حلب تُباد أو تُعاد؟

صهيب خزار

بعد أن تمكّن الجيش السوري وحلفاؤه من تحقيق النصر وإخراج الجماعات المسلّحة من حلب الشرقية، التي تُعدّ آخر مناطق مدينة حلب التي بقيت تحت سيطرة تنظيمات مسلّحة تتمايز بين مُنضَمَّة لتنظيم القاعدة، وأخرى محسوبة على بعض التنظيمات الأخرى المدعومة من قوى إقليميّة كتركيا والسعودية وقطر، لتنتهي بذلك العمليات العسكرية بعد نقل بقيّة المسلّحين الذين اختاروا التسوية والترحيل نحو إدلب التي ستكون قِبلة الجيش السوري وحلفائه في المستقبل القريب. وما يهمّنا من هذا الجانب هو الحملة الإعلامية التي استهدفت الجيش السوري والرئيس السوري بشار الأسد، من خلال حملة «هاتشتاغات» غزت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وما تخلّلها من نشر لصور وفيديوهات أجمع كلّ أخصّائيي التصوير بأنّها مزيفة، وقد كانت منظّمة القبعات البيض «The White Helmets» التي تنشط في حلب، والتي تدَّعي بأنّها منظمة تعمل لأغراض إنسانية، وهي التي عملت على نقل صور مزيّفة لبعض وسائل الإعلام العربيّة والغربيّة لكي تتماشى وفق المخطّطات التي تريد ذرّ الرماد في العيون، وإقناع الرأي العام العربي والعالمي بأنّ الدولة السوريّة ترتكب مجازر في حلب بحق المدنيّين، وكأنّ اليمن التي عاشت هذا الأمر حقيقة ومن دون تزييف طوال ثلاثة سنوات تقريباً «غير مرئية» أمام هذه المنظّمات وأمام الرأي العام العالمي عموماً.

كلّ هذه الحملات تريد أن تقنعنا بأنّ تنظيمات «فتح الشام» جبهة النصرة سابقاً ، وحركة نور الدين الزنكي المدعومة تركيّاً وأميركيّاً ومئات الفصائل التي يقودها ويحارب تحت جناحها الآلاف من المقاتلين الأجانب، كانوا يحمون شعب حلب من إجرام النظام السوري. هذه العناوين التي أرادت قنوات إعلاميّة كالجزيرة والعربية وأخواتها أن ترسّخها في المخيال العربي الجمعي، هذا الوعي الذي انعدم بعد أحداث ما يُسمّى بالربيع العربي وعاش انتكاسات مرتبطة بالجهل وسوء تقدير الأوضاع، وهو الوعي الذي أصبح يقتنع بكلّ الصور المنقولة له في وسائل الإعلام بدون إخضاع هذه المواد الإعلامية لتحقيق عقلاني بعيد عن نوازع العاطفة والرومانسية التي أصبحت الصفة الغالبة على شعوبنا العربية بأغلبيّتها، وصارت تمشي خلف الحملات الإعلاميّة البريطانية الصهيونية مُلجَمَةَ الأعين، وأصبحت بمثابة المعاول التي تُخَرِّب دولها، ولكم في ليبيا وسورية أبرز مثال عن ثورات إعلاميّة كاذبة مضلّلة «لا أكثر ولا أقلّ».

حلب التي كانت في ما سبق محافظة لها ثقلها الاقتصادي والصناعي الكبير في سورية والشرق الأوسط، والتي بالكاد كانت المتضرّر الأكبر من الأزمة الأمنيّة في سورية، أصبح لها ثقلها الاستراتيجي في الحرب السورية، والتي سعت كلّ الفصائل المسلّحة للسيطرة عليها كلّياً، نظراً لما تتّصف به هذه المحافظة من أهمية بالغة من حيث العمق والموقع الجغرافي والكثافة السكّانية «الديموغرافية»، لينتهي بها الحال مؤخّراً بالعودة لسيطرة الدولة والجيش السوريّين بقوة النار، وبعد معارك طاحنة ومحتدمة دامت لسنوات بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وبين الحركات والفصائل المسلّحة وداعميها ومحرّكيها من جهةٍ أخرى.

وقد أعقب هذا الانتصار التاريخي حملة دعائيّة وإعلامية كبرى قادتها بعض الأطراف بإيعاز من دوائر استخباراتية إقليمية ودولية، وكذا تابعنا دعم الإعلام الصهيوني بشكل صريح لهذه الحملات التي تستهدف الدولة السورية وحلفاءها، ممّا يفتح لدينا مجالاً أكبر للاستفهام حول هذه الضجّة المُثارة على حلب، وأبناء حلب دون سواهم من الشعوب الأخرى التي تعاني ليل نهار من التقتيل والتهجير. واليمن وحده دليل قاطع وكاشف لحجم النِّفاق الذي تمارسه وسائل الإعلام العربية والغربية، وقد وصل عدد الضحايا اليمنيّين في قرابة السنتين ونصف إلى عشرات الآلاف من الشهداء والملايين من الجرحى الذين سقطوا نتاجاً للقصف العشوائي الذي تمارسه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها يوميّاً في حربهم الظالمة على اليمن والشعب اليمني.

… هنا بالتحديد، يمكننا كشف مدى ارتباط الأجندة الإعلامية للقنوات الكبرى في العالم العربي بالأجندة السياسية الصهيونية/الخليجية. فالانتصار الذي حقّقته الدولة السورية، والذي لم يرقْ للصهاينة، لم يرقْ بنفس المستوى أو أكثر للخليجيين الذين ضخّوا مليارات الدولارات على الحركات المسلّحة بقصد إسقاط الدولة السورية وموقفها في المنطقة، في مشروع نفّذته هذه القوى بإيعاز من «إسرائيل» التي لطالما انتظرت الفرصة لإسقاط الدور السوري المعادي لها في المنطقة… ولكن الأمور تسير عكس إرادة هذه القوى الإقليمية بعد انتصار حلب التاريخي، الذي سيكون بمثابة التقويم التاريخي الجديد للأزمة السورية، كما ذكر الرئيس السوري بشار الأسد حين صرّح قائلاً: «من اليوم فصاعداً سيكون تقويم الأزمة تاريخيّاً بما قبل تحرير حلب، وما بعد تحرير حلب» .. نظراً لأهميّة هذه المعركة التي كسبتها الدولة السورية، ونرى تباكي بعض وسائل الإعلام العربية والغربيّة عليها…

باحث جزائري

المركز الدولي للدراسات الأمنيّة والجيوسياسية

www.cgsgs.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى