«أم عباس»: والدة الرفيقين الشهيدين عباس وسعيد حماد والشهيد الذي لم يستشهد عبدالهادي حماد
في نبذات سابقة تحدثنا عن الرفيقين الشهيدين عباس 1 وسعيد حماد 2 وعن شقيقيهما الشهيد الحي الرفيق الاعلامي عبدالهادي حماد الذي حقق حضوراً اعلامياً جيداً في الأردن.
في كتابه الممتع، والغنيّ بالمعلومات، يتحدث الرفيق الأديب الصحافي، المربّي والمناضل اياد موصللي عن الرفقاء المذكورين آنفاً وعن والدتهم المميّزة التي كانت تستحق لفتة تكريمية من الحزب ووساماً، تقديراً لجبروتها ولمواقف العز والكبر والعنفوان، التي طبعت كلّ تصرفاتها في فترات عصيبة عندما تعرّض ولداها للاعتقال وللاستشهاد.
من كتاب الرفيق اياد موصللي هذه الاضاءات تحت عنوان زيارة «أم عباس» لعبد الهادي، يروي الرفيق موصللي في الصفحتين 126 و 127، التالي:
« الانحطاط مؤلم، الدناءة حقارة من أي جهة أتت، البطل عبدالهادي حماد الذي نام على يقين أنّ شقيقيه عباس وسعيد استشهدا قتلاً فوجد في ذلك تعبيراً عن العقيدة والإيمان بها وبالزعيم وتقبّل ذلك بشجاعة. هذا الرجل نوديَ عليه في اليوم الثاني لمقابلة مدير السجن الضابط قاسم عبد الصمد فذهب بخطى الرجال، وبعد قليل عاد دامعاً كئيباً، يرتجف من الحنق والغضب، وما ان رآني حتى غمرني الى صدره وألقى رأسه على كتفي وانهمرت دموعه. استغربتُ الأمر وقلقت، وكذلك كان موقف كلّ من رأى هذا المشهد. رجل لم يرتجف له جفن يوم سمع باستشهاد اخويه ويعود باكياً من مقابلة السجان! بعد أن تمالك أعصابه وهدأت روحه روى ما حصل معه. قال: دخلتُ مكتب المدير الذي بادرني بفظاظة، أنت أخ «الكلب» عباس 3 ، لقد ترك لك هذه الحاجات بعد موته وأوصى بتسليمها لك، خذ ! ورمى أمامي محرمة وساعة يد.
قال عبدالهادي: هذا الضابط الحقير الدنيء آلمني أكثر مما آلمني خبر استشهاد شقيقي عباس، ولم يبدّد ألمي خبر بقاء أخي سعيد وإبدال حكم الإعدام الى المؤبد. وزاد في ألمي أنني لم أتمكن من وضع يدي على عنقه لأخمد أنفاسه. هذه هي الحياة، هذا هو نسيجنا الاجتماعي، وهذا ما صنعته النهضة ورسالتها عندما قدمت للأمة مثلاً من المناقب والرجولة بعكس ما تربّى عليه جيل بائد من الحقد والانحطاط، انّ ايماننا بهذا الانتماء وبهذه الرسالة وبهذا الزعيم الذي قال: «ما اشدّ اعتزازي بكم وما أروع النصر الذي أسير بكم اليه». إيمان أعطينا من أجله دماءنا وأرواحنا بسخاء.
كانت «ام عباس» تزور ولديها سعيد وعبدالهادي، واياد موصللي. ثلاثتنا معاً عندما كنا في «سجن الرمل»، وتزورني لوحدي عندما نُقل سعيد وعبدالهادي الى «سجن القلعة». كنتُ بالنسبة لها بمثابة ابن. هي امرأة قوية صلبة. في اول زيارة لها بعد استشهاد ابنها البكر عباس وما ان رآها عبدالهادي حتى انهمرت دموعه باكياً مشفقاً على شيخوختها وتعثر حياتها، اولادها الثلاثة ذهبوا بعيداً عنها. واحد قُتل ببطء لمدى الحياة، والآخر سجين لسبع سنوات وهل يبقى في عمرها أمل لتغمرهم وتضمّهم على صدرها ثانية؟ أو هل تحلم بأن يرشّوا جثمانها بالورود؟ هذه المرأة صرخت غاضبة بعدما رأت ابنها عبدالهادي بعد استشهاد شقيقه عباس يجهش بالبكاء: ويحك يا عبد! ماذا تفعل؟ أتبكي؟ ليتني لم أرك بل تصوّرتك كما كان يجب أن تكون، اتبكي وقد كان اخاك بطلاً، أتبكي، لا رأتك عيناي، أنا لا أريد أولاداً جبناء، وأدارت ظهرها تريد الذهاب. هنا صرخ عبدالهادي، أمّاه لا تذهبي، لم ابكِ جبناً ولا خوفاً من أجلك… انا مرتاح الآن استمدُ قوتي من صبرك ومن شجاعتك. عادت الأم باسمة وقالت لابنها: لا تخف عليّ يا عبد، فأنا ارفع رأسي بأولادي…»
هوامش
1 – الرفيق عباس: كان من بين 6 رفقاء سقطوا شهداء في 16/7/1949
2 – الرفيق سعيد: تمّ اغتياله اثر الثورة الانقلابية التي لم يكن مشاركاً فيها، بل كان معتقلاً من قبل السلطات اللبنانية، فتم اقتياده الى صحراء الشويفات فاغتياله «بتهمة محاولة الهرب»!؟ مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info ، للاطلاع على النبذتين المعممتين عن الرفيقين الشهيدين عباس وسعيد حماد مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info .
3 – من المعلومات أنّ عدداً من الصغار الحقيرين من رجال قوى الأمن امثال قاسم عبد الصمد كانوا يتوجهون بأقصى البذاءات الى الرفقاء المعتقلين في سجن الرمل.
إلى روحكِ يا «أم الأبطال» نرفع ا لتحية، وفي قلوبنا مشاعر عارمة من الفخر والاعتزاز.