التحالف الدولي المخروق تركياً ـ قطرياً…!
محمد ح. الحاج
لم تكن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بحاجة إلى ذرائع كالتي ارتكبها «داعش» بحق الصحافيّين الأميركيّين جيمس فولي وستيفن سوتلوف وعامل الإغاثة البريطاني ديفيد هاينز ، فمن المتوقع دائماً أنّ الكلاب عندما تبلغ درجة التوحّش تفتك بأصحابها أو أبنائهم، وإذ يتبلور على ساحة العالم تحالف دولي تحيط به عشرات إشارات الاستفهام شعاره محاربة الإرهاب بعد تصنيف «داعش» و»النصرة» وتوابعهما من منظمات إرهابية، لكنه تحالف مخروق بأجلى صوره من قبل دولتين تدوران في الفلك الأميركي… هما تركيا وقطر!
يوماً بعد يوم يتأكد للجميع أن «داعش» صناعة أميركية وأنّ الخليفة صنيعة الاستخبارات المركزية الأميركية، الشهادة الأولى من داخل البيت الأميركي، وهو ما ورد على لسان وزيرة الخارجية السابقة السيدة هيلاري كلينتون، أما الثانية والتي تؤكد كلام السيدة الأميركية هي شهادة الشيخ نبيل نعيم الذي يُعتبر الرجل الثالث في تنظيم «القاعدة»، وهو أكد على ارتباط الخليفة بالاستخبارات الأميركية وقدّم أدلة وبراهين تؤكد ما يقول، وبيّن أنّ «داعش» هو خرق لتنظيم «القاعدة» يعمل لمصلحة أميركا ومهمته الأساسية ضرب قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، والانتقال إلى سورية لمعاقبتها على موقفها الداعم للمقاومة العراقية إبان الاحتلال الأميركي وسماحها للمقاتلين بعبور الحدود إلى العراق لقتال الجيش الأميركي المحتلّ، والذي خرج في النهاية مهزوماً تحت شعار الانسحاب، وتبيّن أنّ الذين اعترضوا على نظرية المؤامرة كانوا من الواهمين، أو المخدوعين، أو الراغبين بالتستر وطمس الحقائق، ولا شك أنّ المخدوعين كانوا الأغلبية، فلا ثورة حرية، ولا مطالب إصلاح حقيقية.
تركيا المتمرّدة!
تروّج بعض وسائل الإعلام أنّ تركيا تتمرّد على القرار الأميركي وتغرّد بعيداً عن سرب التحالف الدولي، وهي بذلك تخرق هذا التحالف علانية، والحقيقة أنّ التحالف وهمي وأهدافه المعلنة غايتها التضليل واستهلاك الزمن، وتصويب مسار المؤامرة التي ربما خرجت عن الخطة الموضوعة لها، أما أن تعلن تركيا دعماً مكشوفاً لما يسمّونه فرع «القاعدة» رغم الحظر الدولي فهو أمر مشكوك فيه، ما تعلنه الولايات المتحدة الأميركية له أهداف أهمّها كسب الرأي العام الدولي، بالأحرى الداخلي بعد تصفية صحافيين أميركيين ما أثار الرأي العام الأميركي والغربي، تلا ذلك تصفية عامل الإغاثة البريطاني، مع ذلك فإنّ الهدف الذي لم يتحقق حتى الآن رغم ما لحق بالدولة السورية، بنياناً ومجتمعاً واقتصاداً، وهو إسقاط النظام لغايات عبّرت عنها كلينتون، وأكدها الشيخ نعيم، فإنّ عملية التحايل على القرارات الدولية تبدو واضحة بإعطاء الضوء الأخضر للحكومة التركية لأداء الدور القذر الذي لا تريد أميركا لعبه حفاظاً على دورها الواجهة، والمؤكد أنّ الحكومة التركية تستطيع التمرّد على الحليف أياً كان، لكنها لا تستطيع التمرّد على المايسترو الأكبر الذي تصدر عنه التعليمات والذي يلتزم حتى الرئيس أوباما بتنفيذها من دون تردد، مع الحفاظ على خطاب يتناقض والحقيقة المبطنة، لكن الأرجح من وجهة نظر أخرى أنّ مطلب التدخل الأميركي في سورية من دون التنسيق مع الحكومة السورية سيكون لصالح «داعش» المتراجعة باتجاه الداخل السوري… أي إعادتها إلى حظيرة الطاعة لاستكمال مهماتها، ورفض التنسيق الأميركي مع الدولة صاحبة الأرض سيكون الذريعة التي يغطي بها الأميركي ضرب قواعد ومناطق تواجد الجيش السوري تحت مظلة الخطأ لفتح الطريق أمام وحدات «داعش» بعدما تزوّدت بأحدث الأسلحة الأميركية واستولت على عتاد فرقتين كاملتين من الجيش العراقي… الضربات الأميركية في العراق لا تتعدّى أطراف المناطق التي يتواجد عليها التنظيم بقصد توجيهه الوجهة المرغوبة، الصفعة الجانبية على رقبة الحمار تدفعه إلى تغيير اتجاهه في المكان والزمن المناسبين.
حرب على كلّ الجبهات!
