سورية لك السلام
اياد موصللي
يُروى أنّ القائد المغولي تيمورلنك عندما فكر باحتلال دمشق أرسل رسله إلى المدينة لاستطلاع أحوال أهلها… ودراسة إمكانية مهاجمتها. ولما عاد الرسل قالوا له… لا تقدِم فالأمر صعب وخطير، فسألهم لماذا وماذا شاهدتم؟ فقالوا له دخلنا المدينة وخلال تجوالنا شاهدنا رجلاً يضرب ابنه فسألناه لماذا تضربه؟ فأجاب: أعطيته سهماً وطلبت منه أن يرمي به طيراً ويصيبه في عينيه ولما أطلق السهم أصابه في رأسه، لهذا ضربته لأنه لم يكن دقيقاً وأخطأ الهدف! توجهنا بعد ذلك إلى متجر لبيع الزيوت وطلبنا كمية من الزيت فأعطانا البائع قسماً منها ولما سألناه عن الباقي قال اذهبوا إلى جاري وخذوا بقية حاجتكم فلعلّه لم يبع شيئاً هذا اليوم، فذهبنا إلى جاره، وطلبنا كمية من الزيت فأعطانا نصفها ولما سألناه لماذا قال اذهبوا إلى جاري وأكملوا حاجتكم فلعلّه لم يرتزق اليوم! لذلك فإنّ قوماً هذا شأنهم لا يمكن أن ننال منهم…
تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع أخبار الموقف الميداني في الشام ومعارك حلب وثبات أهلها وبسالة جيش البلاد وطرد الدخلاء من الإرهابيين… وما أدلى به رئيس الجمهورية في الشام الدكتور بشار الأسد الذي قال:
«انّ تحرير حلب من الإرهاب ليس انتصاراً لسورية فقط، بل لكلّ من يسهم فعلياً في محاربة الارهاب».
وكذلك ما قاله السيد حسن نصرالله «انّ ما تحقق في حلب سببه التضحيات التي قدّمت من قبل الدولة والجيش والشعب في سورية، وبفضل المقاومين الذين كان لديهم العزم على الانتصار. فالانتصارات في سوريا هي نتيجة وجود قيادة وجيش وشعب وحلفاء ومقاومين أصرّوا على منع سيطرة داعش والنصرة على سورية».
عندما نكون في بيروت او ايّ بلد آخر ونتابع أخبار ما يجري في الشام وأرياف دمشق وحلب والمحافظات نتصوّر ونعتقد انّ ما يجري بداية لنهاية دولة وشعب ومفاهيم… قبيل تحرير حلب بفترة وجيزة زرت دمشق لإنجاز عمل مع إحدى المكتبات هناك…
جلت في الشوارع وجلست في المقاهي وركبت التاكسي وتحادثت مع الناس، فإذا ما أشاهده وأسمعه شيء وما تنقله الأخبار شيء آخر.
تشعر لدى دخولك البلاد أنك في دولة فيها حكومة تعمل بكلّ أجهزتها.. الشوارع معبّدة بشكل جيّد، عمال النظافة منتشرون في الشوارع، سيارات التنظيف الآلي تكنس الطرقات، الأجهزة الآلية الكترونية لمراقبة حركة السير وتصوير المخالفات والسرعة تعمل باستمرار، شرطة المرور منتشرة تعمل بكلّ دقة ليلاً نهاراً… المتاجر والباعة يضعون الأسعار على المواد المعروضة للبيع… تطرح على نفسك السؤال البديهي، هل معقول انني في بلد يخوض حرباً ضدّ تنظيمات إرهابية غزته من مختلف أنحاء العالم بآلاف الإرهابيين المدعومين من دول عربية وأجنبية، ومزوّدين بأحدث الأسلحة…
دخلت مقهى يدعى «الكمال» لأشرب «أركيلة»، جيء لي بها فسألت حاملها وهو يضعها أمامي ماذا يجري هنا؟ وأردفت أنا لبناني وأخشى أن يحدث شيء، فهل تنصحني بالعودة إلى بلدي…؟ وكنت أحاول بسؤالي استكشاف مكنونات الناس. وكم أدهشني جوابه، قال: عمي، أنا كردي سوري، وهذا بلدي وأنت غريبٌ هنا! أنت في بلدك، وكلّ ما تسمعه هو كذب وأخبار ملفقة، وهذا الذي تراه أمامك هو الحقيقة، وهذه دمشق أمامك تجوّل في كلّ مناطقها ترى ما فيها، نحن بألف خير وقيادتنا حيكمة وعادلة، والأمن يعمّ البلد وكلّ مواطن منا خفير ولا ترى نقاطاً أمنية فكلنا نحرس البلد وأنا بعد أن أترك عملي أعود إلى بيتي آمناً…
وفي اليوم الثاني تجوّلت في القصاع وركن الدين وجرمانا وكأنني سائح في بلد دخلته أول مرة لا بلد تشتعل فيه النار وتتساقط الجثث وتأكله الحرائق، كما كانت تنقل الإذاعات والفضائيات، مساءً، في منطقة الفيلات المتصلة بالمزة شاهدت أربعة شبان يقودون رجلين حاولا إحداث شغب وسلموهما للشرطة!
كلّ إنسان يتصرف وكأنه هو المسؤول عن أمن بلده وحمايتها… كلّ إنسان يثني ويشكر رئيس البلاد الدكتور بشار الأسد والكلّ يردد له الله، سورية، بشار وبس وهتافات وكأنها تردّدات دعاء، لا هتافات ولاء…
نداءات من الأرض إلى السماء تستنهض نجدتها لحماية البلد ورئيسه الذي يحبونه لأنهم مقتنعون بأنّ هذا الرئيس، يحكمهم بحزم القائد وعدل القاضي وحنان وليّ الأمر وعطف الراعي، مؤمنون بأنّ بلدهم مستهدف من الجميع.
أبناء قومهم قبل الأعداء والغرباء وأسفهم يعكس قول الشاعر:
وإن الذي بيني وبين بني عمي لمختلف جداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإنّ هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
هذا الذي شاهدته في سورية تركني في يقين أنّ لحمة الشعب والقيادة متينة راسخة، وأنّ الشعب السوري في الشام في مستوى عالٍ من الوعي والوطنية والإدراك، وأنه مصمّم على مواجهة كلّ المخططات التآمرية في الإعلام والسياسة بكافة الميادين. وأنّ جواسيس تيمورلنك سيعودون خائبين…
ويصحّ فيهم: «انّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ». وانه في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية التي تتكفل بإنهاض الأمة..
مكثت في دمشق وفي أدني صدى أصوات السوريين يردّدون:
سورية لك السلام سورية أنت الهدى
سورية حصن الأمان وسورية نحن الفدا