«عكاظ» الثقة… هل يستعيد الحريري رصيده اليوم؟
هتاف دهام
كاد النواب والصحافيون والمصوّرون أن يرتاحوا من عناء الحضور إلى المجلس النيابي اليوم. كادت العناصر العسكرية من جيش وقوى أمن أن تكون بمنأى عن الوقوف تحت المطر في ظلّ الجو البارد والعاصف.
تنفّس هؤلاء الصعداء أنّ المجلس النيابي سيُنهي جلسات الثقة بيوم واحد، لكن تلكّؤ عدد من النواب الممدّد لهم الغائبين عن الجلسة المسائية، أفسد الرغبات. رفض الكثير منهم النزول إلى بيروت مرة ثانية في اليوم نفسه، وإنْ كان تقاعسهم وكسلهم سيكون على حساب الموجودين تحت قِبة البرلمان، وإن كان النواب يتلفظون بكلمة قُبة البرلمان .
لا يتحمّل النواب المسؤولية فقط. رفض رئيس الحكومة سعد الحريري أن تنال حكومته ثقة أقلّ من تسعين صوتاً، حصل الشيخ سعد في العام 2009 على ثقة 122 نائباً من أصل 128. حصل الرئيس تمام سلام على ثقة 98 نائباً. لم يقبل أن تمنح حكومته ثقة شبيهة بثقة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي 63 صوتاً . أجرى بشخصه مشاورات مع كتلته. استدعى النائب عمار حوري إلى خارج القاعة بالإشارات. خرجا سوياً. حضر جانباً من المباحثات المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل، ونائب رئيس حزب القوات جورج عدوان.
كلّ ذلك لم يفض إلى نتيجة. كان الرهان على عودة النواب المتغيّبين عن جلسة بعد الظهر عند الاستدعاء، رغب رئيس المجلس إنهاء جلسة مناقشة البيان الوزاري أمس، لكن محاولاته باءت كلها بالفشل، ليعلن رفع الجلسة إلى الساعة 11 من صباح اليوم للاستماع إلى الرئيس الحريري والتصويت على الثقة.
حضرت كتلة المستقبل باستثناء 3 نواب الرئيس فؤاد السنيورة، زياد القادري، سيبوه قلباكيان غابوا بداعي السفر، أما النائب نضال طعمة فتلقى رسالة تدعوه الى النزول من عكار، لكن الأخير علم وهو في طريقة الى بيروت أنّ الثقة أرجئت إلى اليوم.
في مقلب حزب القوات، كان النائب انطوان زهرا أكثر المتحمّسين لإنهاء الوضع بالتي هي أحسن، معتبراً أنّ من لم يأت إلى المناقشة أمس فلن يتعب نفسه في المجيء للتصويت. أجرى وزميله الـ «عدوان» اتصالين هاتفيين بالنائبين فادي كرم وإيلي كيروز. رفض نائبا الكورة وبشري الطلب.
في الأصل الكتل السياسية لم تحشد نوابها الى البرلمان. بدأت الجلسة بحضور 88 نائباً ليتدنّى العدد في الجلسة المسائية إلى نحو 70 نائباً.
الغياب كان سيد الموقف. أدلى مَن حضر بدلوه فقط للاستثمار انتخابياً وغادر. لم تأتِ كلّ المداخلات بجديد يُبنى عليه. خطابات فضفاضة اجترارية «عكاظية». تهافت نواب غالبية الكتل عليها بعدما كان مقرّراً أن تُحصر بنائب عن كلّ كتلة. التزم تيار المستقبل بالصيغة المتفق عليها وكذلك اللقاء الديمقراطي، لينشب خلاف بين النائبين إبراهيم كنعان وألان عون. أصرّ النائب عون على طلب الكلام بعد أن رأى زميله فريد الخازن يعتلي المنبر. التباين بين النائبين العونيين الذي رافقه رفع الصوت عالياً، استدعى عاجلاً تدخلاً من عراب إعلان النيات وزير الإعلام ملحم رياشي، ففضّ الإشكال بسرعة. تراجع عون من دون أن يتراجع النواب سيمون أبي رميا وكنعان ونعمة الله أبي نصر الله ويكتفوا بكلمة زميلهم الكسرواني.
