حقيقة المواقف الملتبسة لإدارة أوباما مع نهاية الولاية الثانية…
رامز مصطفى
ينهي الرئيس الأميركي باراك أوباما ولايته الثانية، في العشرين من كانون الثاني الحالي، بكثير من المتناقضات المتعلقة بأحداث المنطقة، وتحديداً في الملف السوري وملف التسوية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين». تُدرك إدارة أوباما كما غيرها أنّ على هذين الملفين سيترتب الكثير بخصوص مستقبل المنطقة، بل إلى أكثر دول العالم تأثيراً وحضوراً، وستعيد رسم خارطة لتحالفات وتكتلات ستفضي إلى تشكل عالم متعدد الأقطاب، بدأت ارهاصاته بالوضوح.
وقبل أن نورد تلك المتناقضات وخلفياتها، لا بدّ من السؤال أولاً، هل إدارة الرئيس أوباما، وهي التي راكمت كماً لا يُستهان به من الخبرة والتجربة خلال ولايتين رئاسيتين، لم تكن تمتلك القدرة في التحرك على الملفين المذكورين؟ وبالتالي فشل وصول المرشحة الرئاسية كلينتون في سباق الانتخابات الأميركية إلى البيت الأبيض، وفوز منافسها ترامب، هو ما دفع إدارة أوباما إلى التحرك كما يُقال في الوقت الضائع حتى العشرين من الشهر المقبل؟
أما ثانياً، فإذا كان فوز ترامب الغير متوقع، هو من وقف وراء اتخاذ إدارة أوباما قرارات تُناقض السياق السياسي التقليدي المُعلن سواء كانت الإدارة جمهورية أم ديمقراطية، وتحديداً في ما يتعلق بملف التسوية والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل». وهو إذا لم يكن من الأكيد، فهو من المرجح أنّ فوز ترامب كان وراء تلك القرارات.
وما دام المرجح ذلك، من المناسب إعادة شريط مواقف الرئيس المنتخب ترامب حول الملفين خلال حملاته الانتخابية، ففي الملف السوري قال ترامب: «علينا التركيز على محاربة تنظيم داعش في سورية، بدلاً من التركيز على إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، لأنني أرى أنّ المشكلة الرئيسية لا تكمن في الأسد، وإنما في داعش»، وأضاف: «أنّ الولايات المتحدة تدعم المتمرّدين ضدّ سورية، دون أن يكون لدينا أيّ فكرة من هم هؤلاء الناس»، وأكد أنه يفضل عدم دعم ما يسمّى بـ«المعارضة المعتدلة»، مضيفاً : «روسيا الآن تقف بالكامل إلى جانب سورية، وهي حليف لها. وإذا ما قمنا بمهاجمة الأسد، فإننا في نهاية المطاف سنبدو وكأننا نحارب روسيا».
وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، حين اتهم أوباما وكلينتون بتأسيس «تنظيم داعش» في العراق وسورية. وبأنّ أوباما مسؤول عن زرع الفوضى في الشرق الأوسط. أما في ملف التسوية فما صرّح به الرئيس المنتخب ترامب خلال حملته ومناظرته مع كلينتون، فقد كان الأكثر وضوحاً في انحيازه وتبنيه للرؤى «الإسرائيلية»، حيث قال: «أتطلع إلى تقوية الروابط الوثيقة بين دولتينا العظيمتين»، مضيفاً «إنني أدرك أنّ إسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية والوحيدة والمدافعة عن الإنسان في الشرق الأوسط، وأنها الأمل بالنسبة لعدد هائل من البشر». وأضاف: «لن أفرض حلاً بخصوص السلام لا ترضاه. وسأعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وأنقل السفارة الأميركية إليها». وترامب لم يجد في بناء المستوطنات عملاً يُناقض القانون، وهو قد عيّن الصهيوني ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في الكيان «الإسرائيلي». وفريدمان هذا من أشدّ المشجّعين للاستيطان وتحديداً في القدس، بل هو لا يعترف أصلاً بالشعب الفلسطيني. واليوم وبعد قرار مجلس الأمن 2334، الذي دعا إلى وقف فوري للاستيطان «في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، ناقض الرئيس ترامب موقف إدارة أوباما التي امتنعت عن التصويت، في سياق مغاير للمواقف التقليدية الأميركية القائمة على استخدام الفيتو في مواجهة أية قرارات تمسّ «إسرائيل»، حيث عبّر ترامب عن غضبه بالقول صراحة إنّ بعد 20 كانون الثاني 2017 لن يكون كما قبله، وأنه سيصحّح «الخلل» الذي وقع في مجلس الأمن.
