مخاض روسي تركي إيراني لهدنة سورية يصطدم بالخلاف حول القوى والسقف ثقة شبه الإجماع السياسي 87 صوتاً للحكومة… وقانون المختلط «المختلط» يتقدّم
كتب المحرّر السياسي
سدّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري ضربة للعنتريات «الإسرائيلية» حول الصراع مع الفلسطينيين ومستقبل التسويات في المنطقة، بينما كان يسدّد آخر ودائع تفاهمات واشنطن وموسكو حول الشرق الأوسط بعد فشل الحرب على سورية، والتي تتشكل من مثلث يتصل بالتفاهم حول الملف النووي الإيراني والتسليم بإيران نووية، وتفاهم حول أولوية الحرب على الإرهاب في سورية والتسليم بمكانة الرئيس السوري بشار الأسد في هذه الحرب، وصولاً لكيفية تفادي انفجار الصراع العربي «الإسرائيلي» مجدّداً مع خروج سورية متعافية وإيران قوية وتعاظم قوة حزب الله، وفي ظلّ تموضع روسي عسكري يوفر قدراً من الحماية العالية لسورية، من دون أن يردع مخاطر حرب ستدفع «إسرائيل» ثمنها غالياً، ما لم تكن قد سلكت طريق تسوية تستند إلى القرارات الدولية، وهو ما أطلق مضمونه كيري أمس، في مؤتمر صحافي أثار هستيريا «إسرائيلية».
تترك إدارة الرئيس باراك أوباما للرئيس القادم إلى البيت الأبيض دونالد ترامب حقائق الفشل في الحروب، ومضمون الشروط التي سيكتشف استحالة تخطيها للذهاب في الانخراط بتفاهمات مع موسكو، وثلاثية ملفات إيرانية سورية فلسطينية عليه أن يسلكها أو يختار المواجهة مع موسكو، واستطراداً حرباً مع إيران وسورية والمقاومة، وملاقاة العنتريات «الإسرائيلية» الحمقاء بحماقات مشابهة.
موسكو التي تنتظر تسلم ترامب وإطلاعه مع أركان إدارته على الحقائق التي ترسم المشهد في الشرق الأوسط تمضي في مساعيها لتأسيس شراكة مع إيران وتركيا كمرجعية ثلاثية لحل أمني وسياسي في سورية. والمخاض الصعب الذي تحاول موسكو وأنقرة كسره بإنجاز وقف عاجل لإطلاق النار لا يزال يصطدم بعقبات جدية من عيار التمسك التركي بضم الجماعات الكردية المسلحة في سورية إلى تصنيف الإرهاب، واستبعادها عن المسار السياسي، مقابل ضبابية لا تزال تحيط بهوية الجماعات المسلحة التي نجحت تركيا بجلبها إلى تفاهم موسكو الذي جمعها مع روسيا وإيران، ومضمونه أولوية الحرب على الإرهاب وسقوط أولوية إسقاط النظام، والسقف السياسي الرمادي المتفق عليه وفقاً لمعادلة ترك الشأن السوري للسوريين، لا يبدو كافياً مع ترداد أنقرة مواقف عدائية للرئيس السوري، يقطع طريق نجاحها في التصرف كوسيط، خصوصاً أن سقف أي حل سياسي يبدأ من وجهة نظر موسكو وطهران، من قبول حكومة في ظل الرئيس الأسد تمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية.
لبنانياً، توجت حكومة شبه الإجماع السياسي مسيرتها بنيل ثقة المجلس النيابي بسبعة وثمانين صوتاً، لا تعكس سوى شعور الأطراف المشاركة بأنها ذاهبة لتفاهمات لن تكون الأرقام فيها ذات معنى، كما في حال التجاذبات، إلا بالحدود اللازمة للإقلاع الميسر للحكومة، طالما أن الرقم لا يعبّر عن سياسة تعطيل عند الأطراف الفاعلة.
يتقدم مجدداً قانون الانتخابات النيابية وسط معلومات تقول إن نهاية الشهر المقبل ستشهد إحالته إلى المجلس النيابي لإقراره، وأن صيغاً متداولة للقانون المختلط على اساس انتخاب نصف النواب وفقاً للنظام الأكثري على أساس القضاء ونصفهم الثاني على أساس المحافظات وفقاً للنظام النسبي، كما تتضمن نسخة رئيس مجلس النواب نبيه بري من القانون المختلط، وأن توزيعاً مختلفاً للنواب على النصفين يجري التفاوض بشأنه بين الكتل، لضمان التمثيل الذي يجعل الإجماع عليه ممكناً، انطلاقاً مما تضمنه التوزيع المعتمد في صيغة القانون المختلط لثلاثي حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.
