هل ثمة حصاد غير الاحتراق؟

د. محمد بكر

المتابع اليوم لأداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحديداً في الملف السوري، سرعان ما يتبادر إلى ذهنه شخصية رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط الطافحة بالتبدّلات السياسية وجملة المتناقضات، أردوغان الذي يتصدّر المشهد السياسي اليوم عبر صياغات بالجملة من تصريح إلى نقيضه، ومن سلوك إلى آخر أكثر غرابة، يمضي الرجل قدماً وكأنه وحده من يفصّل ويلبس ويطبخ الطبخات السياسية، يعلن إعلامه الرسمي عن التوصل لاتفاق سياسي مع روسيا ووقف لإطلاق النار في سورية، فيما تنفي موسكو علمها بأيّ اتفاق وتمتنع عن التعليق، في إشارة إلى موافقة ضمنية تدرك فيها موسكو أهمية ضمّ تركيا لمحورها، وما يشكله ذلك من ركن مفصلي في يوميات الحرب السورية، أردوغان الذي يوجد ما يؤكد بالصورة وبالفيديو مدى استثماره ومرواغته وحتى دعمه للفصائل المتطرفة خلال السنوات الماضية، وكيف كانت الحدود مشرعة على مصراعيها وبسلاسة أمام جحافل من الفصائل المعارضة، ينتفض اليوم ويقدّم نفسه الزعيم والمحارب الشرس للإرهاب عبر البوابة السورية، وينقلب كلياً لجهة اتهاماته للتحالف الدولي الأميركي بعدم وفائه بوعوده، وهو أيّ التحالف من يقدم الدعم لداعش والأحزاب الكردية، وبرغم سيل من الصياغات الانقلابية يعود وزير خارجيته ليموضع مشهد التحوّل إلى نقطة البداية، عندما عدّ أنّ الإنتقال السياسي في سورية مع وجود الأسد مستحيل ولا يمكن القبول به، فماذا يريد أردوغان وهل ثمة انعطافة حقيقية فعلاً في أدائه السياسي؟

كلّ ما يغيظ أردوغان في اعتقادنا ينطلق من نقطتين رئيسيتين:

الأولى: النتائج التي آلت إليها طموحاته وأهدافه في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لجهة تجميد البرلمان الأوروبي مفاوضات الإنضمام، وتالياً يغدو الانجذاب نحو موسكو وتوقيع جملة من الاتفاقات الاقتصادية مؤخراً مع الرئيس الروسي بمنزلة سلوك انتقامي من أوروبا.

النقطة الثانية: أنّ شوكة الأكراد لا زالت قوية ولم تلن أو تنكفئ، سواء في الداخل التركي او في الداخل السوري ولا سيما مع الأيام الماضية التي تعرّضت فيها تركيا لخسائر كبيرة من الجيش والشرطة، إضافة لإطلاق القوات الكردية في سورية بالتزامن مع درع الفرات عملية غضب الفرات في الرقة.

التذبذب في السياسة والتصريحات التركية، فيها من التعويل في اعتقادنا على الإدارة الأميركية الجديدة في تخفيف وطأة ما يقلق أردوغان، لذا يعمل ظاهرياً بالتوافق مع روسيا، فيما يصدر جملة من التصريحات المغايرة ريثما تتوضح الرؤية والسلوك الأميركي مع وصول ترامب.

لا يمكن الاستشراف فيما إذا كانت تطلعات أردوغان في الشمال السوري من الممكن أن تتطور لصدام عسكري مع الجيش السوري وحلفائه في الميدان لا سيما بعد تصريح وزير الدفاع الإيراني لجهة أنّ الأتراك يجب أن يغادروا الأراضي السورية إذا طلبت دمشق ذلك، وعدا هذا السياق هم قوات معتدية، وكما قلنا سابقاً إنّ أردوغان يجيد اللعب على الحبال، والمرحلة الأخطر في اعتقادنا والأهمّ من سيطرة الدولة السورية على حلب، هي طبيعة وامتدادات الوجود العسكري التركي في الشمال، والأكثر أهمية هو كيف سيكون ردّ دمشق على ما يطرحه أردوغان من أنّ «الجيش الحر» هو فصيل مختلف تماماً عن الفصائل المتطرفة، اضافة إلى حركة «أحرار الشام» التي عبّرت عن علمها بالاتفاق التركي الروسي، وكيف سيكون سلوك موسكو فيما لو تبدّل أردوغان تبدّلاً حقيقياً وتجاوز السقف في الميدان السوري.

ما سيصدر عن لقاءات أستانة سيؤشر إلى ملامح المرحلة المقبلة، وسيضع تقلب أردوغان على المحك، ولا نعرف إن كان سيسلك أردوغان في نهاية المطاف سلوك وليد جنبلاط الذي أقرّ بالهزيمة في حلب، أم للأحلام الأردوغانية أجزاء لم تُعرض بعد على المسرح السوري والتي لن يكون حصادها إلا حرقاً لكلّ ما قيل عن توافقات وتقاطع في الرؤى السياسية، وربما أكثر.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى