الحديث عن «داعش» والعين على سورية…
د. إبراهيم علوش
ثمّة ما يريب في طريقة إدارة الولايات المتحدة لملف «داعش» التي يفترض أنها تمتلك أكثر قليلاً من ثلاثين ألف مقاتل، مما لا يحتاج إلى قوى أربعين دولة، ولا إلى ثلاث سنوات، على ما رشح عن خطة أوباما لمواجهة «داعش»، إنما يصب مثل هذا التهويش الإعلامي الأميركي ضد «داعش» في جيبها تماماً لأنه يؤكد مزاعمها أن القوى الكبرى وحليفاتها احتشدت فور «إعلان دولة الخلافة» لمحاربة الإسلام أي أنه تهويش يقوي «داعش» ويزيد من صدقيّتها لدى الجمهور الذي تستهدفه، ويزيد بالتالي من التعاطف معها ومن عدد الراغبين في التطوع في صفوفها، بالتلازم مع ضربات عسكرية غير موجعة، ولا تقصم الظهر حتى الآن، تعزز من صدقيّة ذلك التهويش أمام الجمهور العربي والإسلامي.
تقوم استراتيجية الرئيس أوباما لمواجهة «داعش»، التي أعلن عنها في خطابٍ في ذكرى أحداث 11 سبتمبر، على أربع دعائم: 1 الضربات الجوية المنهجية وملاحقة «داعش» في العراق وسورية، 2 دعم القوات العراقية والكردية وتأسيس «حرس وطني» في المناطق العراقية السنية، وتقديم المساعدة العسكرية إلى «المعارضة السورية»، وتأكيد رفض التعاون مع النظام السوري في مواجهة «داعش» أو الاعتراف بمشروعيته… وصولاً إلى حل سياسي، 3 شن حملة لمكافحة «داعش» استخبارياً وإعلامياً ومالياً ودولياً، 4 الاستمرار في تقديم المساعدة الإنسانية إلى اللاجئين والمدنيين.
أضاف أوباما أن هناك تعاوناً جارياً مع ائتلاف عريض من الشركاء الذين يشاركون الولايات المتحدة حالياً في الطيران فوق العراق، وبتقديم الدعم إلى القوات العراقية وإلى «المعارضة السورية»، وبالتعاون الاستخباري، وبمليارات الدولارات من الدعم الإنساني.
كذلك أكد أوباما أنه لن يقبل بتورط القوات الأميركية على الأرض، رابطاً الحملة الجوية الأميركية بتقدم القوات العراقية والكردية الميداني. لكن في ظل التواصل الجغرافي المفتوح في الاتجاهين بين مناطق «داعش» في سورية والعراق، كيف يمكن عسكرياً أن تنجح استراتيجية أوباما في القضاء على «داعش»، لو افترضنا جدلاً قدرة القوات العراقية والكردية على دحرها في وسط العراق، من دون إطباق مقابل لفك الكماشة عليها من الجهة السورية؟ وهل يوجد من يقدر على ذلك فعلياً غير الجيش العربي السوري؟! أم أن المطلوب أميركياً احتواء «داعش» في العراق ودفعها إلى نقل الاتجاه الرئيسي لهجومها إلى الداخل السوري؟ وهل جاء تدمير وحدة من القوات الخاصة السورية لجسر «السياسية» في دير الزور، الذي كانت تستخدمه «داعش» لنقل الإمدادات الثقيلة والكبيرة بين العراق وشرق سورية، كضربة تكتيكية محسوبة جيداً لعرقلة مثل ذلك المشروع؟
التطور الآخر في الموقف الأميركي إزاء «داعش» لا يتعلق بمحاربتها بل بالانقلاب على اتفاق الكيماوي مع لافروف قبل عام تماماً عندما تراجعت الولايات المتحدة عن ضرب سورية مقابل تخليها عن أسلحتها الكيماوية. لكن الآن أعطت إدارة أوباما نفسها «الحق»، بجرة قلم، وتحت غطاء تحالف دولي، بقصف سورية وبإرسال قوات خاصة إليها بذريعة مكافحة «داعش». كما أنها تجاوزت خطاً أحمر كان موضع خلاف في الإدارة الأميركية نفسها هو تسليح العصابات المسلحة في سورية التي أكد أوباما أنه سيقدم إليها دعماً عسكرياً كبيراً لتكون وزناً مقابلاً لـ»داعش» وللنظام السوري الذي يرفض أوباما الاعتراف بمشروعيته في أي حل سياسي. إنه تصعيدٌ للحرب على سورية، سوف يزيد من تعقيد الأزمة السورية ويبعد احتمالات حلّها من المدى المنظور.
بالطبع، لم يكن التراجع عن اتفاق لافروف-كيري حول الكيماوي ليتم بمثل هذه البساطة لولا الحرب الكونية الأخرى التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا بذريعة أوكرانيا. فثمة حملةٌ ضروس يشنها الأميركيون والأوروبيون وحلفاؤهم لـ«كرسحة» عناصر القوة الروسية الأساسية: شركات النفط والغاز والشركات العسكرية الروسية، في استهداف استراتيجي تحت غطاء عقوبات ساهمت حتى الآن في إضعاف الروبل بمقدار 14 في المئة مقابل الدولار منذ بداية عام 2014. يضاف إلى ذلك انخفاض أسعار النفط الذي ساهم فيه انتقال الولايات المتحدة وكندا لإنتاج النفط من الصخر الزيتي بكثافة. فإذا رفع الحظر المفروض على تصدير النفط الأميركي إلى الخارج منذ أربع عقود تقريباً، فإن أسعار النفط سوف تستمر في الهبوط مع زيادة العرض، ما سيزيد الضغط على الاقتصاد الروسي والإيراني المعتمد إلى حدٍ كبير على تصدير النفط والغاز.
ربما تبدو روسيا هنا منشغلةً بمعركتها الأوكرانية عن سورية، وقد تكون على استعداد لتسكين الملف السوري موقتاً ببعض التنازلات، مثل قبولها بالقرار 2165 قبل شهرين الذي سمح بإدخال المساعدات الدولية «عبر خطوط النزاع» في سورية من دون إذن من الدولة السورية، غير أن المشهد العام يعكس زيادة التوتر والصراع بين روسيا والولايات المتحدة، وهذا لا بد من أن يصب في مصلحة سورية على المستوى الاستراتيجي، مع تجاوز روسيا وأميركا قيود اللياقة الدبلوماسية والتحول إلى مواجهة مفتوحة باتت سورية بشكلٍ متزايد إحدى ساحاتها.
تتحدث واشنطن عن «داعش» وعينها على سورية، وقد تبنت رسمياً تسمية «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، التي تكرّرت في خطاب أوباما عشرين مرة، بدلاً من «الدولة الإسلامية في العراق وسورية»، ما يحمل معاني تتجاوز سورية. وواشنطن تؤكد، في الآن عينه، أنها ستزيد دعمها للعصابات المسلحة في سورية التي لا تختلف زمرة دمها عن زمرة دم «داعش»، والتي تضم غير سوريين أيضاً، ما استفز مصر، وأنها ستجعل المعركة طويلة المدى وبطيئة، لكي لا يتمكن محور المقاومة في المنطقة من الإفادة البتة من أي إجراءات تتخذها ضد «داعش»، ولذلك عملت واشنطن على حلحلة التناقض بين محور قطر-تركيا من جهة، ومحور السعودية-الخليج من جهة أخرى، ولعل النقطة الأخيرة هي العنصر الأهم في التحالف الإقليمي الذي شكلته الولايات المتحدة بذريعة «داعش»، فهو سياسياً حلفٌ ضد محور المقاومة لا «داعش»، فلا بد من أن ندينه وأن نقاومه بلا هوادة.