المحمود لـ«البناء»: النساء بعد الحرب روافع التقدّم والتطوّر لأيّ مجتمع
دمشق ـ آمنة ملحم
حين يُستباح جسد المرأة عبثاً من دون رحمة أو أدنى شعور بالخوف. وحين تخرج الروح منها وهي حيّة حيث لا مفرّ لها سوى الألم والدموع. أنت هنا إذاً تقف لا محالة أمام سطوة حرب تكون الأنثى الخاسر الأكبر فيها، أمّاً وزوجة وأختاً وصديقة وحبيبة.
لم تكترث آلة الحرب يوماً باختراقها كلّ حدود الإنسانية، ولم يكترث أيّ ممّن يديرونها بأجساد تُمزَّق وأنفاس تحترق على قارعة الطرقات، التي بات طينها مرويّاً بدماء أبناء بلد النور. هكذا هي الحرب، وهكذا هي الحياة في سورية التي لوّثها ضجيج الموت وملأتها آهات الثكالى واليتامى ودموع الملوّعات ألماً وحرقة على فراق أحبّة تزداد أعدادهم يوماً بعد آخر. هكذا هي حال سورية، وهذا هو الوجع السوري. وجع صنعت منه الإعلامية فاديا محمود شريطاً وثائقياً بخمسين دقيقة، وحمّلته العنوان الصريح «وجع»، حاملاً صدى عبارة ردّدتها أمّ شهيد في الفيلم: «هو شهيد قدّم روحه لأنه ابن المرأة السورية».
«وجع» قُدّم على مسرح دار الأوبرا في دمشق في ختام فعالية احتفالية «ورد» التي نظّمتها الجمعية الخيرية للتنمية المستدامة على مدار ثلاثة أيام، حاملاً معه أوجاع نساء سوريات قدّمن أنفسهن أو أبنائهنّ وأفراداً من عائلاتهن قرباناً لسورية الجريحة، وصمدن رغم كلّ الآلام لتبقى سورية الأمّ صامدةً شامخةً لا تركع.
شارك كورال «ألوان» بقيادة المايسترو حسام الدين برومو في ختام الفعالية وقدّم لوحات عن الطفولة والشام والسلام.
حضر الفعالية مار أغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، ووزيرة الشؤون الاجتماعية السورية ريما القادري ووزير السياحة بشر يازجي، وعضو القيادة القطرية خلف المفتاح، مع عدد من أعضاء مجلس الشعب والشخصيات السياسية.
وفي كلمة لرئيس مجلس إدراة الجمعية القسّ رياض جرجور ألقاها أمين سرّ الجمعية لؤي أوسي نيابة عنه، هنّأ أهالي سورية وقائدها وجيشها بتحرير حلب التي عانت ويلات حرب شنّتها عليها مجموعات إرهابية وتكفيرية، واستطاع الجيش مدعوماً بالشعب الصامد والمقاوِم تحريرها، وهذه علامة مشرقة لبدء الانتصارات على الفكر الظلاميّ، ولتستعيد سورية سلامتها ومكانتها المرموقة في العالم العربي.
وتابع: تسعى الجمعية في نشاطاتها إلى المساهمة في رفع المعاناة عن أهالينا الذين نزحوا وتشتّتوا وتهجّروا وألمّت بهم المشقاّت بسبب الجماعات المسلّحة، وفي مقدّم أهدافنا لمّ الشمل وتمكين المرأة لبناء المجتمع ورعاية العائلة وترسيخ الانتماء بالمواطَنة، يتبعه ولاء كامل للوطن من دون تمييز عنصريّ أو عرقيّ أو طائفيّ.
بدورها، أكّدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريما القادري في تصريح صحافيّ أن المرأة السورية لها اسمها على مرّ العصور ووجودها وتاريخها، وأنّ الأزمة طاولت حقوقها وإنسانيتها، لكنها استطاعت الخروج عن نمطية الأنثى الاعتيادية، والتأقلم مع الأزمة، وأن تكون أكثر إنتاجاً وأكثر تأثيراً إيجابياً، سواء على عائلتها أو ابنها أو زوجها أو أيّ من أفراد عائلتها. ولكننا في الوقت نفسه رأينا الإرهاب الذي لا قيم أو أخلاق لديه، كيف أهان كرامة المرأة السورية، لكنّها نهضت من خضمّ الأذى النفسيّ والجسديّ الذي تعرّضت له، وستخرج أقوى وسنكون جميعاً معها ليبقى اسم المرأة السورية ناصعاً كما يجب أن يكون.
من ناحيتها، أدلت الإعلامية فاديا المحمود بتصريح إلى «البناء» لفتت فيه إلى أنها حاولت في فيلم «وجع» تصوير حال المرأة السورية قبل الحرب، ومعاناتها خلال الحرب، مبتعدةً عن نمط الصورة الضعيفة للمرأة والوقوف عند الدموع، فالنساء بعد الحرب هنّ روافع التقدّم والتطوّر لأيّ مجتمع.
ونوّهت محمود بأنّ الأطفال والنساء هم الضحايا الأضعف خلال الحروب والصراعات. لكنّ فيلم «وجع» أظهر المرأة السورية المناضلة والصامدة التي تدعم الرجل في معركته ضدّ كلّ من يحاول العبث بأمن سورية. فالمرأة السورية هي أمّ الشهيد والجريح، وأختهما، ولن تكون بعد الحرب كما كانت قبلها، بل ستتجاوز الثغرات التي كانت موجودة سواء في المجتمع أو في القوانين، مستشهدة بكلمة لفاتح جاموس وردت في الفيلم «نتمنّى في المستقبل إلغاء المفهوم الأنثويّ من أيّ صراع سياسيّ».
وفي حديث إلى «البناء»، أوضحت المديرة التنفيذية في الجمعية مجد رداونيان أن الجمعية تعمل منذ أربعة أشهر على مشروع المواطَنة مع مجموعة من الشبّان والشابات الذين خضعوا لورش عمل متعدّدة حول المواطَنة والعنف القائم على النوع الاجتماعيّ، والمسرح التفاعلي، لذا أرادت الجمعية تجسيد تلك الورش على الأرض فخرجت بثلاث فعاليات أطلقوا عليها اسم مبادرة «ورد».
وعن تسميتها «ورد» أشارت رداونيان إلى أن التسمية جاءت من فكرة تشبيه المجتمع بالباقة التي تضمّ أفكاراً ونسيجاً مختلفاً، ولكن لو جمعت بطريقة صحيحة تعطي الفكر السليم والسلام الذي نسعى إليه، ومفهوم المواطَنة الذي تسعى الجمعية إلى نشره عبر مشاريع للشباب والأطفال، ومشاريع تنيمة مستدامة. متمنّيةً عودة الأمن والسلام إلى الوطن كلّه بهمّة الجيش العربي السوري.