الحدود السورية مع دول الجوار تمتدّ آلاف الكيلومترات، والجهد العسكري السوري كان يتركز في مواجهة العدو الصهيوني في الوقت الذي اقتصر تجاه كلّ من الأردن وتركيا على مجموعات صغيرة أغلبها من حرس الحدود، وبدرجة أقلّ على الحدود العراقية لاتساعها ونسبة الأمن على الجانبين جيدة لأسباب موضوعية، أما باتجاه لبنان فقد كان الوجود العسكري أفضل بسبب قربه من الحدود الفلسطينية المحتلة، ووجود الكثير من المواقع العسكرية كقواعد أساسية للوحدات المتمركزة في مواجهة الأرض المحتلة، وقد ساهم هذا الواقع بفتح الأبواب واسعة أمام تسلّل المجموعات الإرهابية عبر الأراضي التركية بدعم من حكومتها التي اتخذت موقفاً معادياً لتنفيذ الدور المرسوم لها، وبدرجة أقلّ عبر الحدود الأردنية بضغوط من السعودية، ويبدو أنّ القراءة الأولية للحراك الذي بدأ من درعا وانتقل إلى حمص ومناطق أخرى لم يكن كافياً لاستشراف ما وراء الأكمة، وارتكز في المعالجة على حزمة من الإصلاحات في حينه، لم تكن هي المطلوبة كما أصبح واضحاً، أما تطوّر الأوضاع طبقاً للمشروع المعادي فقد أخذ منحى حرب شاملة على امتداد الجبهات جميعها، وشكل عبئاً على الجيش السوري حيث فرض عليه التنقل كردّ فعل على فقدان قواعد ارتكاز في مناطق لم يكن متواجداً فيها أصلاً لطرد العصابات، ولم يكن ردّ الفعل هذا متناسباً مع طبيعة المخطط المعادي المدعوم عبر شبكة استعلام واسعة، واستخبارات متعدّدة الجنسيات، ورقابة أقمار التجسّس إضافة إلى الاختراق الداخلي للبنية الاجتماعية، ويبدي كثير من المحللين الدوليين دهشتهم لهذا الصمود الأسطوري مرجحين سقوط أية دولة مماثلة، وربما تملك قدرات أكبر لو تعرّضت لما تتعرّض له سورية على مدى أكثر من سنوات ثلاث ونيف.
قطر والدور المشبوه!
قيل في الدور القطري الكثير، ومن التبريرات أنّ قطر معنية بالمشروع الغربي لخط الغاز المنافس للخط الروسي القائم والذي يمدّ أوروبا بالطاقة، ومنع إنشاء خط يمتدّ من إيران عبر العراق إلى شواطئ المتوسط، ويبدو أنّ رفض سورية الأولي للخط القطري وموافقتها على العرض الإيراني الذي لا تعترض عليه روسيا، إضافة إلى أسباب متعدّدة أخرى، ولأنّ قطر مجرّد حصان على رقعة اللعبة ولها دور محدود، التزمت به، وربما جزء من إبراز دور قطر هو تهميش محلي للسعودية، فقد أصبحت لاعباً على رقعة المنطقة، ووسيطا مفروضاً شبه مقبول ضمن أوساط سياسية معروفة كانت تدين بالولاء للسعودية، لكنه البرنامج الأميركي، والأموال القطرية الفائضة لعبت دوراً طبقاً لنظرية أكبر مركز للأبحاث يديره الثعلب الصهيوني كيسنجر، وفي الفترة الأخيرة تمّ تكريس هذا الدور لتمويل العصابات الإرهابية وتسديد رواتبها بطريق موارب هو الفدية، بحيث تظهر قطر أمام العالم أنها المضحية، على أنها ليست مموّلة لهذه الجماعات أما الحقيقة فهي العكس، وأما الدفعة التالية فستكون فدية العسكريين اللبنانيين المخطوفين، إضافة إلى توفير ممرات أو مناطق آمنة للمجموعات المسلحة، وهي اللعبة المكشوفة، لكنها مقبولة في بعض الأوساط، وترتفع الأصوات مباركة هذا الدور تكيل الثناء والمديح لشيخ الإمارة الذي لا يخطو خطوة من دون إيعاز أسياده.
الخرق المفاجئ للتحالف!
موقف الكنيسة البريطانية يحرّم مهاجمة سورية لقدسيتها، وقد أقرّه مجلس العموم البريطاني ويمنع الحكومة البريطانية من المشاركة مع القول إنّ من يهاجم أرض المسيح المقدسة إنما يحفر قبره بيده، هو موقف لا يلقى الارتياح في الأوساط الصهيو ماسونية، وجاء متقدماً على موقف الكرسي الرسولي في روما، وقد يتبادر إلى الذهن أنه جاء مخرجاً حتى لا تتورّط أميركا في حرب لا تعرف نهايتها، ربما تتطوّر إلى حرب عالمية لما لسورية من أهمية استراتيجية مع تجاوز القداسة الدينية التي لو أخذ بها العربان الذين يقودون «الإسلام» وقرأوا ما أوصى به الرسول الكريم بشأنها لما تورّطوا في التآمر عليها وقتل شعبها واستهداف جيشها، ونسوا الجزء الأهمّ منها وهو الأرض الفلسطينية المعتصّبة وما فيها من مقدسات.
سورية، حكومة وشعباً في موقع لا تحسد عليه، رغم أنه موقف يستحق التقدير والإعجاب، ونهاية المعاناة لا تظهر بوادرها في الأفق، فلا محاربة الإرهاب جدية، ولن تقبل حكومة الظلّ العالمية أن تخسر فرس الرهان داعش ، والأرجح أنّ المعركة طويلة، وقد تتضاعف معاناة الشعب لدرجة يقارن فيها اليوم التالي بما سبقه، خسائر بمئات المليارات، إنتاج صناعي معطل، وإنتاج زراعي في حدّه الأدنى، هبوط في قيمة النقد يقابله ارتفاع في أسعار المستوردات، هي حرب أشدّ شراسة من حرب المدافع والبنادق، حرب تطال مقومات حياة المجتمع بدءاً من الأطفال حتى العجائز، هو قدر الشعب السوري المتمسّك بأرضه، بسيادته، بعدم الرضوخ لمشيئة الأعداء… شعب هذه سماته، لا بدّ أن ينتصر بعد الصبر والمعاناة.