تمّ الاستماع أمس، إلى كلمات 22 نائباً. كرّر أصحاب السعادة مواقفهم من الفساد، الموازنة، الحسابات المالية، سلسلة الرتب والرواتب، السيادة، القضاء، رفض الستين الملعون في الظاهر، ومواصفات قانون الانتخاب المرتقب بين نسبي كامل أو نسبي جزئي. مواقف، أدلوا بها خلال مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس سلام، وربما خلال جلسات نيل حكومتي الحريري وميقاتي. لكن المفارقة الوحيدة تكمن أنّ القوى السياسية هذه المرة، رغم تناولها العناوين نفسها، لم تبغ افتعال مناكفات. الوجهة العامة كانت وجهة التهدئة والمساكنة والنأي بالخلافات جانباً.
عكست الجولة الصباحية أجواء باهتة فسّرتها أجواء التهدئة وغياب الرؤى الاستراتيجية والمقاربات الرؤيوية المحيطة بالتعقيدات اللبنانية. تميّزت المداخلات بمقاربات مرحلية تسووية في أكثريتها، هدفها إدارة المرحلة المقبلة من دون مشاكل. كان الملل مرسوماً على وجوه النواب والوزراء معاً باستثناء الوزراء سليم جريصاتي، بيار رفول وبيار أبي عاصي. كان الثلاثة منكبّين على الإصغاء إلى الكلمات، وتسجيل الملاحظات.
تحت سقف التوافق، أتت كلمة كتلة المستقبل. جاء اختيار النائب سمير الجسر ليتلوها، لما يتمتع به من عقلانية في الخطاب والحوار. لقيت الكلمة أصداء إيجابية عند الحلفاء والخصوم، أشاد بها رئيس المجلس النيابي لما تميّزت به من توازن ورسم خريطة طريق لحكومة استعادة الثقة.
خرقت كلمة النائب خالد الضاهر وهجومه على الرئيس الحريري وسجاله مع النائب رياض رحال، الضجر المملّ، ما أضفى جواً من السخرية. استُفز رحال من توجيه النائب العكاري سهامه نحو الرئيس الحريري، قاطعه، فهو يعرف بيت القصيد متوجهاً إليه بالقول: «إنت خرمان حتى تصير وزير»، فردّ الضاهر قائلاً: «واحد مثلك بكون خرمان على وزارة. أنا أكبر منك ومن أي وزارة. واحد خرفان مثلك ما بيطلعلو يحكي معي وما بشرّفني وزارات مثل وزارتك»، كما تضمّن كلام الضاهر الذي وجهه الى رحال عبارات نابية قليل أدب، سكّر تمّك، أهبل طلب رئيس مجلس النواب شطبها من محضر الجلسة.
يدلّ ما حصل على مشكل موجود، أسس حله لم تعالج، بغض النظر عن طبائع الشخصين، أكثر مما له علاقة بمن يمثلان. هجوم الضاهر على الرئيس الحريري مردّه أنه لم يُوزّر، جوهر القضية أنّ النائب الشمالي عاد إلى بيت الطاعة الحريري على أمل توزيره. حين لم يحصل على حقيبة عاد وانقلب على بيت الوسط. علماً أنه كان يطمح لإقامة تحالف مع التيار الوطني الحر في عكار، لكن تفاهم البرتقاليين مع الحريري أطاح حساباته كلها.
بدا لافتاً أنّ النائب الضاهر لديه هامش استقلالية عن التيار الأزرق. يشكل الجناح المتشدّد في الساحة السنية. وجّه سهام النقد لحزب الله، إلا أنّ البارز أنّ كتلة الوفاء للمقاومة تعاطت مع الأمر، وكأنها لم تسمع شيئاً حرصاً على ترك مناخات ايجابية، وإنْ كان النائب علي عمار قال في مداخلته «من يُساجلنا يصغر ومن نُساجله يكبر».
وليس بعيداً عن جو «الولدنة» رفض رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الحديث قبل كلمتَي رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والنائب عدوان. طلب الرئيس بري مناداته من خارج القاعة لإلقاء كلمته في الجولة المسائية، لكنه اعترض طالباً أن يكون آخر المتكلمين، فحزبه، الوحيد المعارض في البرلمان.
