هل يتأثر الاقتصاد الأردني برفع أسعار الفائدة الأميركية؟
د. مروان الزعبي
في خطوة متوقعة قام الفيدرال ريزيرف الأميركي قبل عدة أيام برفع أسعار الفائدة بـ 25 نقطة أساسية حيث كانت آخر مرة يرفع فيها أسعار الفائدة في كانون الأول 2015 بعد الأزمة المالية العالمية.
الهدف من الخطوة هو الابتعاد عن الفائدة الصفرية لتفعيل هذه الأداة واستخدامها عند الحاجة وهي تؤشر إلى التخوف من بدء ارتفاع معدلات التصخم على الرغم من أنها في الوقت الحاضر تحت معدلها المستهدف والبالغ 2 في المئة.
يذكر أنّ البنك المركزي الأميركي يهدف بشكل رئيسي إلى استقرار الأسعار ورفع مستوى التوظيف في الاقتصاد.
أما الآثار المتوقعة على الاقتصاد الأميركي، فمنها الفوري ويتمثل بتراجع أسواق الأوراق المالية الأسهم والسندات وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، وما لذلك من أثر سلبي على ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط المُسعَّر بالدولار. أما على المدى المتوسط، فهناك آثار أخرى أهمها ارتفاع أسعار فوائد الاقتراض كافة وأسعار الودائع وهذا يعني الضغط على الموازنة التي تعاني أصلاً من عجز كبير وانخفاض وتيرة النشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى تباطؤ مستوى التوظيف في الاقتصاد، ناهيك عن تراجع وضع ميزان المدفوعات بسبب ارتفاع قيمة الدولار.
فكيف يتأثر الأردن بذلك؟
من المعروف أنّ الدينار الاردني يرتبط بسعر صرف ثابت مع الدولار الأميركي وهذا يعني أنّ البنك المركزي الأردني سيجد نفسه أمام ضغوط لرفع أسعار الفائدة لديه حتى يحافظ على المستوى المرغوب والمستهدف لهامش أسعار الفوائد ويُبقي على جاذبية الدينار. وهذا ما حدث فعلاً، حيث عمد «المركزي الأردني» إلى رفع أسعار الفوائد الخاصة به وبنفس المقدار 25 نقطة أساسية في اليوم التالي ونذكر هنا أنّ هناك مجموعة من الدول قامت بنفس الخطوة لارتباط عملاتها بالدولار وبسعر ثابت . ومعلوم أنّ الحكومة الأردنية تقترض وبشكل كبير، ما سينعكس ارتفاعاًً إضافياً على عجز الموازنة سواء اقترضت المملكة بالدينار الأردني أم بالدولار الأميركي.
يرتبط سعر صرف العملة إيجابياً مع سعر الفائدة، لذلك سترتفع قيمة الدينار الأردني مقابل بقية العملات باستثناء الدولار وبقية العملات التي لها علاقة ثابتة مع الدولار ، وسيكون لذلك أثر سلبي على ميزان المدفوعات حيث ستزداد الواردات وتنخفض الصادرات من السلع والخدمات.
يعاني الاقتصاد الأردني من مشكلات اقتصادية عدة يأتي في مقدمتها ارتفاع مستويات البطالة والفقر وعجز الموازنة وعجز الميزان التجاري. صحيح أنّ نسبة الارتفاع ليست كبيرة ربع نقطة مئوية لكنّ أثرها سيكون ملموساً لأنها تعني التشدّد في السياسة النقدية.
ما نحتاجه في هذه المرحلة هو في الحقيقة تخفيض أسعار الفوائد وليس رفعها حتى تدور عجلة الاقتصاد وبشكل أكبر وأسرع. وستُبنى التوقعات في الأردن، وخاصة من قبل البنوك، على أساس أنّ البنك المركزي الأردني سيستمر في اتباع «الفيدرال ريزيرف»، لذلك ستبدأ البنوك التفكير في رفع أسعار الفوائد لا بل ستبدأ برفعها، وتستهل ذلك برفع النسبة على الإقراض لأنّ لها مصلحة في ذلك، خاصة في ظلّ توقعات أميركية بأنّ الفائدة سوف تستمر في الارتفاع 3 مرات خلال عام 2017.
يبدو أنّ عام 2017 سيكون من أصعب الأعوام على الأردن لأنّ رفع أسعار الفوائد الأميركية خطوة في الاتجاه المعاكس، خاصة أنّ الدينار مستقر ومعدل التضخم ضمن المستويات المقبولة عالمياً. وما يحتاجه الأردن هو تبنّي سياسات ترفع من مستوى التوظيف وتسرِّع من وتيرة النشاط الاقتصادي. لذلك ستعاني الحكومة لأنها في حالة اقتراض دائم. ومن جهة ثانية، فإنّ الأسواق المالية، خاصة أسواق السندات، تتأثر بشكل كبير بتغيرات أسعار الفوائد، وهذا يعني أنّ هذا العام سيشهد انخفاضات متتالية في أسعار السندات الأميركية والأردنية.
لن يتأثر المستثمرون في الأردن كثيراً لأنّ غالبيتهم يحتفظ بها حتى يحين استحقاقها buy and hold . لكن هناك من المستثمرين من سيتأثر بانخفاض أسعار السندات الأميركية العام المقبل ومنهم البنك المركزي والبنوك التجارية المستثمرة في تلك السندات. وهذا يتطلب إعادة هيكلة محافظها الاستثمارية تحسباً لتكرار رفع أسعار الفوائد الأميركية.
ربما يكون الأثر الإيجابي الوحيد هو انخفاض أسعار السلع المستوردة التي يتم شراؤها بغير الدولار الأميركي حيث أنّ الدينار سيرتفع أمام هذه العملات. وربما يشهد المودعون بعض الارتفاع في أسعار الفائدة على الدينار الأردني والدولار. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ليس على البنك المركزي أن يرفع أسعار فائدة الدينار في كلّ مرة ترتفع فيها أسعار فائدة الدولار، وهو إجراء اتّبعه البنك المركزي الأردني كثيراً في السابق. كلّ ما هو مطلوب الإبقاء على هامش بسيط بين فائدة الدينار والدولار لأنّ الدينار مستقر كما كان دوماً وهذا بفضل سياسة البنك المركزي الأردني الذي استطاع على مر التاريخ المحافظة على الاستقرار النقدي باستثناء ما حصل عام 1989 .
الأردن بحاجة إلى سياسات اقتصادية جديدة تستند إلى الحداثة والابتكار بحيث تكون بوصلتها موجهة إلى مكافحة الفقر والبطالة واستحداث وظائف جديدة والابتعاد عن السياسات التقليدية التي آلت بالوضع الاقتصادي إلى ما هو عليه الآن. إنّ رفع أسعار الفوئد في الأردن يعني السير في عكس الاتجاه الذي نريد، فتخفيضها يحفز النمو الاقتصادي ويرفع من مستوى الاستثمار وبالتالي التوظيف ويخفض الفقر والبطالة.
أما بالنسبة إلى الاستقرار النقدي، فما من شك بأنه يأتي في قمة الأولويات وهو مطلب سابق للنمو الاقتصادي لكنّ الدينار مستقر كما كان على الدوام ومعدل التضخم ضمن المستويات المقبولة. لذلك ينبغي عدم مشابهة تحركات أسعار الفوائد الأميركية. كلّ ما نريده هو الإبقاء على هامش بسيط بين أسعار الفوائد في الدولتين إلا إذا انخفضت احتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة بشكل ملموس.
خبير مالي ومصرفي