ثقة للحكومة بـ87 نائباً
بـ87 نائباً نالت حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية ثقة المجلس النيابي بعد جلسة عقدها المجلس أمس، دامت قرابة العشرين دقيقة، لكن لم يحُز الحريري على ما كان يصبو إليه من أغلبية نيابية عارمة حرمه إياها تغيّب النواب المسيحيين المستقلين والتزام نواب آخرين من كتل مختلفة بمواعيد سفر وتزامن عطلة الأعياد مع انعقاد جلسات الثقة. فقد نالت حكومة الحريري عام 2009 ثقة 122 نائباً، بينما حازت حكومة الرئيس تمام سلام على 98 صوتاً فضلاً عن التفاوت في عدد النواب الذين منحوا الحكومة الثقة وبين مَن سموا الحريري لتأليفها.
ومقارنة مع المدة الزمنية التي احتاجها تأليف الحكومات السابقة وصياغة البيانات الوزارية ونيل الثقة، تكون حكومة العهد الأولى قد حققت سرعة قياسية في اجتياز المراحل الدستورية بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ويكون العهد الجديد قد قدّم هدايا متتالية للبنانيين بمناسبة الأعياد على أن يبقى الامتحان الأصعب والأهم أمام الحكومة العتيدة هو إنجاز بيانها الوزاري وفي مقدّمه قانون انتخاب جديد، فهل تتوج المناخات السياسية الإيجابية السائدة بهدية قانون انتخاب الى الشعب اللبناني المتعطش للتغيير؟
وقبيل التصويت على الثقة ردّ الرئيس الحريري على النواب في ما خصّ البيان الوزاري، وقال: «إن الحكومة وضعت في بيانها الكلام الذي ينعكس داخل مجلس النواب من أجل الوصول الى قانون جديد للانتخاب». وحيّا «الجيش والقوى الأمنية»، مؤكداً أن «الحكومة ستتابع قضية الأسرى من أجل عودتهم إلى أهاليهم». وأضاف: «سنأخذ بالجزء الأكبر من ملاحظات النواب وهواجسهم التي نقلوها أمس». ثم نالت الحكومة الثقة بـ87 صوتاً، من أصل 92 مقترعاً، فيما حجب عنها الثقة 4 نواب وامتنع واحد.
وبانتظار انتهاء الأيام القليلة الفاصلة بين نهاية العام الحالي واستقبال العام الجديد، يعقد مجلس الوزراء فور نهاية عطلة الأعياد الأربعاء المقبل جلسته الأولى بعد نيل الحكومة الثقة في قصر بعبدا وستبحث في الملفات المالية والاقتصادية. ومن المرجح أن تتطرق الى مسألة قانون الانتخاب، لكن لم يحدد بعد جدول أعمالها.
المستقبل: مع أيّ مختلط إذا وحدنا المعايير
وأوضحت أوساط نيابية في تيار المستقبل لـ»البناء» أن «انخفاض عدد النواب الذين منحوا الثقة لحكومة الحريري مرتبطة بعطلة الأعياد وسفر بعض النواب ولا رسائل سياسية تقف خلف ذلك، بل الحكومة حصلت على ثقة أغلب الكتل النيابية باستثناء كتلة حزب الكتائب، والأهم هي ثقة الكتل وليس عدد النواب منفردين». ولفتت الى «غياب نائبين من كتلة المستقبل». وأشارت الأوساط الى أن «الحكومة لا تملك عصاً سحرية لحل كل الأزمات بين ليلة وضحاها، بل طرحت أولويات لها علاقة بالموضوع المالي والاقتصادي الهم الأساسي لدى اللبنانيين وللرئيس الحريري أيضاً إضافة الى قانون الانتخابات»، وأوضحت أن «التوجّه في الموضوع المالي هو الى إقرار مشروع الموازنة وإرسالها الى المجلس النيابي لإقرارها وبتحقيق ذلك تكون خطوة أساسية وتعبّر عن بداية حلول للأزمات ودليل على أن الحكومة ستكون منتجة». وأعربت المصادر عن استعدادها للسير في أي قانون انتخاب يتمّ التوافق عليه، موضحة أنه «في حال تم توحيد المعايير للقانون المختلط سنصل الى صيغة ما بين القانونين المختلط المقدم من القوات والاشتراكي والمستقبل وبين قانون الرئيس نبيه بري». ودعت الى «الإسراع في إنجاز هذا القانون لاستغلال الوقت لإطلاع وتحضير إدارات الدولة والمواطنين على تفاصيله لإجراء الانتخابات بأسرع وقت ممكن».
هل يُدفن «الستين»؟
وقالت مصادر سياسية لـ»البناء» إن «السرعة بتأليف الحكومة وصياغة بيانها الوزاري ونيل الثقة نتيجة التوافق السياسي الموجود بين القوى السياسية»، وأشارت الى أن «الحكومة تأخذ قوة الدفع من العهد الجديد ومن رئيس الجمهورية الذي يمثل كل اللبنانيين، لكن كل ما شهدناه من حراك وتقدم وخطوات مطلوبة لمصلحة البلد لن تؤدي الى إعادة بناء المؤسسات والى التغيير والإصلاح من دون إقرار قانون انتخابات جديد تكون النسبية أساساً فيه».
ورجحت المصادر حصول توافق بين الأطراف السياسية على صيغة تجمع بين القوانين المختلطة الأكثري والنسبي ، ولفتت الى أن «موافقة التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون على أي صيغة وفقاً للقانون المختلط لا يعني التنازل عن قانون النسبية الكاملة التي نادوا به منذ سنوات».
وقالت مصادر مقربة من الرئيس عون لـ»البناء» إن «عون يدعم كل ما يتم التوافق عليه بين القوى السياسية لجهة قانون الانتخاب، لكن الأهم وفقاً للمصادر هو طرد قانون الستين من الحياة السياسية وأن أي قانون جديد يدفن الستين الى غير رجعة ويدخل ثقافة النسبية ويعمل على إنجاح هذه التجربة، يحقق نقلة نوعية ويضع البلاد على سكة جديدة ومقدمة لاعتماد النسبية الكاملة عندما تتوافر الظروف السياسية والوطنية الملائمة». واعتبرت المصادر نفسها أنه في ظل رفض قوى عدة للنسبية الكاملة بات المختلط هو القانون المتوافر أو العودة الى الستين الأمر الذي يرفضه الجميع». وتوقعت المصادر أن يصار الى «تمديد تقني للمجلس الحالي ريثما يتم إقرار القانون والتحضير لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة».
عون: كل الدعم للأجهزة الأمنية
وأعرب الرئيس عون عن كامل دعمه للمؤسسة العسكرية، بقوله أمام وفد من قيادة الجيش برئاسة العماد جان قهوجي الذي زاره مهنّئاً «أنتم رمز السيادة والإستقلال، والجيش يقمع الشغب ولا يقمع الشعب. وراءكم شعب يدعمكم وإلى جانبكم قيادة سياسية توفر لكم الحصانة والدعم اللازم». وتوجّه على التوالي أيضاً الى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة الذين زاروه مهنّئين على رأس وفد من مديرياتهم، بالقول «تضحياتكم أمنت الأمن والاستقرار، وسنوفر لكم الدعم اللازم لتطوير إمكاناتكم، والاستقرار أكبر رأسمال لنا».
وفد روسي في بيروت
في غضون ذلك، وغداة منح الحكومة الثقة وتسارع التطورات الميدانية في سورية لا سيما تحرير مدينة حلب، وصل إلى بيروت، أمس، وفد من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي للقاء الكتل السياسية واستطلاع آرائها في التطورات الحاصلة في المنطقة، وتحديداً في سورية.
وزار رئيس لجنة العلاقات الخارجية قسطنطين كوساتوف ونائب رئيس اللجنة زياد سبسي وأندريه كيمكوف وعضو لجنة الدفاع الكسي كونداراتيف والسفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بحضور النواب علي عمار، حسن فضل الله وعلي المقداد.
وأوضح بيان للكتلة، أن «البحث تناول العلاقات البرلمانية والتطورات في لبنان والمنطقة وخاصة في سورية، في ضوء المستجدات الأخيرة».
وأكد رعد «أهمية العلاقات الثنائية والتعاون المشترك وأهمية الدور الروسي في سورية لمكافحة الارهاب الذي يستهدف المنطقة، وجدد تعازيه لروسيا، قيادة وشعباً، بالسفير الروسي في تركيا وبضحايا الطائرة الروسية التي سقطت في البحر الأسود».
وبحث وفد مجلس الشيوخ الروسي، في بيت الوسط، مع وفد من كتلة نواب تيار المستقبل برئاسة النائب عاطف مجدلاني وعضوية النواب: عمار حوري، باسم الشاب، محمد الحجار وأمين وهبة، آخر تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة، والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تفعيلها على مختلف الصعد.