وبعد جدل، أعلن النائب رعد سحب كلمته حتى يستقرّ «الدور» على النائب القواتي. تململ العدوان قليلاً لكنه عاد وسلك طريق المنبر بعد تدخل بري بقوله «إنّ الجميّل سجل كلمته بعدك».
حاول نائب الشوف أن يعيد التذكير باختلاف القوات مع حزب الله، لكنه أظهر الأمر بطريقة مرنة ومنفتحة تمهّد لحوار مع حارة حريك. لم يعلق نائب من نواب الوفاء للمقاومة على الكلام. اكتفوا بالاستماع والهمس بين بعضهم. لم تحدّد عند حزب الله أية سياسة جديدة تجاه معراب، صحيح أنّ البلد على عتبة مرحلة جديدة من الحوار، لكن حتى الساعة لا يعلم أحد كيف سينعكس ذلك على علاقة القوات والحزب.
أنهى عدوان كلمته وجلس على كرسيه صاغياً لكلمة حليفه في 14 آذار النائب الجميّل. تحدّث الأخير ارتجالياً مشبوباً بالغضب. اعتبر أنّ الحكومة هي حكومة ذات لون فاقع في إشارة الى 17 وزيراً لفريق 8 آذار والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية. 17 وزيراً تتناقض سيادتهم مع «سيادة» الكتائب. لكن السؤال يبقى لو وافقت القوى السياسية على إعطائه حقيبة خدمية، ما الذي كان سيحصل؟ هل يفتح ملف النفايات وغيره، ويتحدث عن رفض الخطأ، ثم التماشي معه، فالسير به؟ ماذا عن مشاركته في الحكومة السلامية؟
طرحت مداخلة رئيس الكتائب إشكالية كبيرة تتطلّب تفسيرات. إشكالية تضع ملاحظات على متطلبات خطابه. يريد «الجميّل جنيور» الاصطدام مع الحكومة. تطرّق الى ملف المقاومة والسيادة وتدخل حزب الله في سورية بطريقة غير مباشرة، علماً أنه يراهن وبقوة على تزخيم الحوار معه في المرحلة المقبلة. دعا نائب بكفيا الى إعادة النظر بالنظام السياسي، لكونه بات مهترئاً وغير صالح. أشار الى لامركزية الدولة وكأنه يقصد بالنظام السياسي الجديد اللامركزية السياسية.
وكانت الجلسة بدأت بملء الشواغر في مكتب المجلس وفي عضوية اللجان الدائمة بسبب التوزير، حلّ النائب وائل أبو فاعور في أمانة سرّ المجلس بدلاً من الوزير مروان حمادة بالتزكية. كما حلّ النائب نبيل دو فريج مكان الوزير جمال الجراح في لجنة المال والموازنة وحلّ بدلاً من الوزير الجراح النائب كاظم الخير في لجنة الأشغال العامة والنقل والنائب زياد القادري في لجنة المرأة والطفل وفي لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين حلّ النائب فادي كرم بدلاً من النائب أحمد فتفت. حلّ النائب كاظم الخير بدلاً من الوزير محمد كبارة في لجنة الزراعة والسياحة. حلّ النائب عقاب صقر بدلاً من الوزير معين المرعبي في لجنة الزراعة والنائب أكرم شهيب بدلاً من الوزير مروان حمادة في لجنة الزراعة رئاسة وعضوية وحلّ في لجنتي الاقتصاد والإعلام النائب سيرج طورسركيسيان مكان الوزير جان أوغاسبيان وحلّ النائب نبيل دو فريج في لجنة الاقتصاد بدلاً من الوزير أوغاسبيان.
ولفت الرئيس بري قبل البدء بتلاوة البيان الوزاري إلى بعض الأخطاء، خصوصاً العبارة التي تقول في المناطق التي نتنازع حولها مع العدو «الإسرائيلي»، فأصبحت في «المنطقة الاقتصادية الخالصة»، كما جرى تصحيح بعض العبارات التي حصل حولها خطأ في البيان الوزاري.