اليمن… لا تكونوا شركاء في مشروع التدمير والتمزيق
هشام الهبيشان
في وقت ما زالت فيه أصداء العدوان السعودي الأميركي على اليمن، تأخذ أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، عادت من جديد قوى العدوان لتكثف عملياتها في الشمال اليمني، رغم فشل جميع هذه العمليات. هذا الفشل ومحاولات التعويض بالميدان، من قبل أطراف العدوان، بدأت تأخذ، بمجموعها، مسارات عدة، على صعيد مواقف وخلافات مكونات هذا الحلف العدواني وأدواته في اليمن. وهنا يلاحظ كلّ متابع لما يجري في اليمن، كيف بدى بشكل واضح، أن تداعيات الحرب العدوانية على اليمن، بدأت تأخذ مسارات خطيرة جداً. وبهذه المرحلة، لا يمكن لأيّ متابع لمسار تحركات الحرب العدوانية السعودية – الأميركية على اليمن، أن ينكر حقيقة أنّ هذه الحرب بطريقة عملها ومخطط سيرها، ستجرّ المنطقة بكاملها إلى مستنقع الفوضى والاحتراب. والكلّ يعلم، أنّ المستفيد الوحيد من التداعيات المستقبلية لهذه الحرب، هو الكيان الصهيوني. ومع كلّ هذا وذاك، ما زالت طبول حرب قوى العدوان تقرع داخل حدود اليمن، براً وبحراً. وطائرات «الناتو الخليجي» تغطي سماء اليمن. والقصف يستمرّ والجوع يستمرّ ويموت أطفال اليمن ونساؤه ورجاله. ونستعدّ بفضل وبركة «ناتو الخليج» لحرب مذهبية تقسيمية جديدة، مسرحها الجديد هو اليمن.
في هذه المرحلة، يبدو واضحاً أن تداعيات العدوان السعودي – الأميركي على اليمن، بدأت تلقي بظلالها على الوضع المأساوي والمعيشي بالداخل اليمني. فاليوم جاء المشهد اليمني ليلقي بكلّ ظلاله وتجلياته المأساوية، واقعا جديدا على الواقع العربي المضطرب، فيظهر إلى جانب هذا المشهد العربي المضطرب واقع المشهد اليمني بكل تجلياته المؤلمة والمأساوية، التي ما زالت حاضرة منذ اندلاع الحرب العدوانية السعودية – الأميركية على الشعب اليمني، قبل ما يقارب العام وتسعة أشهر. وفي آخر تطورات هذا المشهد، استمرار فصول هذا العدوان العسكري على الأرض، تاركاً خلفه آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى ودمارا واضحاً وبطريقة ممنهجة، لكل البنى التحتية في الدولة اليمنية.
وبالتزامن مع مشروع تفتيت وتدمير وتقسيم اليمن، الذي يتمّ اليوم من خلال هذه الحرب الشعواء عليه وهو الذي «يعاني أكثر من 80 في المئة من أهله من فقر وضنك الحياة. ومع كلّ هذا وذاك، ما زالت كرامة وعزة الشعب اليمني مضرب مثل لكلّ من عرف هذا الشعب»، فقد لاحظ جميع المتابعين كيف أطلّ علينا في الفترة الأخيرة، بعض من يدّعون أنهم فلاسفة الإعلام ومنظرو التحليل الفوقي، الذين يدّعون أيضاً، أنهم مثقفون عرب وما هم إلا أصحاب عقول وأفكار ضحلة. هؤلاء الذين يقرأون الواقع وفق ما يشتهون ووفق ما يرسمون في مخيّلاتهم، لكسب شهرة أو لبيع ذمة. فهؤلاء عندما يروّجون لاستمرار الحرب على اليمن، ألا يعلمون أنّ نتائج ومكاسب هذه الحرب ستكون على حساب دماء الأبرياء وجثث الأطفال ودموع الثكالى. وهذا إنْ دلّ على شيء فهو لا يدلّ إلا على غباء وحمق يعيشه هؤلاء البعض؟
الأهم اليوم، هو أن ندرك أنّ هذه المرحلة وما سيتبعها من مراحل دقيقة، من تداعيات الحرب العدوانية على اليمن، تستدعي بكلّ تطوراتها وأحداثها، من الجميع أن يقفوا وقفة حق مع ضمائرهم. وأن لا يكونوا شركاء في مشروع التدمير والتمزيق والإجهاز على هذه الأمة، فالحدث الجلل وعدوان »ناتو الخليج» الشامل على اليمن، يستدعي حالة من الصحوة الذهنية والتاريخية عند كلّ العرب والمسلمين، فالمرحلة لم تعد تحتمل وجود مزيد من الانقسام والتفتيت والتمزيق لهذه الأمة جغرافياً وديمغرافياً. وهذه دعوة إلى النظام السعودي، الذي يجرّ اليوم المنطقة والأمة بكاملها، نحو الانتحار التدريجي، لكي يتعقل بأفعاله ويقرأ الواقع بحكمة ومنطق، لأنّ الاحتكام إلى التصرفات الانفعالية وردود الفعل المتسرّعة لا تجدي نفعاً، بل تعود بالوبال على أصحابها قبل غيرهم. ونحن اليوم، كما كنا دائماً، نتمنى أن يكون دور السعودية في العالمين العربي والإسلامي، دوراً قائداً ومركزاً للمواقف التاريخية المنقذة للأمة. لكن الواقع هو أنّ العدوان السعودي على اليمن، كسر آخر الرهانات على الدور الذي كنا نتمنى أن تلعبه السعودية في المنطقة.
ختاماً… يمكن القول إنّ المشهد اليمني يزداد تعقيداً مع مرور الأيام. ولقد أسقطت حرب «ناتو الخليج» الأخيرة على اليمن، الكثير من الأقنعة التي لبسها البعض من العرب، كذباً ورياء وتملقاً، أحياناً. وأحياناً أخرى، بهدف تحقيق بعض المصالح الضيقة والسعي إلى اكتساب شعبوية كاذبة مزيّفة. فالبعض ذهب مرغماً إلى هذه الحرب، لارتهانه لمشروع ما، أو بهدف الانتفاع الشخصي. والتفاصيل تطول هنا ولا تقصر. ففكرة «الناتو الخليجي» الجديد وأن يكون اليمن هو الساحة الأولى لاختبار نماذج نجاحات هذا «الناتو الخليجي»، فكرة حمقاء بكلّ المقاييس. وستكون لها نتائج كارثية وتداعيات خطيرة على المنطقة، كلّ المنطقة.