ولكن يبدو أنها لا تنوي إلقاء المسؤولية المباشرة على أنقرة أو إلغاء اتفاق المصالحة. ومع ذلك فهي تتوقّع إجابات على أسئلة صعبة.
كيف حدث أنّ رجل أمن تركيّاً، سواء كان حقيقياً أو وهمياً، يتبنّى ايديولوجيا فردية أو تنظيمية معادية لروسيا، نجح في التسلل إلى حاشية السفير؟ ولماذا لم يتم تفتيشه عند دخوله إلى المتحف؟ وكيف تجاوز رجال الاستخبارات الذين يتقصّون العمليات الإرهابية منذ أشهر طويلة. وكذلك الخصوم السياسيين ومنفّذي عمليات التصفية المحتملين.
لقد حدثت سبع عمليات شديدة في تركيا في عام 2016، آخرها كان العملية التي حدثت الأسبوع الماضي. وفي ما يتعلق بجميع العمليات يمكن طرح الأسئلة نفسها. ولكن إذا كان هناك من يتحمّل المسؤولية عن كلّ عملية، أو كان هناك عنوان واضح يمكن إلقاء المسؤولية عليه مثل حزب «العمال الكردستاني» أو «داعش»، ففي هذه المرّة ليس فقط أنه لا يوجد عنوان واضح، بل أيضاً هناك ملايين المواطنين أو اللاجئين في تركيا الذين يتوقون إلى الإضرار بروسيا.
إن العلاقات بين تركيا وروسيا علاقات باردة روسيا لم تقم بعد برفع العقوبات التي فرضتها على تركيا في أعقاب إسقاط الطائرة . وعلى رغم ذلك فقد نجحتا في إيجاد أساس معقول من التعاون في كلّ ما يتعلق بالأزمة السورية بشكل عام وبحلب بشكل خاص. وهذا التعاون هو الذي تمخض عنه اتفاق وقف إطلاق النار في حلب الأسبوع الماضي، الذي رغم أنه بدأ «بقتل المواطنين الهاربين»، إلا أنه استمرّ بشكل سليم نسبياً.
التقى في موسكو وزراء الخارجية ووزراء الدفاع لكلّ من روسيا وتركيا وإيران لمناقشة سبل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بشكل أكثر نجاعة. ومن أجل إمكانية خروج المواطنين المحاصرين والسماح بإدخال المساعدات الانسانية. وفي هذا اللقاء تمّ النقاش في مستقبل المفاوضات السياسية من أجل حلّ الأزمة السورية. ولم يعلن أيّ طرف من الأطراف عن إلغاء اللقاء بسبب حادثة اغتيال السفير الروسي. ويحتمل أن هذه الحادثة بالتحديد قد تساعد روسيا في الضغط على تركيا ودفعها إلى تليين موقفها من مستقبل الأسد. وقد أوضحت تركيا أمس أنها تعارض استمرار وجود الأسد مقابل مواقف إيران وروسيا الثابتة التي تعتبر الأسد مرساة حيوية للحفاظ على وحدة سورية وتعزيز تأثيرهما في المنطقة. ولكن موقف تركيا هذا جاء قبل اغتيال السفير.
وعلى رغم هذه المواقف المتناقضة، ويمكن بسببها، يبدو أن روسيا قرّرت منح تركيا عناقاً استراتيجياً عندما اعتبرتها شريكة في المفاوضات حول وقف إطلاق النار في حلب. ولكن هذه المفاوضات لم تشارك فيها إيران وسورية، وبسبب ذلك عانى وقف إطلاق النار من «الاعتداءات الإيرانية العنيفة» في اليومين الأوّلين. الشراكة مع روسيا حيوية بالنسبة إلى تركيا لكبح الأكراد في الحدود التركية السورية، وللحصول على صمت روسيا على تعميق دخول القوات التركية إلى سورية. وتأمل تركيا أيضاً الحصول على موافقة روسيا على إقامة مناطق آمنة تستطيع أن تضع فيها مئات آلاف اللاجئين الموجودين على أراضيها. وحتى الآن لم تتم إقامة المناطق الأمنية بسبب معارضة الولايات المتحدة التي تخشى من أن خطوة كهذه ستجعلها تتدخّل أكثر جوّاً. ولكن بعد انسحاب الولايات المتحدة فعلياً من الساحة السورية باستثناء الحرب ضدّ «داعش» فإنّ تحالف روسيا وتركيا يمكنه السماح بذلك.
تحتاج روسيا من ناحيتها إلى دعم تركيا للأسد، أو على الأقل الموافقة على بقاء الأسد كرئيس في الفترة «الانتقالية» حتى إجراء الانتخابات. إن موافقة كهذه تعني أن بعض الميليشيات المموّلة من تركيا، ومنها «الجيش الحرّ» الذي بدأ «التمرّد» ضدّ الأسد، سيطلب منها نزع سلاحها أو توجيهه إلى «داعش». وإذا تحقّق هذا الهدف فيبدو أن ميليشيات كثيرة ستوافق على وقف إطلاق نار شامل والبدء في المفاوضات السياسية برعاية روسيا. هذه هي لعبة الدومينو التي سعت إليها روسيا عندما جعلت حلب هدفاً استراتيجياً من الدرجة الأولى. وتسعى روسيا، ليس فقط إلى إيجاد واقع عسكري جديد، بل لإظهار الجيش السوري كقوّة وحيدة في الدولة.
والأهمّ من ذلك أن يكون هناك خطّ تركي ـ إيراني ـ روسي يتحدّث بلغة واحدة ويتبنّى شعاراً واحداً يقول «الشعب السوري يقرّر مصيره»، أي أن الأسد هو خيار. وكذلك موافقة واسعة على ذلك من «المتمرّدين» الذين تعرّضوا لهزيمة قاسية.
الاعتماد المتبادل بين روسيا وتركيا يلزم الدولتين وضع قتل السفير جانباً. وعدم تحويل ذلك إلى أزمة سياسية، بل استخدامه كرافعة لتحقيق الأهداف السياسية. وعلى الورق، من شأن الخطّة الروسية التركية أن تفتح الطريق المسدود سياسياً. ولكن حتى لو حدث كلّ شيء بناءً على ذلك، فستبقى تركيا مع مراكز الإرهاب غير المسيطر عليها والتي تعمل على أراضيها بشكل يحمل الكثير من التهديد.