ما تقدّم دفع إدارة الرئيس أوباما إلى فهم كلام الرئيس المنتخب ترامب في ما يخصّ الملف السوري أنه بصدد إعادة جدولة الأولويات الأميركية في المنطقة، وبذلك اعتبرها أوباما وإدارته بشكل أو بأخر تهديداً للمصالح الأميركية، وتعريضاً لعلاقاتها مع حلفائها في المنطقة إلى الخطر. وبالتالي ما قاله ترامب قد أعطى روسيا وسورية وإيران جرعة قوة أتاحت لهم التصعيد العسكري الغير مسبوق في حلب التي تمّ تحريرها. الأمر الذي أفقد إدارة أوباما صوابها لأنها وقفت عاجزة عن فعل أيّ شيء، خصوصاً مع إعادة تركيا الأردوغانية لجدولة أولوياتها في سورية من دون التنازل عنها أقله في المدى المنظور، فعمد أوباما إلى التوقيع على السماح بتوريد أسلحة كاسرة للمجموعات المسلحة في سورية، وهي عبارة عن صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف. وبذلك تريد تلك الإدارة أولاً الادّعاء بأنها تكفّر عن ذنوبها في عدم مساندة تلك المجموعات التي أرغمت على الانسحاب قسراً من أحياء شرق حلب، على الرغم أنّ الوقائع تُعاكس ذلك من خلال حجم الأسلحة والذخائر التي ضُبطت في مستودعات تلك المجموعات ومنها أميركية الصنع، أو التي تمّ تسليمها للمسلحين بمباركة أميركية. وثانياً محاولة للحدّ من اندفاعة إدارة ترامب القادمة إلى البيت الأبيض بعد أقلّ من شهر، لمنع تعاطيها بانفتاح مع روسيا لتسهيل الحلّ السياسي في سورية.
وكتعبير عن غضب إدارة أوباما على النجاحات الروسية، ووضعاً للعراقيل، ورفعاً للسدود أمام علاقة متميّزة قد تكون موعودة بين إدارة ترامب والقيادة الروسية برئاسة بوتين، وفي خطوة غير مسبوقة، وحتى في أوج الحرب الباردة بين الدولتين العظميين، عمدت إدارة الرئيس أوباما إلى طرد 35 دبلوماسياً روسياً في واشنطن وسان فرانسيسكو، وأغلقت مجمعين في كلّ من نيويورك وماريلاند. وقد برّر الرئيس أوباما خطوة طرد الدبلوماسيين في قوله: «إنّ أمر الإجراءات ضدّ روسيا ضروري وملائم رداً على مساعي الإضرار بالمصالح الأميركية في انتهاك لقواعد السلوك الدولية الراسخة».
وفي ما يتعلق بملف المفاوضات والتسوية، فإنّ إدارة أوباما من خلال الإيعاز لمندوبتها في مجلس الأمن الإمتناع عن التصويت على القرار 2334، أرادت توجيه رسالتين، الأولى لترامب وإدارته الجديدة في التأكيد على عدم اندفاعها خارج خطوط السياسة الأميركية بما يتعلق بهذا الملف، لما له من حساسية بالغة. والثانية لنتنياهو بأنّ صدر إدارة أوباما قد ضاق ذرعاً بالسلوك العدائي الذي يبديه نتنياهو وحزبه وبعضاً من طاقم حكومته ضدّ الرئيس أوباما وإدارته، وبالتالي ما تسبّبه سياسات «إسرائيل» من إحراجات خاصة ما يتعلق منها بالاستيطان، الذي أبدت حياله إدارة أوباما التذمّر باستمرار، ولكن من دون أن تتخذ إجراءات عملية لوقفها، وهنا يكمن الدجل والكذب الأميركي، الذي لا يعرف حدوداً له، وها هي آخر فصوله ما قدّمه جون كيري من رؤية لحلّ ما سمّاه بـ«النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي» على أساس حلّ الدولتين مكونة من ست نقاط لا مجال لإجراء القراءة عليها الآن ، ولكن يكفي أن يدعو كيري إلى شطب ملف اللاجئين وتوطينهم في دول أخرى والتعويض عليهم أولاً، وبأنّ القدس عاصمة لدولتين ثانياً، ويمكن تحقيق رؤية حلّ الدولتين على أساس القرار الأممي 181 والذي تمّ بموجبه الاعتراف بـ«إسرائيل» كـ«دولة يهودية»، وهذا هو موقف الولايات المتحدة عبر السنوات. ثالثاً، لتدلل على أنّ الولايات المتحدة لا زالت على مواقفها الداعمة والمتبنية للكيان «الإسرائيلي».
إدارة أميركية راحلة، وأخرى قادمة، ومن الواضح أنّ كلتيهما تقفان على النقيض من بعضهما البعض في ملفات ذات حساسية عالية، ولكن الحقيقة الدامغة أنّ ترامب باقٍ وحتى السنوات الأربعة المقبلة في البيت الأبيض، فهو عازم ومن خلال تشكيلة إدارته على الاستمرار في ما أعلنه بحملاته الانتخابية، وهي في الأصل برامج انتخب على أساسها. وفي المقابل هناك حقيقة أخرى دامغة، أنّ الرئيس أوباما وإدارته مغادرة، ولكن حزبه الديمقراطي باقٍ، ويضع نصب عينيه تشغيل الكوابح الأوبامية التي رُسمت وأعلن عنها في الأيام الأخيرة من عمر تلك الإدارة وتحديداً في الملفين الأكثر حساسية من بين ملفات على قدرٍ عالٍ من الأهمية، لأنها أيضاً موضع خلاف بين اللاعبين الكبار.